إهانة البلاد في برامج تلفزيونية تسبب جدلا في تونس بعد توقيفات

تونسيون ينتقدون غلبة الصراخ السياسي على النقاش الموضوعي في الإعلام
الاثنين 2024/05/13
«المحامي الصحافي» فوق القانون

تثير قضية توقيف معلقين وصحافيين تونسيين جدلا واسعا ونقاشات بشأن حدود حرية التعبير والإساءة وإهانة البلاد، بالإضافة إلى حق المحامي في معاملة خاصة بعد اعتقال محامية ومعلقة في البرامج التلفزيونية كانت تحصنت في مقر “دار المحامي”.

تونس - أثار توقيف المحامية والمعلقة في البرامج التلفزيونية التونسية سنية الدهماني في دار المحامي، موجة جدل واسع بسبب تحصنها في دار المحامي بعد طلب الاستماع إليها بسبب تصريحات تلفزيونية اعتبرت “مهينة” للبلاد.

وفتح القضاء التونسي تحقيقا بحق الدهماني إثر إدلائها بتصريحات ساخرة حول الوضع في البلاد “شوف هاك البلاد الهائلة” على صلة بظاهرة الهجرة غير القانونية للأفارقة.

وبعيد توقيف الأمن التونسي للدهماني من مقر “دار المحامي”، أعلن المحامون الإضراب في محاكم العاصمة اعتبارا من الاثنين احتجاجا، ودانت “الهيئة الوطنية للمحامين” ما اعتبرته “اقتحاما لمقر الهيئة واعتداء سافرا” خلال توقيف الدهماني، مطالبة بإطلاق سراحها فورا.

لكن العديد من الناشطين اعتبروا أن القضية تحمل جوانب أخرى وأن تحرك المحامين مبالغ به.

واستنكر تونسيون على الشبكات الاجتماعية أن يطالب المحامون بمعاملة خاصة من قبل قوى الأمن وأن يتم اعتبار المحامي محصنا دونا عن باقي المواطنين، معتبرين أن كل مواطن تونسي يمتلك نفس الحقوق والواجبات أمام القانون ولا يصح تفضيل أحدهم على الآخر بحجة المهنة والنقابة.

وجاء في تعلق:

وقال مدون على فيسبوك:

Bilel Ismail

انتهى زمن العبث __ أيا يا سيدي أنا اللي فمهتو من حكاية سنية الدهماني أن قاضي التحقيق بعثلها باش يسمعها في موضوع تصريح تم تداوله بصفحات التواصل الاجتماعي، غير أنها رفضت الامتثال للقضاء والحضور لبيان حسن نيتها في التصريح إن كانت هنالك حسن نية، ومشات اعتصمت بدار المحامين إللي الكلهم يعرفو أن ما قامت به يعقّد الموضوع ويسرع في إيداعها السجن، ورغم ذلك يتم تشجيعها على الاعتصام.

وأضاف المدون:

Bilel Ismail

أثناء الاعتصام تقوم بتصريح صحفي، وبعد سؤالها من قبل الصحافي بإيعاز من معز بن غربية سؤالا بريئا وهو “هل أنت بتصرفك تتحدين القضاء” فأجابت وهي متحمسة وفرحانة “إيه نتمرد، إيه نتمرد، نتمرد ضد الطغيان، نتمرد ضد الهبال اللي وصلنالو في هالبلد، إلى متى القضية في جرت القضية؟ شمعناها الإسكات؟ تَسَكّتو سنية الدهماني يطلعولكم 20 كيفها، تسكتو 20 ماشي يطلعولكم 200، راكم ماشيين في ثنية غالطة”.

واعتبر رياض جراد، المحلل في قناة التاسعة التونسية والناطق الرسمي للاتحاد العام لطلبة تونس، في تدوينة على صفحته في فيسوك:

وغداة توقيف طال المعلّقة التلفزيونية سنية الدهماني، أصدرت السلطات القضائية التونسية الأحد مذكرة توقيف بحقّ مقدّم البرامج برهان بسيّس والمعلّق السياسي مراد الزغيدي، إثر تعليقات اعتبرت أنها تتضمن “جريمة استعمال أنظمة معلومات لنشر وإشاعة أخبار تتضمن معطيات شخصية ونسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير وتشويه سمعته”.

وفي وقت سابق أفاد المحامي غازي مرابط بأن السلطات أصدرت بحق الزغيدي وبسيّس “بطاقة احتفاظ (توقيف) لمدة 48 ساعة على أن يمثلا الاثنين أمام قاضي التحقيق مجددا”.

وأوضح مرابط أنه تم التحقيق مع الزغيدي “في خصوص تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي يساند فيها صحافيا موقوفا، وكذلك عن جملة تصريحاته خلال برامج تلفزيونية منذ شهر فبراير الفائت”.

ناشطون يستنكرون أن يطالب المحامون بمعاملة قانونية خاصة وأن يتم اعتبارهم محصنين دونا عن باقي المواطنين

وأكد نزار عيّاد محامي بسيّس أن توقيف الأخير يأتي على خلفية “الاساءة إلى رئيس الجمهورية عبر البرامج الإذاعية والتدوينات”.

والزغيدي محلّل ومعلّق تلفزيوني على المواضيع السياسية والاجتماعية، ويعمل مع برهان بسيّس الذي يقدم برامج إذاعية وتلفزيونية في محطات خاصة تتطرق إلى الشأن العام في البلاد.

وأتى توقيفهما بعدما أوقفت السلطات ليل السبت المعلّقة الدهماني التي تعمل معهما في البرامج نفسها في راديو “آي.أف.أم” الخاص وفي التلفزيون الخاص “قرطاج +”. وأوضح المحامي أن قرار الاحتفاظ ببسيّس والزغيدي يستند إلى “المرسوم 54”.

وانتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر ملثّمين يدخلون مقرّ “دار المحامي” ويدفعون الموجودين من محامين وإعلاميين تم منعهم من تغطية عملية التوقيف.

وانقسم الناشطون على الشبكات الاجتماعية بين مؤيد لسلطة القانون ورافض لتوقيف الإعلاميين والصحافيين بهذه الطريقة، وجاء في تعليق على فيسبوك:

وتداولت صفحات التبرير القانوني الذي استندت إليه السلطة في توقيف الدهماني:

وهناك البعض من الناشطين الذين يمثلون طيفا من الجمهور التونسي الذي دأب على انتقاد إعلام بلاده والطريقة التي يعمل بها وغلب فيها النقاش والصراخ السياسي على أي نقاش موضوعي جاد وبناء.

وجاء في تعليق:

في موازاة ذلك، وجد البعض من أحزاب المعارضة الفرصة ملائمة لتسجيل مواقف سياسية ضد السلطة، حيث تظاهر الأحد عدد من أنصار “جبهة الخلاص الوطني” التكتل السياسي المعارض في العاصمة تونس وطالبوا بإطلاق سراح الموقوفين.

واعتبر رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي في تصريح لفرانس برس أنه “نظام ضد الحريات”، مضيفا “كل الحريات ضُربت بقوانين غير دستورية… هو نظام يوظف كل وسائل الدولة لقمع الحقوق”.

غازي مرابط: السلطات أصدرت بحق الزغيدي وبسيّس بطاقة احتفاظ (توقيف) لمدة 48 ساعة
غازي مرابط: السلطات أصدرت بحق الزغيدي وبسيّس بطاقة احتفاظ (توقيف) لمدة 48 ساعة

من جهته، أفاد المتحدث الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس محمد زيتونة “تم بإذن من النيابة العمومية للإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية الاحتفاظ لمدة 48 ساعة بكل من مراد الزغيدي وبرهان بسيس من أجل جريمة استعمال أنظمة معلومات لنشر وإشاعة أخبار تتضمن معطيات شخصية ونسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير وتشويه سمعته”.

وتابع “الأبحاث لا تزال جارية في الموضوع واحتراما لسلامتها وسريتها هذا ما يمكن الإفادة به إلى حين استيفاء الإجراءات”.

وأصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد في الثالث عشر من سبتمبر 2022 مرسوما عُرف بـ“المرسوم 54”، ينصّ على “عقاب بالسجن لمدة خمسة أعوام” وغرامة تصل الى خمسين ألف دينار “لكلّ من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني”.

والثلاثاء، قرّر القضاء التونسي تمديد توقيف سعدية مصباح، رئيسة منظمة “منامتي” غير الحكومية التي تناهض العنصرية وتدافع عن حقوق المهاجرين، على ما أفادت المنظمة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

وقال رئيس الرابطة بسام الطريفي لوكالة فرانس برس إنه صدر قرار بـ“الاحتفاظ بسعدية مصباح خمسة أيّام على ذمة البحث”.

ونقلت وسائل إعلام محلية أن الشرطة أوقفت مصباح ليل الاثنين – الثلاثاء وتحقق معها “في جرائم مالية”.

وتوجه منظمات حقوقية تونسية ودولية انتقادات شديدة لنظام سعيّد مؤكدة أنه “يقمع الحريّات في البلاد”. لكن الرئيس التونسي يكرر أن “الحريّات مضمونة” في تونس.

5