إيران تحرص على إشراك الحشد في جبهة المواجهة مع إسرائيل

الإيحاء بمواجهة شاملة محورها فلسطين وليس من يسيطر على العراق.
الأربعاء 2024/08/07
الموقف خطير لكن لا خيار

حرص إيران على إشراك الحشد الشعبي في المواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل لا يتيح لها فقط تخفيف عبء الصراع الخطِر عن كاهلها لكنّه يتيح بذات القدر فرصة للميليشيات ذات السمعة السيئة لأخذ حصتّها من الدعاية التي يوفرها الانخراط في أعمال “المقاومة” والمشاركة في الثأر لدماء زعيم حركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية.

طهران / بغداد - كشف الهجوم الصاروخي للحشد الشعبي على قاعدة عين الأسد الأميركية عن حرص إيران على جعل الميليشيات الحليفة لها في العراق جزءا من المواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة ضمن جبهة مشتركة تضم كذلك الحوثيين وحزب الله وحركة حماس.

ويعود إشراك الحشد في المعركة إلى سبب آخر غير تجميع الحلفاء وتوحيد جبهة الانتقام لمقتل زعيم حماس إسماعيل هنية، ويتعلق بالسمعة السيئة للميليشيات المتناحرة في ما بينها، والتي تتحرك بأجندة طائفية تثير غضب العراقيين، ما يجعل المواجهة مع الأميركيين في عين الأسد مفتعلة والهدف منها إعادة تأهيل صورة الحشد.

ولم يعد العراقيون يصدقون شعارات الحشد وتحرشاته بالقوات الأميركية خلال السنوات الماضية، ما دفع إيران إلى إشراكه في جبهة أوسع نظرا إلى اقتناعه بأنه إذا توسعت هذه الجبهة وشملت إسرائيل -في المواجهة بين إيران والحشد من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى- على أرض العراق فسيتداخل الأمر، وهو ما قد يساعد على تلميع صورة الحشد المحلية.

ويهدف هذا الخلط إلى الإيحاء بأن استهداف الحشد للأميركيين في عين الأسد يأتي ضمن مواجهة شاملة محورها غزة وفلسطين وليس من يسيطر على العراق.

الإيرانيون يعتقدون أن العراقيين يمكن أن ينسوا أخطاء الميليشيات فيما لو شاركت في الانتقام لهنية وقيادات حزب الله

ويراهن الإيرانيون على أن العراقيين يمكن أن ينسوا أخطاء الميليشيات التي تنغص عليهم حياتهم فيما لو شاركت في عمليات الانتقام لهنية ولقيادات حزب الله وآخرهم فؤاد شكر، الذراع اليمنى لحسن نصرالله، تماما مثل الحوثيين الذين باتوا في صورة البطل الذي يعترض السفن أسفل البحر الأحمر وخليج عدن والذي يطلق المسيّرات على إسرائيل نصرة لأهل غزة.

وأُطلقت صواريخ الاثنين على قاعدة في العراق تضم قوات أميركية، بعد مرور أيام على مقتل أربعة مقاتلين عراقيين موالين لإيران في غارة أميركية وعلى وقع مخاوف من تصعيد إقليمي.

وقال مصدر عسكري إن “صواريخ أطلقت على قاعدة عين الأسد” في محافظة الأنبار (غرب)، مضيفا أن بعضها “سقط داخل القاعدة” في حين سقط صاروخ واحد في قرية مجاورة من دون أن يخلف أضرارا.

وأفاد مسؤول في فصيل تدعمه إيران بأنه “تم استهداف القاعدة بصاروخين” على الأقل، من دون أن يحدد الجهة التي نفذت الهجوم. وأكد مصدر آخر في الفصيل نفسه وقوع الهجوم.

وتكررت هذه الهجمات بعيْد اندلاع الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس، لكن وتيرتها تراجعت بشكل كبير لاحقا.

ويأتي هجوم الاثنين متزامنا مع ازدياد المخاوف من هجوم قد تشنه إيران وحلفاؤها على إسرائيل ردا على اغتيال هنية واختراق أجوائها، وهي واقعة تحت ضغوط شديدة للرد من أنصار “محور المقاومة”، خاصة بعد أن فشل ردها في أبريل الماضي على استهداف قنصليتها في دمشق.

ولا تعتبر الهجمات الحالية لحزب الله والحوثيين والحشد الشعبي سوى تحركات ثانوية ضمن قواعد الاشتباك المعهودة، والجميع -بمن في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة- ينتظرون شكل الرد الإيراني.

وكرر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله تهديداته لإسرائيل حين قال الثلاثاء إن “ردنا آت إن شاء الله قويا فاعلا وبيننا وبينهم الميدان”.

وتحركت جهات مختلفة للوساطة وإقناع الإيرانيين بوضع ضوابط للرد والاستماع إلى عروض التهدئة. ودخلت موسكو على الخط، حيث طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من المرشد الأعلى علي خامنئي ردا محدودا وتجنب استهداف مدنيين إسرائيليين.

وقال مصدران إيرانيان كبيران إن سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو نقل رسالة بوتين الاثنين خلال اجتماعات مع مسؤولين إيرانيين كبار.

وأردف المصدران المطلعان أن طهران تضغط أيضا على موسكو من أجل تزويدها بطائرات مقاتلة روسية الصنع من طراز سوخوي سو-35.

وقالا إن زيارة شويغو كانت أحد السبل العديدة التي لجأت إليها موسكو لإقناع إيران بضرورة ضبط النفس في مسعى لمنع نشوب حرب في الشرق الأوسط بينما نددت في الوقت ذاته بمقتل هنية ووصفته بأنه “اغتيال خطير للغاية”.

وأضافا أن الشرق الأوسط على شفا حرب كبرى ومن الواضح أن من يقفون وراء الاغتيال يحاولون إشعال فتيل هذا الصراع.

وتوطد روسيا علاقاتها مع إيران منذ بداية غزوها لأوكرانيا، وتقول إنها مستعدة لتوقيع اتفاقية تعاون واسعة النطاق مع طهران.

وفي واشنطن حذر مسؤول في إدارة الرئيس جو بايدن الاثنين من مخاطر اندلاع حرب إقليمية شاملة. وأكد المسؤول، الذي طلب عدم كشف هويته، أن حجم رد إيران وحزب الله سيكون عاملا رئيسيا في تحديد مدى الصراع المحتمل.

ورغم الجهود التي تبذلها دول غربية وإقليمية لإقناع إيران بالرد بطريقة مدروسة أو عدم الرد على الإطلاق، فقد أبلغت طهران مسؤولين أجانب أنها سترد “بقسوة” على مقتل هنية.

وفي لبنان قال مصدر لبناني بارز مقرب من حزب الله إن الضربة الانتقامية أمر لا مفر منه والدبلوماسية لم تعد خيارا قابلا للتطبيق، مضيفا أن إيران تريد أن تكون الضربة “قاسية” لكن لا تؤدي إلى حرب إقليمية. ومع ذلك قال إن هذا لا يستبعد احتمال اندلاع حرب في لبنان بين حزب الله وإسرائيل.

وقال مسؤول أميركي كبير مهتم بالشرق الأوسط إن واشنطن تبذل كل ما في وسعها “لمنع جميع الأطراف من الوصول إلى نقطة لا يمكنها التراجع عنها”، مؤكدا أن الدول الأخرى في المنطقة وأوروبا يجب أن تفعل المزيد من أجل التهدئة.

والاثنين أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت على أن إسرائيل يجب أن تكون مستعدة لأي شيء، بما في ذلك الانتقال السريع إلى الهجوم.

طهران تضغط أيضا على موسكو من أجل تزويدها بطائرات مقاتلة روسية الصنع من طراز سوخوي سو-35

ومن المرجح أن يستند رد إسرائيل على أي هجوم من جانب حزب الله أو إيران إلى الأضرار الناجمة وليس إلى نطاق الهجوم، وفقا لمصدرين مطلعين على تقييمات إسرائيلية حديثة.

ويثير الحرص الأميركي على عدم تفجير صراع إقليمي واسع النطاق الأسئلة بشأن طريقة تصرّف واشنطن إزاء استهداف قواتها في قاعدة عين الأسد، خصوصا وأن الولايات المتحدة لم تتردد قبل أيام في الرد بقوة على هجوم  كانت شنته الميليشيات الشيعية على نفس القاعدة على الرغم من أنه لم يتسبب سوى بأضرار مادية طفيفة.

وكان الجيش الأميركي قد وجّه ضربة جوّية ضدّ عناصر ميليشيا عراقية حاولوا إطلاق مسيرات على القوّات الأميركيّة والقوّات المتحالفة معها في المنطقة، وفق ما أعلنه مسؤول دفاعي أميركي.

وكانت الضربة التي نُفذت في جرف الصخر بمحافظة بابل جنوبي العاصمة العراقية بغداد وأسفرت عن مقتل أربعة أشخاص على الأقلّ، هي الأولى من نوعها التي تشنّها القوّات الأميركيّة في العراق منذ آخر ضربة نفذتها في فبراير الماضي وأكّد الجيش الأميركي وقتذاك أنّه قَتل فيه قائدا مواليا لإيران.

وتسببت الضربة بحرج بالغ لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تجّلى في خطابها الحاد تعليقا عليها، حيث أعلن يحيى رسول الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة أنّ “قوات التحالف الدولي أقدمت على جريمة نكراء واعتداء سافر”.

وأشار رسول في بيان إلى تزامن الضربة مع المحادثات الأمنية الجارية بين واشنطن وبغداد، قائلا في بيانه إنّ الضربة الأميركية في جرف الصخر جاءت “على الرغم من كل الجهود عبر القنوات السياسية والدبلوماسية، والجهود المبذولة من اللجان الفنية العسكرية العليا، والوصول إلى مراحل متقدمة في ملف إنهاء تواجد وعمل قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش بالعراق”.

وحذّر من حدوث تصعيد من شأنه أن يجرّ العراق والمنطقة برمتها إلى صراعات وحروب وتداعيات، مضيفا أنّ “هكذا تجاوزات خطرة وغير محسوبة النتائج من شأنها أن تقوّض، وبدرجة كبيرة، كل الجهود وآليات وسياقات العمل الأمني المشترك لمحاربة داعش في العراق وسوريا”.

3