إنهاء التعصب هدف رئيسي لمنتدى الإعلام الرياضي بمصر

القاهرة - أولى منتدى الإعلام الرياضي في مصر الذي حمل عنوان “إعلام رياضي محترف”، اهتماما بتطوير مهارات وأخلاقيات العمل المهني للإعلاميين المتخصصين في هذا المجال بعد أن تسببت بعض التجاوزات في خلق حالة من التعصب الرياضي الذي يعرقل مساعي الحكومة لتجاوز هواجسها بشأن إعادة الجمهور إلى المدرجات بشكل طبيعي، بعد 12 عاما على حادث مصرع العشرات من جمهور النادي الأهلي في أستاد بورسعيد، شمال شرق القاهرة.
وسعت الجهات الحكومية المنظمة للملتقى، الذي عقد يومي الأحد والاثنين، لتصويب الصورة القائمة عن الإعلام الرياضي بفعل مشكلات عديدة وقع فيها وأثرت على مجاراة تطورات هذا النوع من الإعلام المتخصص على المستوى العربي والعالمي، خاصة أن مصر لديها كوادر تستطيع أن تقود تطوير المنظومة شريطة البعد عن التدخلات المتمثلة في تعارض مصالح العاملين بها والتوجيه المتعمد من قبل المعلنين لنوعية المحتوى الذي يستميل فئة تنجذب نحو الإثارة وتستهويها فكرة التعصب.
وشملت جلسات المنتدى جلسة بعنوان “نحو إعلام رياضي خال من التعصب”، وأخرى بعنوان “الأخلاقيات في الإعلام الرياضي”، وسبقتهما جلسة بعنوان “تغيير قواعد اللعبة.. تأثير الشبكات الاجتماعية على المحتوى الإعلامي الرياضي”، بحضور عدد من الصحافيين والإعلاميين المصريين، وخبراء في الإعلام الرياضي الدولي.
ونظمت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية المنتدى بالشراكة مع ما يسمى بـ”رابطة كتاب كرة القدم الإنجليزية”، وقالت إن خطوتها هدفت إلى التعرف على التجارب الخارجية الخاصة بالمحتويات المرتبطة بكرة القدم صاحبة الحضور الطاغي في الإعلام المصري، ومناقشة التحديات التي تواجه الإعلام الرياضي، والسبل المهنية للتعامل معها عبر عدد من الجلسات التفاعلية، وورش العمل، التي شهدت مناقشات متنوعة.
وأثار بعض الصحافيين انتشار ظاهرة اللاعب – المحلل الرياضي – الإعلامي، وتأثيراتها المختلفة، حيث منحت بعض اللاعبين السابقين فرصة للعمل على حساب من هم أكثر خبرة وتأهيلا، ما ضاعف من التعصب ولم يخمده. وأخذت أزمات الإعلام الرياضي في مصر أبعادا محلية، تتمثل في هيمنة الرعاة والمعلنين على المحتويات المعروضة بما يضمن جذب الجمهور، ما يقود إلى تغييب باقي الألعاب الرياضية عن المشهد الإعلامي تقريبا، وقاد ذلك إلى اختيار أشخاص يفتقرون للخبرات، وقد يعرفهم الجمهور كلاعبي كرة قدم فقط.
وعلاوة على عدم إتاحة المعلومات بالشكل الكافي بسبب تدخل جهات تقوم بتوظيف المحتوى الرياضي في خدمة السياسة، نتيجة التفاف قطاعات كبيرة من الجمهور حول هذه البرامج، أو أن المعلومات قد تتعارض مع مصالح المعلنين أو مقدمي هذه البرامج.
ويعبّر السير وفقا لاتجاهات مواقع التواصل الاجتماعي وانتقال التعصب من المنصات الرقمية إلى بعض وسائل الإعلام التقليدية عن أزمة مهنية نتيجة عدم المعرفة بالقواعد السليمة، والبحث عن جذب الجمهور بأي طريقة بلا مراعاة لتقاليد النشر المعروفة، لضمان استمرار البرامج التي تستحوذ على عدد كبير من الساعات على الفضائيات، وتشكل وجبة يومية في القنوات العامة بعيدا عن الفضائيات المتخصصة، مثل قنوات “أون تايم سبورت” و”النيل للرياضة” والقنوات الخاصة ببعض الأندية.
وقال عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في القاهرة محمد شومان إن ملف الإعلام الرياضي “شائك ومحير”، لأنه يساهم بشكل رئيسي في نشر التعصب ويترك آثارا سلبية مجتمعية، ما يجعل هناك حاجة ملحة إلى التعامل مع تجاوزاته، وإن تنظيم منتدى للاستماع للآراء أمر إيجابي، يجب البناء عليه لتأسيس رابطة للإعلاميين الرياضيين. ولدى نقابة الصحافيين المصرية رابطة للنقاد الرياضيين، غير أن تواجد نجوم كرة القدم على رأس غالبية البرامج الرياضية يدفع نحو ضرورة توسيع دائرة الانضمام إليها، مع تراجع تأثير صحافيي الرياضية ممن لديهم خبرات في التعامل مع الجمهور.
وأوضح شومان في تصريح لـ”العرب” أن تدريب الإعلاميين يجب أن يبقى على رأس الأولويات في الفترة الحالية إلى جانب ضرورة تفعيل أدوار المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للإعلام للتعامل مع التجاوزات المستمرة، ويصعب الاتجاه لوضع ميثاق شرف للإعلام الرياضي بينما مواثيق الشرف الإعلامية لا تطبق، كما أن تحديد مواثيق لمجالات الإعلام المتخصصة أمر ليس متعارفا عليه.
وشدد شومان على أن ممولي البرامج الرياضية يرون أن استغراق الإعلام في المحلية أمر جيد بالنسبة لهم، لأنه يحقق أرباحا كبيرة نتيجة جذب المشاهدين، وهؤلاء يدركون أن الخروج إلى الفضاء العربي أو العالمي لن يكون في صالحهم، لأن ما يتم تقديمه لا يتماشى مع معايير الجودة المتعارف عليها، ومن الصعب منافسة فضائيات تملك تمويلات ضخمة وأخرى تكتسب نجاحها من قوة دوريات كرة القدم الخاصة بها.
ويرى خبراء الإعلام أن الاستفادة الاقتصادية من هذا التطور صعبة بالنسبة للإعلام المصري، لأنه لم يستطع ضبط المنظومة الإعلامية، وأن القاعدة الشعبية الكبيرة للجمهور الذي ينجذب للبرامج الرياضية لا تساعد وحدها على مجاراة التطور القائم على قوة الدوريات المذاعة والاعتماد على الكفاءات التي يمكن أن تخاطب عقول المشاهدين وليس مجرد عواطفهم وانحيازاتهم في التشجيع.
◙ التركيز على قصور الإعلام الرياضي يرجع إلى أنه مازال يحظى بمتابعة جماهيرية واسعة على وسائل الإعلام التقليدية بمختلف أشكالها
وأكد شومان في حديثه لـ”العرب” أن إقرار العقوبات المالية أمر لا بد منه لتحقيق الانضباط الإعلامي المطلوب، وفي حالة كانت العقوبات مشددة فإنها ستكون بديلا مناسبا لقرارات وقف البرامج والإحالة إلى التحقيق لأن ذلك يشكل عقوبة سالبة للحرية وأن الغرامات المالية تحقق تأثيرات إيجابية في دول عدة استطاعت ضبط محتويات إعلامها، شريطة أن يكون ذلك بعيدا عن مشكلات تضارب المصالح والمحاباة، وأن يبقى مجلس تنظيم الإعلام أداة قوية تساهم في تطوير صناعة المحتوى.
وأوضح صحافي متخصص في الشأن الرياضي، رفض ذكر اسمه، أن إدارة ملف الإعلام الرياضي تعاني من الأخطاء وأوجه القصور، لأن هناك تدخلات من أندية كبيرة وجهات لديها علاقة باللجنة الأولمبية أو الجهة الحكومية ممثلة في وزارة الشباب والرياضة، ما يجعل الخطاب انتقائيا ويغوص في تفاصيل أزمات التعصب بلا تطرق إلى مشكلات أكثر أهمية، منها تراجع الرياضة المصرية بوجه عام.
وذكر في تصريح لـ"العرب" أن التركيز على قصور الإعلام الرياضي يرجع إلى أنه مازال يحظى بمتابعة جماهيرية واسعة على وسائل الإعلام التقليدية بمختلف أشكالها، بالتالي فأي أخطاء تظهر بشكل طبيعي إلى العلن، كما أن تأثر الصحافيين، وانتماءاتهم نتيجة الدور السلبي للأندية، ينعكس على الأداء الحالي، بجانب نفوذ الرعاة والمعلنين والذي قد يكون مباشرا بشأن توجيه تقديم بعض القضايا دون أخرى حال دخول أحد رجال الأعمال من أصحاب الأندية على خط العمل الإعلامي أو عبر الإعلاميين أنفسهم ممن يرون أن قضية بعينها قد تؤثر سلبا على المعلنين لكن دون توجيه مباشر.
ولفت المصدر إلى أن تنظيم منتدى يهدف إلى تعريف الصحافيين المصريين بتطورات صناعة الإعلام الرياضي حول العالم، وتحديدا في إنجلترا التي لديها أقوى دوري في العالم، أمر جيد ويمكن الاستفادة منه على المستوى المهني، مع ضرورة تحسين البيئة المحيطة بالصحافيين والإعلاميين، وفتح المجال لاستكشاف أسماء جديدة لديها دراسات علمية متقدمة في النقد الرياضي وتحليل المباريات في الألعاب المختلفة.