إنعاش تحالف إدارة الدولة هدف زيارة رئيس إقليم كردستان إلى بغداد

قياديو الحزب الديمقراطي الكردستاني يتحركون للتصالح مع القوى الشيعية الحاكمة في العراق.
الاثنين 2024/04/29
خطوات للخروج من منطقة الزوابع السياسية

التواصل الكثيف بين قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني وأبرز القوى القائدة للسلطة الاتّحادية في العراق يظهر أنّ الحزب تجاوز إلى حدّ كبير مرحلة الضغوط الشديدة التي سلّطت عليه من قبل تلك القوى، وأنّه استعاد توازنه وأصبح في موقع قوة يتيح له التفاوض باقتدار على ضمان مصالحه وفرض رؤاه في حلحلة بعض الملفات والقضايا المعقّدة.

بغداد- طغى الطابع الحزبي على زيارة نيجيرفان بارزاني إلى بغداد رغم أنه زار العاصمة الاتحادية بوصفه رئيسا لإقليم كردستان العراق لا بوصفه قياديا في الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبهدف معلن هو مناقشة قضايا عالقة بين حكومة الإقليم وحكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني.

والتقى بارزاني خلال الزيارة بعدد من قادة الأحزاب المشاركة في تشكيل حكومة السوداني تحت مظلّة تحالف الدولة الذي يضم أيضا الحزب الديمقراطي والذي تحكم العلاقة بين مكوّناته اتفاقات سياسية يقول الحزب إنّه تمّ نقضها ولم تلتزم القوى الشيعية المشاركة في التحالف بتطبيقها.

وقالت مصادر عراقية إنّ إعادة ترميم تحالف الدولة وتطبيق الاتفاقات التي قام عليها وما يستتبع ذلك من مصالحة الحزب الديمقراطي الكردستاني مع عدد من القوى الشيعية جاءت على رأس أجندة زيارة بارزاني إلى بغداد.

وخلال الأشهر الأخيرة توتّرت علاقة الحزب مع عدد من الأحزاب والفصائل الشيعية العراقية الحليفة لإيران، وبلغت التوتّرات مداها مع إصدار المحكمة الاتّحادية أعلى سلطة قضائية في العراق جملة من القرارات تتعلّق بقانون انتخابات برلمان إقليم كردستان والهيئة المكلّفة بالإشراف عليها، وكذلك بطريقة صرف رواتب موظّفي الإقليم، وذلك بالضدّ من إرادة قيادات الحزب الديمقراطي الذين أعلنوا مقاطعة حزبهم للانتخابات البرلمانية المقرّرة لشهر يونيو القادم.

عقيل الرديني: الأوضاع ذاهبة باتجاه إبرام تفاهمات بين بغداد وأربيل
عقيل الرديني: الأوضاع ذاهبة باتجاه إبرام تفاهمات بين بغداد وأربيل

وشكّل ذلك بداية أزمة سياسية في الإقليم، لكنّه مثّل أيضا تهديدا لتماسك تحالف الدولة الذي قامت عليه حكومة السوداني الأمر الذي يجعل للأخير مصلحة في تنقية الأجواء بين مكوّنات التحالف ضمانا لاستقرار حكومته ودرءا لشبح الانتخابات المبكّرة الذي يتهدّدها.

وعلى هذه الخلفية شملت أهداف زيارة بارزاني إلى بغداد إيجاد مخرج لمشكلة انتخابات برلمان الإقليم، في وقت قالت المصادر إنّ الحل الأنسب الذي يجري العمل عليه حاليا بين بغداد وأربيل هو تأجيل موعدها ريثما يتمّ إيجاد حل قانوني أو سياسي يمهّد لمشاركة الحزب الديمقراطي فيها، في ظل قناعة بأن الاستحقاق الانتخابي لا يمكن أن يتّم في غياب الحزب الذي يمثّل القوّة السياسية الأولى في الإقليم والطرف الأبرز في السلطة هناك.

وتنوّعت لقاءات بارزاني في بغداد لشمل عددا من القيادات الشيعية والسنية من بينها رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوي المالكي الذي يتزّعم ائتلاف دولة القانون.

وقال المالكي تعليقا على لقائه رئيس إقليم كردستان إنّ الأخير كان متسلحا في الزيارة بـ”إرادة صلبة وقوية لإيجاد مخارج وحلول لكل ما نسميه أزمات أو مشاكل تقتضي أن تكون هناك أجواء مناسبة لإيجاد الحلول لها”.

وأضاف متحدّثا لعدد من وسائل الإعلام المحلية “سبق أن كان هناك تواصل بيننا وبين إقليم كردستان واستلمنا ملاحظات قيّمة وضعت للدراسة من قبل الإطار التنسيقي تتعلق بالدستور وتطبيقاته، وقضية المحكمة الاتحادية والانتخابات وقرارات المفوضية الأخيرة، وهذه ستكون بداية لحلول لكل المشاكل العالقة التي لم نتمكن سابقا من إيجاد حلول لها”.

وأوضح أنّ “اجتماعا عقد ضمن ائتلاف إدارة الدولة، وكان نيجيرفان بارزاني حاضرا فيه مع كل القوى السياسية، ودار النقاش حول زيارة السوداني إلى الولايات المتحدة والرئيس التركي إلى العراق”. وعن قضية انتخابات الإقليم، قال المالكي إنّ “مناقشات جرت بالفعل حول الموضوع لكنّها لم تكن تفصيلية”.

والتقى بارزاني أيضا خلال زيارته لبغداد برئيسي الوزراء الأسبقين عادل عبدالمهدي وحيدر العبادي حيث تبادل الآراء مع كل منهما “حول جملة من القضايا التي تهم العراق وإقليم كردستان وكيفية حلحلة عدد من الإشكالات العالقة بين الإقليم والسلطة الاتحادية”. كما التقى بزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم أحد قياديي الإطار التنسيقي الشيعي.

نوري المالكي: سبق أن كان هناك تواصل بيننا وبين إقليم كردستان واستلمنا ملاحظات قيّمة وضعت للدراسة من قبل الإطار التنسيقي تتعلق بالدستور وتطبيقاته
نوري المالكي: سبق أن كان هناك تواصل بيننا وبين إقليم كردستان واستلمنا ملاحظات قيّمة وضعت للدراسة من قبل الإطار التنسيقي تتعلق بالدستور وتطبيقاته

وقال المتحدث باسم المجلس الأعلى الإسلامي علي الدفاعي إن تواجد رئيس إقليم كردستان في بغداد حل الكثير من المشكلات. وأضاف متحدّثا لشبكة رووداو الإخبارية المحلية إن هناك “تعاونا كبيرا بين حكومة السوداني والقوى السياسية في الإطار التنسيقي وحكومة إقليم كردستان برئاسة مسرور بارزاني حيث توجد حالة من الانسجام الكبير رغم وجود بعض التقاطعات”، مضيفا قوله “نحن قريبون من حل كثير من المشكلات وأن التعاون في أعلى مستوياته، وأي خلافات في بعض الملفات التي تتعلق بالجوانب المالية في طريقها إلى الحل بحكم هذا التعاون الموجود والإرادة السياسية التي يمكن أن تذهب إلى تصفير المشكلات”.

وتطرّق متحدّث المجلس الأعلى باقتضاب إلى حادثة قصف حقل كوركور الغازي قائلا إنّ الحادثة أحيلت إلى لجنة تحقيقية مشتركة بين بغداد بالتعاون وإقليم كردستان.

وكثيرا ما مثّلت التهديدات الأمنية لإقليم كردستان العراق إحدى مظاهر الضغط التي سلّطتها قوى شيعية عراقية على الإقليم من خلال قيام ميليشيات مرتبطة بتلك القوى وذات علاقة قوية بإيران بتوجيه ضربات بالصواريخ والطائرات المسيرة لأهداف في أربيل وغيرها من مناطق الإقليم، الأمر الذي مثّل تهديدا مباشرا لاستقراره.

ومن جهته علق عقيل الرديني عضو ائتلاف النصر بقيادة العبادي على زيارة بارزاني إلى بغداد معتبرا أنّ التواصل المستمر بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد يؤدي إلى حلحلة المشاكل.

وقال الرديني إنّ “الحكومة الاتحادية وضعت من أولوياتها التفاهم حول مجمل المشاكل العالقة سواء بين المركز والإقليم أو بين مختلف القوى السياسية، من أجل حلحلة هذه المشاكل والوصول إلى مشتركات تنتج عن حلول واقعية تصب في صالح الدولة العراقية بشكل واضح”.

ورأى أن الأوضاع ذاهبة “باتجاه تفاهمات تصب في صالح الشعب العراقي بشكل عام، وهذا ما تعمل عليه حكومة السوداني منذ فترة”.

وتابع قوله “اليوم هناك تفاهمات حول تصدير النفط من إقليم كردستان وحول رواتب موظفي الإقليم، بالإضافة إلى أمور أخرى كثيرة”، مشيرا إلى أن “هذه المشاكل بدأت تحل بفضل التواصل بين الحكومة الاتحادية وكذلك حكومة إقليم كردستان”.

ولم تستثن لقاءات بارزاني في بغداد ممثلّي القوى السنية، حيث أجرى مباحثات مع محمد الحلبوسي زعيم حزب تقدم الرئيس السابق للبرلمان العراقي.

وجاء في بيان صدر إثر اللقاء عن رئاسة إقليم كردستان إنه “جرى خلال الاجتماع نقاش وتبادل للآراء حول الأوضاع السياسية في العراق، ومساعي انتخاب رئيس لمجلس النواب العراقي، وعلاقات أربيل وبغداد والحوار من أجل حسم الخلافات بينهما”.

وتظهر كثافة التواصل بين بغداد وأربيل وما تكتسيه من طابع رسمي وحزبي أنّ الحزب الديمقراطي الكردستاني تمكّن إلى حدّ بعيد من تجاوز مرحلة الضغوط الشديدة التي سُلّطت عليه من قبل قوى شيعية  بعضها متحالف مع غريمه وشريكه الأول في قيادة إقليم كردستان العراق حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني بقيادة ورثة الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني، وأنّه عاد بفعل الدعم الذي يحظى به من قبل قوى دولية وإقليمية على رأسها الولايات المتّحدة وتركيا المجاورة للتحاور مع بغداد ومن يتحكّم بمشهدها السياسي من موقع ندية واقتدار.

لقاءات بارزاني في بغداد تنوّعت لشمل عددا من القيادات الشيعية والسنية من بينها رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوي المالكي الذي يتزّعم ائتلاف دولة القانون

ولا يستبعد متابعون للشأن العراقي أن يتمكّن الحزب من فرض رؤاه لحلحلة عدد من الملفات والقضايا من ضمنها ملف الانتخابات.

وقال هؤلاء إنّ خيار تأجيل موعد الاستحقاق الانتخابي بات مطروحا بقوّة، غير مستبعدين البحث عن مخرج قانوني ودستوري للمسألة.

وضمن هذا الإطار جاء اللقاء الذي جمع في بغداد بين بارزاني ورئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي فائق زيدان، حيث تبادل الطرفان “الآراء حول العملية السياسية وأحدث تطورات الوضع في العراق بصورة عامة، والمساعي من أجل حل الخلافات بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان وفقا للدستور” بحسب بيان لرئاسة الإقليم.

ويستفيد الحزب أيضا من حاجة رئيس الوزراء العراقي إلى تنقية الأجواء بين القوى المساندة لحكومته درء الخلافات بينها حفاظا على استقرار حكومته وتماسكها.

وقال السوداني عن زيارة بارزاني إلى بغداد إنّ مثل تلك الزيارات “مهمة في حسم كل الملفات المشتركة”. وجاء في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي أن السوداني وبارزاني شددا خلال الاجتماع الذي عقداه في بغداد على “أهمية الاستمرار في دعم جهود الحكومة داخليا وخارجيا، والعمل على تمتين العلاقة بين بغداد وأربيل”.

3