إنذارات الحرب النووية المخادعة

شرارة الحرب الروسية – الأوكرانية انطلقت لتستكمل حركة النخر في أساسات الاستقرار الدولي ولتصل رسائل متتالية إلى الولايات المتحدة وأوروبا بأن سياساتها العدائية سوف تنتهي إلى حرب مدمرة بكل المقاييس.
الأربعاء 2022/10/05
تهديد يحفل بالكثير من الجدية

يدخل العالم مراحل زمنية جديدة ومتتابعة من الصدامات والصراعات الأكثر حدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في العام 1945، مع تصاعد نذر الحرب المدمرة بين الغول الأميركي والدب الروسي.

هذه ليست البداية، فالصراع الروسي – الأوكراني يمتد إلى سنوات طويلة، والشكوك الروسية في النوايا الأميركية لضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، وما يترتب عليه من فرض مواجهة مباشرة بين روسيا ودول الحلف طبقا للفصل الخامس من اتفاقية الناتو.

كما كان لتفشي جائحة كوفيد – 19 أثر مباشر في تصاعد الأزمات العالمية بشكل غير مسبوق، ويبدو أن الاختناقات الاقتصادية التي عانتها دول العالم لعبت دورا رئيسا في تصدع مناخ الأمن السياسي والعسكري، وساهم في دفع النزاعات إلى العلن.

خلال سنوات الوباء تفاقمت الأزمات عند الشركات الأكثر نفوذا في العالم، وعندما نقول الشركات الكبرى فينبغي أن نتذكر أننا نعيش في عالم تحكمه الشركات، ويدار من قبل رأسمالية متنفذة، تتحكم في اقتصاديات الدول، فإذا انهارت هذه الشركات فيعني ذلك أن دولا وأنظمة دخلت في منطقة الخطر.

◙ الدراسات العسكرية تفترض أن حجم الترسانة النووية عند روسيا مخيفة لكنها لا تعني بالضرورة قدرتها على الصمود في الصراعات الطويلة

انطلقت شرارة الحرب الروسية – الأوكرانية لتستكمل حركة النخر في أساسات الاستقرار الدولي، ولتصل رسائل متتالية إلى الولايات المتحدة وأوروبا بأن سياساتها العدائية سوف تنتهي إلى حرب مدمرة بكل المقاييس.

نحن على مقربة من تداعيات حرجة من قبيل النزاع حول أوكرانيا، والخلاف بين الولايات المتحدة والصين حول تايوان، والتوتر في شبه الجزيرة الكورية، إضافة إلى عودة أوروبا إلى حقبة ما قبل الحرب العالمية الأولى والثانية بسيطرة المتطرفين اليمينين على الحكم، وهي تداعيات من شأنها أن تعجل في نشوب حرب شاملة.

من المؤكد أن تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحفل بالكثير من الجدية، وأن شعور روسيا بالعزلة من شأنه أن يدفع الصدام المسلح إلى الواجهة، ليكون عنوان الحرب القادمة عند الروس إما انكسار الإمبراطورية الأميركية، أو خسارة الجميع.

علينا أن نتذكر أن روسيا لعبت دوراً مهما في مسيرة القضاء على الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية، فإن كان الحديث عن الحرب العالمية الثالثة تكتنفه المبالغة قبل عدة أعوام، فإن فرص اندلاعها حاليا تتضاعف بصورة أكثر جدية.

الإستراتيجيون الروس يبحثون اليوم عن وسائل تعزيز الدروع الدفاعية للحفاظ على الدولة واستكمال ما يعرف بالرادع النووي، الأمر الذي يتطلب منها التقدم نحو بسط نفوذها على الدول المجاورة على طول حدود روسيا باعتبارها السور العازل لضمان سلامة أراضيها.

وفقا للتقارير والدراسات العسكرية فمن صالح الروس استخدام إستراتيجية الضربات السريعة ثم الدخول في مفاوضات للخروج بأفضل الشروط الممكنة.

 ولعل ارتفاع نبرة التهديدات الروسية والتلويح بالحرب النووية هما جزء من هذا السيناريو، لكن ما يثير القلق أن هذه التهديدات الروسية هي رغبة أميركية بالدرجة الأولى، إذ هي جزء لا يتجزأ من المشروع الأطلسي لاستكمال فرض العزلة على روسيا، وتقويض النظام الروسي من الداخل مستفيدا من الهيمنة الغربية على وسائل الإعلام، وقدرتها على توجيه الرأي العام الدولي، وشيطنة الروس.

◙ الصراع الروسي – الأوكراني يمتد إلى سنوات طويلة، والشكوك الروسية في النوايا الأميركية لضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، وما يترتب عليه من فرض مواجهة مباشرة بين روسيا ودول الحلف

وفقا لتصريح الرئيس بوتين فإن الولايات المتحدة تعمل بجهد على إطالة أمد النزاع الروسي – الأوكراني، ويبدو لي أن ذلك يتم بناء على فرضية مفادها أن روسيا لن تكون قادرة على خوض الصراعات العسكرية طويلة الأمد.

تفترض الدراسات العسكرية أن حجم الترسانة النووية عند روسيا مخيفة لكنها لا تعني بالضرورة قدرتها على الصمود في الصراعات الطويلة، وأن تمديد زمن الصراع من شأنه أن يدمر روسيا من الداخل اقتصاديا بالدرجة الأولى، وتاليا عسكريا في حال وقعت مواجهة مع حلف الناتو.

فقد ذكرت بعض الدراسات أن خروج أكثر من ألف شركة عالمية من روسيا منذ بداية الحرب ألحق أضرارًا بالغة بالاقتصاد الروسي، وتسبب في تآكل 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا. حتى على مستوى تصدير الغاز فإن الدراسات تشير إلى أن ضرر روسيا الاقتصادي على المدى البعيد من خفض إمدادات الغاز أكبر بكثير من الضرر على أوروبا.

طبقا لذلك يعتقد بعض المحللين الإستراتيجيين أن روسيا لن تتمكن من خوض أي حرب واسعة النطاق، فضلا عن شن حرب نووية، لكن هذه النتيجة ليست تامة إذ يمكن أن تدفع الخسائر الروسية إلى ردود فعل حادة وربما عشوائية.

لذا فإن تساؤل أستاذ التراث والتاريخ بجامعة أركنساس الأميركية إدوارد سالو في مقاله الذي نشر في موقع “ناشونال إنترست” الأميركي عما إذا كانت روسيا الضعيفة ستكون أكثر خطورة يبدو منطقيا جدا.

9