إيران تحاول الإمساك بمعادلة كردستان العراق من طرفيها

زيارة بزشكيان إلى أربيل والسليمانية خطوة إيرانية متقدمة على تركيا ذات العلاقة غير المتوازنة مع الحزبين الحاكمين في الإقليم.
الجمعة 2024/09/13
أقصفك ونظل أصدقاء

حرص الرئيس الإيراني على زيارة معقليْ الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان العراق على قدم المساواة، يعكس مرونة بلاده في سياستها تجاه الإقليم قياسا بمنافستها على النفوذ هناك تركيا التي تقتصر صادقتها على أحد الحزبين دون الآخر، بينما تحرص إيران على مدّ الجسور مع كليهما سعيا لاحتوائهما معا.

السليمانية (العراق)- تمتّد طموحات إيران لاحتواء إقليم كردستان العراق إلى أبعد من مجرّد توثيق الصداقة مع حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني المقرّب من حلفائها قادة الأحزاب والفصائل الشيعة الحاكمة في العراق، نحو ترويض الحزب الديمقراطي الكردستاني القائد الرئيسي لتجربة الحكم الذاتي في الإقليم والذي لا ترتقي علاقته بطهران إلى مرتبة الثقة الكاملة، قياسا بالتطوّر الكبير المسجّل في علاقته بتركيا.

وبهدف استرضاء الحزبين المتنافسين معا قام الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في نطاق الزيارة التي يقوم بها إلى العراق، بزيارة مركزيْ نفوذهما أربيل والسليمانية حيث أجرى محادثات مع قيادتيهما.

وبمحاولتها استمالة طرفي معادلة الحكم في كردستان العراق تكون إيران في عهد رئيسها المنتخب حديثا بصدد التقدّم خطوة على منافستها على النفوذ في الإقليم، تركيا التي لم تنجح في إقامة علاقات متوازنة مع الحزبين الرئيسيين في تلك المعادلة، إذ دخلت في مقابل صداقتها المتنامية وتعاونها متعدّد الأوجه مع الحزب الديمقراطي بقيادة أفراد أسرة بارزاني، في حالة عداء مع حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني بقيادة ورثة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني بسبب ما توجهه له من اتهامات بالتعاون ضدّها مع حزب العمّال الكردستاني واحتضان مسلحي الحزب في السليمانية في وقت تنخرط فيه أربيل بتعاون فعال مع الجيش التركي في حربه ضد هؤلاء المسلّحين المتمركزين في عدد من مناطق الإقليم.

هوشيار زيباري: زيارة بزشكيان مرحب بها وتحمل رسائل عديدة
هوشيار زيباري: زيارة بزشكيان مرحب بها وتحمل رسائل عديدة

وبهذا تكون إيران أكثر مرونة من منافستها تركيا في التعامل مع الإقليم، فبينما قطعت تركيا قنوات التواصل مع قيادات حزب الاتحاد الذي تتهمه بـ”دعم الإرهاب” وعملت على محاصرة حزبهم وتحجيم نفوذه، حرصت إيران على الحفاظ على جسور التواصل مع قيادات الحزب الديمقراطي رغم أنّها توجّه إليهم اتهامات لا تقل خطورة عن تلك التي توجهها أنقرة.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد زار العراق في أبريل الماضي واقتصر، بالإضافة إلى بغداد، على زيارة أربيل دون السليمانية.

وتتهم طهران أربيل بالتغطية على أنشطة استخبارية موجهة ضدّ أمنها تقول إنّ إسرائيل تقوم بها في كردستان العراق، وسبق لها أن تجاوزت مجرد الاتهام اللفظي إلى التصرف العملي بقصفها موقعا مدنيا في الإقليم قالت إنه يحوي مركزا لتلك الأنشطة.

وقُبيل بدء بزشكيان زيارته إلى بغداد ومن ثم إلى أربيل والسليمانية نشب سجال بين السفير الإيراني في العراق محمد صادق آل كاظم الذي أعاد تبرير ذلك القصف بالاستناد على نفس ذريعة النشاط الاستخباري المعادي، وبين وزارة داخلية الإقليم التي ردّت عليه بالقول في بيان إنّ “لجان تحقيق زارت أربيل وفندت المزاعم الإيرانية”، واصفة “الربط بين قصف المدنيين في أربيل والدفاع عن النفس ضد إسرائيل”، بأنّه “مجرد مزاعم كاذبة ومضللة”.

والتقى الرئيس الإيراني، الخميس، مسؤولين أكرادا في إقليم كردستان حيث دعا إلى “توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري”، وذلك في اليوم الثاني من زيارته العراق الهادفة بشكل أساسي إلى تعزيز العلاقات الثنائية والأمنية.

وبزشكيان هو أول رئيس إيراني يزور كردستان العراق وفق المسؤولين في الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي، وذلك في انعكاس لتحسّن العلاقات بين طهران وأربيل بعد سنوات من التوترات والضربات الإيرانية على شمال العراق.

وبعدما حطت طائرته في مطار أربيل الدولي اجتمع بزشكيان برئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني ورئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني ومسؤولين آخرين.

وأعرب خلال الاجتماع، وفق ما ذكر موقع الرئاسة الإيرانية، عن عزم طهران على “توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري مع إقليم كردستان العراق”.

ويأتي ذلك غداة لقائه مسؤولين سياسيين في بغداد حيث وقّع 14 مذكرة تفاهم وبحث مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في “تعاون أكبر بين البلدين”.

وذكّر بزشكيان في أربيل بأن طهران وبغداد توصلتا إلى “اتفاق على صياغة آفاق تطوير التعاون المشترك في شكل وثيقة إستراتيجية شاملة طويلة الأجل”.

◄ طهران تتهم أربيل بالتغطية على أنشطة استخبارية موجهة ضدّ أمنها تقول إنّ إسرائيل تقوم بها في كردستان العراق

ومن جهته قال بارزاني الخميس “لطالما اعتبرنا جمهورية إيران الإسلامية سندا لنا في الأوقات الصعبة.. ونتمنى تطوير علاقاتنا أكثر بعد هذه الزيارة التاريخية وفي كل المجالات”.

وفي السنوات الأخيرة، تعثرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب نقطة خلاف رئيسية تتمثل بالمجموعات المسلحة للمعارضة الكردية الإيرانية التي تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينات القرن الماضي التي شهدت حربا استمرت ثمانية أعوام مع إيران.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة ذات الميول اليسارية والتي تعلن النضال ضدّ التمييز الذي يعانيه الأكراد في إيران، في جذب المؤيدين الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية.

وتتّهم طهران تلك المجموعات بتهريب أسلحة إلى أراضيها انطلاقا من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

وفي مارس 2023، وقّع العراق وإيران اتفاقا أمنيا بعد أشهر قليلة على تنفيذ طهران ضربات ضد مجموعات كردية معارِضة في شمال العراق.

وفي نهاية العام، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات بعيدة عن حدود إيران.

◄ حكيم عبدالكريم توقع وجود ملف الانتخابات ضمن أجندة الزيارة لأن من مصلحة إيران الاستقرار السياسي في الإقليم
حكيم عبدالكريم توقع وجود ملف الانتخابات ضمن أجندة الزيارة لأن من مصلحة إيران الاستقرار السياسي في الإقليم

وأكّدت سلطات كردستان العراق أن الإقليم “لن يشكل أبدا تهديدا لإيران والدول المجاورة ويلتزم تماما بالاتفاقية الأمنية بين العراق وإيران”، حسبما جاء في بيان صدر عن رئاسة الإقليم في ختام اجتماع الخميس.

وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قال الأربعاء خلال مؤتمر صحفي مشترك مع بزشكيان إن بغداد أكّدت “موقفها المبدئي والدستوري والقانوني بعدم السماح لأي جهة بارتكاب عدوان أو عمل مسلح أو تهديد عابر للحدود ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية يتخذ منطلقا من الأراضي العراقية”. وأضاف “نجحنا في الاتفاق على ضبط الأوضاع الأمنية عند المناطق الحدودية”.

والتقى بزشكيان الخميس كذلك مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني وأكّدا “التنسيق وتعزيز العلاقات في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية” وفق ما جاء في بيان صدر عن مكتب بارزاني.

وأشار البيان إلى أن بزشكيان وجّه دعوة رسمية إلى الزعيم الكردي لزيارة الجمهورية الإسلامية.

ثم توجه الرئيس الإيراني إلى السليمانية ثاني أكبر مدن الإقليم حيث استقبله رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني.

وقال إعلام الحزب إنّ الرئيس الإيراني عقد في المدينة اجتماعا “مع وفد رفيع المستوى من الاتحاد برئاسة بافل جلال طالباني لبحث آخر المستجدات في كردستان والعراق والمنطقة وسبل تعزيز العلاقات الثنائية”.

وعلّق هوشيار زيباري القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي سبق له أن شغل منصبي وزير للمالية ووزير للخارجية في الحكومة الاتحادية العراقية، على زيارة بزشكيان إلى العراق والإقليم بأنّها “مهمة ومرحب بها وتحمل رسائل عديدة”.

وأضاف في منشور على منصة إكس “الأهم هو الاحترام المتبادل واحترام أمن واستقلال سيادة البلدين الجارين في جميع مجالات الأمن والاقتصاد والتجارة والعلاقات بين الشعبين”.

أما الباحث السياسي حكيم عبدالكريم فرأى وجها آخر لأهمية زيارة بزشكيان لأربيل والسليمانية متمثّلا في مساهمة طهران في حل الصراع بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتّحاد الوطني والذي تصاعد كثيرا مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في الإقليم، متوقّعا في تصريحات لوسائل إعلام محلية وجود ملف الانتخابات ضمن أجندة الزيارة “لأن من مصلحة إيران الاستقرار السياسي في الإقليم” المجاور لأراضيها.

3