إما الحب أو الموت

إذا كان البعض لا يرى سوى أناه فإن العاشق يمزج أناه بأنا الآخر فيكون العالم سكنا لاثنين لا ثالث لهما.
السبت 2025/01/04
حاجة الإنسان إلى حب الآخرين ليتحقق من أناه

يقول آلان دو بوتون وهو كاتب ومقدم برامج تلفزيونية سويسري "يمكن أن نتصور الأنا أو فكرتنا عن أنفسنا مثل بالون يسرب هواءه. فهو دائما وأبدا في حاجة إلى ضخ هيليوم المحبة الخارجية ليبقى منتفخا. وهو دائما وأبدا فريسة سهلة لأصغر ثقب من الإهمال،" على العكس من ذلك التعريف الذي يكشف عن حاجة الإنسان إلى حب الآخرين ليتحقق من أناه.

يقول أبوالطيب المتنبي "أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي/ وأسمعت كلماتي من به صمم،” وهو المعنى الذي عبر عنه نزار قباني حين قال “أنا لستُ أشبه إلا أنا،” في المقابل تقول فيروز “أنا لحبيبي وحبيبي إلي/ يا عصفورة بيضا لا بقا تسألي/ لا يعتب حدا ولا يزعل حدا.”

وبالدرجة نفسها من التطابق بين الأنا والآخر، يقول عبدالحليم حافظ من شعر مأمون الشناوي "أنا لك على طول خليك ليا/ خد عين مني وطل عليا/ وخد الاثنين وأسأل فيا." وقد تصل لوعة الأنا في حاجتها إلى الآخر إلى درجة النداء الحائر كما لدى أم كلثوم “أنا في انتظارك خليت/ ناري في ضلوعي وحطيت/ ايدي على خدي وعديت/ بالثانية غيابك ولا جيبت.”

وفي مكان آخر تقول سيدة الغناء العربي “أأنا وأنت ظلمنا الحب بأيدينا/ وجينا عليه وجرحناه لحد ما ذاب حوالينا/ محدش منا كان عايز يكون أرحم من الثاني ولا يضحي عن الثاني.”

وإذا كان البعض لا يرى سوى أناه فإن العاشق يمزج أناه بأنا الآخر فيكون العالم سكنا لاثنين لا ثالث لهما، وفي ذلك يقول فريد الأطرش مخاطبا هند رستم “أنا وأنت ولا حد ثالثنا/ أنا وأنت أنا وأنت وبس يا حلاوتنا.”

وفي مناسبة أخرى يقول لمريم فخر الدين “أنا وأنت لوحدنا/ حسدونا في حبنا/ يا ريتهم زينا.”

وبالمعنى نفسه تقول العراقية وحيدة خليل “أنا وخلي تسامرنا وحكينا/ نزهة والبدر شاهد علينا/ والعذيبي تنسم/ عبير الورد يشتم/ على شاطي النهر جيبنا وغدينا.”

 ولا يضر الأنا في شيء أن تعترف بحاجتها إلى الآخر كما لدى فايزة أحمد وهي تقول “أنا قلبي إليك ميال/ ومفيش غيرك ع البال،” وميادة حناوي وهي تصرخ معترفة “أنا بعشقك/ أنا كلي لك/ يا من ملك/ روحي بهواه،” وجوزيف صقر في دبكته الشهيرة “أنا اللي عليك مشتاق/ مش غيري مشتاق ليكي/ وإذا ارجعتي من العشاق واعشقتيني شو عليكي.”

وما من أحد نافس قيس بن الملوح في هيامه القاتل مثلما فعلت الشحرورة صباح “يانا يانا/ في حبيبي أموت أنا/ بلهيبي  عذابي لحبيبي/ وحبيبي ما درى بي/ وعلشانه أموت أنا.”

وعندما ولى الوليد بن عبدالملك الحجاج بن يوسف الثقفي على الكوفة بدأ خطبته الأولى قائلا "أنا ابن جلا وطلاع الثنايا/ متى أضع العمامة تعرفوني،" والبيت يعود إلى سُحيم بن وثيل.

18