واردات النفط العالية لا تخفي الحقيقة: الاقتصاد العراقي ريعي تماما

البلد يواجه ضغوطا شديدة لتنويع موارده ومواكبة التحول الأخضر.
الاثنين 2023/04/17
متى ستتوقفون عن الإدمان على النفط؟

يتفق خبراء على أن الأزمة الأخيرة بخصوص تعطل إنتاج النفط في العراق تؤكد أن المسؤولين أمامهم الكثير من الصعوبات والعراقيل لإثبات أنهم يعملون بالفعل على تنويع الاقتصاد الذي ظل لعقود حبيسا في منطقة واحدة دون رؤية جهود حقيقية للقطع نهائيا مع النمط القديم المثير للجدل.

لندن – تواجه صناعة النفط والغاز في العراق بعد الإيرادات الضخمة التي شهدتها خلال العام الماضي تحديات جديدة في 2023 مما أدى إلى خفض الإنتاج وإغلاق خط أنابيب للتصدير شمال البلاد مع تركيا. وزاد الصراع على إقليم كردستان شبه المستقل من تعقيد عملية تصدير النفط التي تدرّ معظم دخل البلاد.

وترى فيليسيتي برادستوك الكاتبة في منصة “أويل برايس” الأميركية أن فرط الاعتماد على العائدات النفطية كان من أسباب عدم الاستقرار المالي للبلاد مما يخلق حاجة ملحة إلى التنويع الاقتصادي.

لكن مع ذلك تتوقع برادستوك أن تبقى صناعة النفط في ثاني أكبر منتج للخام في منظمة أوبك بعد السعودية قوية خلال السنوات القادمة مع تعدد مشاريع الطاقة الجديدة مع شركاء دوليين.

فيليسيتي برادستوك: فرط الاعتماد على النفط يؤدي إلى عدم الاستقرار المالي
فيليسيتي برادستوك: فرط الاعتماد على النفط يؤدي إلى عدم الاستقرار المالي

وتجاوزت عائدات البلاد من النفط 115 مليار دولار سنة 2022 مع ارتفاع أسعار النفط والطلب العالمي. وكان هذا المستوى الأعلى خلال أربع سنوات إثر انخفاض الطلب أثناء أزمة الجائحة حين لم تتجاوز العائدات النفطية العراقية 42 مليار دولار.

ويبقى العراق ثاني أكبر منتج للنفط من دول أوبك، ويوفر إنتاجه حوالي 90 في المئة من دخل البلاد. وقد صدّر أكثر من 1.2 مليار برميل في العام الماضي، أي بمتوسط يقدّر بحوالي 3.3 مليون برميل يوميا.

ويعتمد البلد كثيرا على صادراته النفطية مع تواصل التحديات الاقتصادية والصراعات، مما خلق الحاجة إلى ضخّ استثمارات كبيرة في بنية البلاد التحتية.

وقالت برادستوك “رغم تمتع العراق بموارد نفطية كبيرة تتجاوز 143 مليار برميل من الاحتياطيات المؤكدة في 2016، إلا أنه يعاني اليوم من أزمة طاقة”.

وفي نغمة قديمة – جديدة أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني السبت الماضي على عزم الحكومة على تحرير الاقتصاد العراقي من الاعتماد المنفرد على النفط وتقلّبات أسعاره في الأسواق العالمية.

وقال خلال اجتماع خُصص لمناقشة بنود مشروع قانون الموازنة العامة إن “الحكومة ماضية بتحرير الاقتصاد من خلال تنشيط باقي القطاعات الزراعية والصناعية والخدمية الواعدة وعدم الاعتماد على النفط”.

وأوضح أن لدى الحكومة خططا لتنمية والاقتصاد، والإصلاحات المالية وعوائدها الإيجابية على الاقتصاد الداخلي ومساعدتها في خلق فرص العمل الحقيقية وتنشيط القطاع الخاص.

ويواجه سكان العراق البالغ عددهم 42 مليون نسمة انقطاع التيار الكهربائي الباهظ بشكل منتظم. وتتلقى البلاد حوالي ثلث الغاز والكهرباء التي تعتمدها من إيران. وغالبا ما تتعطل عمليات التوصيل، مما يؤدي إلى انقطاع التيار.

كما يتعرض البلد لضغوط متزايدة من المؤسسات المالية الدولية المانحة لتنويع اقتصاده بعيدا عن النفط والغاز الطبيعي في استعداد للتحول الأخضر العالمي.

وفي تقرير حديث للبنك الدولي نُشر مؤخرا، فإنه بحلول العام 2040 “سيكون العراق بحاجة إلى 233 مليار دولار كاستثمارات للاستجابة إلى حاجاته التنموية الأكثر إلحاحا فيما هو بصدد الشروع في مجال نمو أخصر وشامل”، أي ما يساوي نسبة 6 في المئة من ناتجه الإجمالي المحلي سنوياً

رغم تمتع العراق بموارد نفطية كبيرة تتجاوز 143 مليار برميل من الاحتياطيات المؤكدة، فإنه يعاني اليوم من أزمة طاقة

واضطر المنتجون في أواخر مارس الماضي إلى الإغلاق وخفض الإنتاج من مجموعة من حقول النفط في شمال كركوك في إقليم كردستان شمال البلاد بسبب إغلاق خط أنابيب التصدير الشمالي في البلاد.

ووصلت الأمور إلى ذروتها حين أوقفت تركيا ضخ نحو 450 ألف برميل يوميا من الخام العراقي عبر خط أنابيب من منطقة فيش خابور الحدودية إلى ميناء جيهان بعدما فازت بغداد بقضية تحكيم.

وأكدت الحكومة العراقية أن أنقرة انتهكت اتفاقا بينهما بسماحها لحكومة إقليم كردستان بتصدير النفط إلى ميناء جيهان دون إذن منها.

وتعد هذه المسألة إحدى نقاط الخلاف العديدة القائمة بين الحكومة الاتحادية والسلطات الكردية في أربيل التي قامت عام 2017 بمسعى للاستقلال أدى إلى إشعال توترات لم تدم طويلا.

وأدى توقف الإمدادات إلى تراجع صادرات النفط العراقية بمقدار 200 ألف برميل يوميا وارتفاع أسعار النفط إلى 80 دولارا للبرميل.

وأجبِر أولئك الذين لم يوقفوا الإنتاج تماما على تخزين خامهم أثناء انتظار فتح خط الأنابيب مرة أخرى. لكن سعة التخزين المحدودة تعني انخفاض إنتاج النفط بشكل كبير.

وتوقف الإنتاج في العديد من شركات النفط العالمية، بما في ذلك شركة دي.أن.أو النرويجية وشركة فورزا بتروليوم الكندية. وتوصلت حكومة إقليم كردستان في مطلع أبريل الجاري إلى اتفاق مبدئي مع الحكومة العراقية لاستئناف صادرات النفط.

وجمعت طاولة المناقشات مسؤولين من الحكومة الفيدرالية وحكومة إقليم كردستان والحكومة التركية للتوصل إلى اتفاق بشأن الصادرات النفطية.

ومن المتوقع أن يبقى الاتفاق ساري المفعول إلى حين موافقة مجلس النواب العراقي على قانون النفط والغاز. وقيل إنه ينظّم تصدير النفط بشكل مشترك بين وزارة الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كردستان وشركة تسويق النفط الفيدرالية العراقية (سومو).

وبينما تستطيع حكومة إقليم كردستان إنشاء حساب مخصص للإيرادات الكردية، ستكون الحكومة الفيدرالية قادرة على مراقبته. ولا تزال تركيا تنتظر إعلانا رسميا يبشرها باستئناف تدفق الخام العراقي.

233

مليار دولار يحتاجها العراق كاستثمارات للاستجابة إلى حاجاته التنموية الأكثر إلحاحا فيما هو بصدد الشروع في مجال نمو أخصر وشامل

وإلى جانب خفض صادرات النفط بسبب إغلاق خط الأنابيب، اضطر العراق إلى خفض إنتاج الخام في حقوله الجنوبية التزاما بإعلان خفض حصص إنتاج أوبك+ الشهر الماضي. وصرحت أوبك بأنها ستخفض الإنتاج عبر دولها الأعضاء بمقدار مليوني برميل يوميا حتى نهاية 2023.

وقال وزير النفط العراقي حيان عبدالغني “أجبرنا بعض شركات النفط العاملة في الجنوب بخفض الإنتاج ليتماشى مع معدلات أوبك+ المتفق عليها”.

ويستمر التفاؤل في صناعة النفط رغم التحديات الأخيرة. ويعكف العراق حاليا على آخر اللمسات مع شركة توتال إنيرجي الفرنسية بشأن إتمام صفقة طاقة مؤجلة بقيمة 27 مليار دولار.

وأوضح عبدالغني في وقت سابق أن الصفقة وصلت إلى مرحلة متقدمة بعدما قبلت بغداد امتلاك حصة في المشاريع الأربعة بواقع 30 في المئة بدلا من 40 في المئة. ويتوقع الوزير العراقي أن ينطلق العمل بها “في القريب العاجل”.

وتنص الصفقة على مشاركة الشركة الفرنسية في أربعة مشاريع في قطاع النفط والغاز والطاقة المتجددة في جنوب البلاد باستثمارات أولية قدرها 10 مليارات دولار. وكان توقيع العقد المبدئي في 2021. ومن المتوقع أن يمتد المشروع لمدة 25 عاما.

ولا يزال السياسيون يناقشون شروط الصفقة، حيث تطالب الحكومة الفيدرالية بحصة قدرها 40 في المئة من المشروع. وتريد توتال الاحتفاظ بحصة الأغلبية، مما خلق نقطة خلاف وأدى إلى تأخيرات.

ويأمل عبدالغني في الأثناء الانتهاء من الصفقة قريبا حتى يمكن المضي قدما في المشروع. ويعني اعتماد الدولة على عائداتها النفطية أن هذه الاضطرابات يمكن أن تؤدي في كثير من الأحيان إلى عدم الاستقرار الاقتصادي.

لكن الاتفاق بين الحكومة الفيدرالية وحكومة إقليم كردستان بشأن صادرات النفط الخام إلى تركيا ومناقشات صفقة مشاريع جديدة مع شركة توتال في جنوب العراق يبعثان الأمل من جديد.

11