إلى أي مدى يبدو الاقتصاد السعودي معافى

رغم الدفعة المعنوية التي منحتها رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد لا تزال الرياض تواجه تحديات مالية وسياسية وثقافية لضمان الاستقرار الاقتصادي على المدى المتوسط، وفق تقرير للمحللة الاقتصادية أليستر نيوتن نشره موقع عرب دايجست.
واشنطن - كتب الخبير السعودي في التجارة الدولية الدكتور فواز العلمي على منصة فايننشال تايمز أن “النفط لن يدوم إلى الأبد. عليك أن تكون حذرا، وعليك أن تنوّع”.
اقتصاد المملكة العربية السعودية سليم. ولكنها لا تزال تعتمد على النفط في 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و75 في المئة من الإيرادات المالية رغم المساعي المندرجة في إطار رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الطموحة 2030، التي أطلقت في 2016.
كما أشار صندوق النقد الدولي إلى أن الميزانية المتوازنة تتطلب أن يكون سعر خام برنت عند 96.20 دولار للبرميل حسب مستوى إنتاج البلاد النفطي الحالي البالغ حوالي 9 ملايين برميل يوميا. ولم نشهد هذا السعر منذ نوفمبر 2022 (انخفض مؤخرا سعر النفط استجابة للمخاوف من حدوث ركود في الولايات المتحدة، ووصل إلى 74.60 دولار). وتواجه الحكومة السعودية نتيجة لذلك عجزا ثالثا على التوالي في القطاع العام هذا العام، من المتوقع أن يبلغ 21 مليار دولار.
وليس مستغربا أن تقلص الرياض خطط نيوم في مثل هذه الظروف، كما أفاد سمير هاشمي، أو أن تعيد أيضا تقييم 13 مشروعا إنشائيا رئيسيا آخر. وكتب هاشمي، وهو مراسل بي بي سي للشؤون الاقتصادية في الشرق الأوسط، أن “تقليص (خطط) نيوم سلّط الضوء على تحديات التمويل التي تواجهها الحكومة السعودية”.
وتعدّ مواجهة هذه التحديات، التي تزايدت بسبب انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر عن المتوقع وارتفاع أسعار الفائدة على مستوى العالم، في المقام الأول مسؤولية صندوق الاستثمارات العامة السعودي. ويمتلك الصندوق أصولا تزيد قيمتها عن 900 مليار دولار لكن يُعتقد أن النقد لا يتجاوز 15 مليار دولار.
ومن المتوقع أن يستفيد من نجاح الطرح العام الثاني لشركة أرامكو السعودية الذي جمع في وقت سابق من السنة الحالية أكثر من 11 مليار دولار. لكن هذا يبقى محدودا مقارنة بكلفة مشروع نيوم الإجمالية التي تشير تقديرات غير رسمية الآن إلى تجاوزها تريليوني دولار. وسيتوقف مدى تعزيزات الطروحات العامة المستقبلية على استعداد أرامكو وقدرتها على الاستمرار في تقديم أرباح مضمونة سخية للمساهمين، وهو ما يحد من قدرتها على الاستثمار.
ويبقى تحقيق بعض هذه المشاريع على الأقل حيويا لرفاهية المملكة الاقتصادية على المدى المتوسط، إذا نظرنا إلى المسألة لا فقط من زاوية تقليص خطط رؤية 2030، بل وأيضا من جهة تنويع أنشطة أرامكو السعودية في ميداني الغاز الطبيعي والبتروكيماويات، داخل البلد وخارجه، لكن السعوديين أنفسهم غير مقتنعين بذلك.
ويمكن النظر إلى التركيبة السكانية السعودية لفهم الحاجة الملحة إلى التنويع. وتبلغ نسبة النمو السكاني 1.62 في المئة سنويا وفقا لكتاب حقائق العالم لوكالة المخابرات المركزية.
ويدخل لذلك حوالي 250 ألف شاب سعودي سوق العمل سنويا. ويعتقد المحللون المستقلون أن 30 – 40 في المئة من السعوديين في سن العمل إما يعملون أو يبحثون عن عمل (وذلك بأغلبية ساحقة في القطاع العام المتضخم وغير المنتج إلى حد كبير وغير المستدام اقتصاديا).
ولا يزال العمال الأجانب، رغم السعودة، يهيمنون على القطاع الخاص، ويتضح هذا من خلال نسبة بطالة رئيسية (تشمل جميع الجنسيات) لا تتجاوز خمسة في المئة بينما تتجاوز هذه النسبة العشر في المئة بين العمال المحليين.
900
مليار دولار قيمة صندوق الاستثمارات السعودي لكن النقد لا يتجاوز 15 مليار دولار
ورغم غياب البيانات الرسمية بالنسبة إلى الجمهور حول انعدام المساواة الاقتصادية، فإن تقديرات غير رسمية تشير إلى أن مؤشّر جيني (مقياس عدالة توزيع الدخل القومي) في المملكة يبقى أقل بقليل من 0.5 (على مقياس يتراوح بين 0 و1 حيث تشير النسب المرتفعة إلى عدم مساواة أكبر). ورغم أن الرقم المسجل لا يُعدّ مرتفعا بشكل خطير ولا يُشكّل تهديدا محتملا للاستقرار الاجتماعي، فإنه يبقى مثيرا للقلق.
وسيصعب تحدي خلق فرص العمل خاصة إذا استمر الشباب السعودي في الامتناع عن العمل في قطاع التسويق والخدمات. ويعدّ التغلب على هذه النزعة الثقافية أمرا بالغ الأهمية خاصة في وقت تكافح فيه الحكومة بالفعل لبلوغ أهدافها في التنمية السياحية.
وأشارت مجلة الإيكونوميست في مقال نشرته في 4 يوليو الماضي إلى أن أرقام النمو الرئيسية في القطاع مثيرة للإعجاب، لكن “لم يزر المملكة لأغراض ترفيهية بحتة غير مرتبطة بالعمل أو الدين أو زيارة العائلة والأصدقاء سوى 2.5 مليون شخص في 2022″، مقارنة بـ12 مليونا على سبيل المثال في المملكة المتحدة.
كما يجب أن يتساءل المرء عن مدى ضخامة الإمكانات عندما تستهدف الحكومة الزوار الأثرياء فقط وتتمسك بحظر الكحول. ولا يمكن تحديد ما إذا كانت استضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لسنة 2029 وبطولة كأس العالم لكرة القدم لسنة 2034 ستثبت فاعليتها من حيث الكلفة مقارنة بالتنمية طويلة الأجل.
ويمكن قول الشيء نفسه عن الجهود المبذولة لجذب صانعي الأفلام الأجانب. ويرى ولي العهد محمد بن سلمان في الأفلام منصة علاقات عامة مفيدة ستساعد على توجيه الاستثمار المباشر وغير المباشر إلى المملكة مع التأكيد على رسالته التحديثية. لكن، وكما كتب أحمد العمران وكريستوفر غرايمز في عدد 19 يوليو من صحيفة فايننشال تايمز “يمكن أن تقنع المشاكل التي تواجهها حتى الأفلام الدولية ذات الميزانيات الكبيرة المنتجين بأن طريق الصناعة السعودية لا يزال طويلا على الرغم من جهود الرياض”.
30 إلى 40 في المئة من السعوديين في سن العمل إما يعملون أو يبحثون عن عمل
واعترافا بالفضل لمن يستحقه، يقود برنامج محمد بن سلمان التنويع. وحدد صندوق النقد الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي نما بأكثر من أربعة في المئة سنويا عامي 2022 و2023، وأن هدف زيادة خمسة في المئة أصبح في متناول اليد على المدى المتوسط. لكن مذكرة صادرة عن موظفي الصندوق في سبتمبر 2023 أشارت إلى أن التحديات المقبلة تشمل التأكد من أن المشاريع الكبيرة تولد عوائد وتعزز الإنتاجية، وهي من النقاط الحيوية للنمو الاقتصادي المستدام وستساعد على زيادة تنويع الاقتصاد.
وذكرت الحاجة إلى مواصلة الجهود الجارية لتعزيز بيئة أكثر ملاءمة للابتكار والاستثمار في مهارات القوى العاملة التي تكمل أجندة التنويع. كما حددت أن تبسيط الرسوم والضرائب التي تواجهها الشركات سيزيد من تعزيز تنمية القطاع الخاص. وذكّرت بوجوب استمرار دور صندوق الاستثمارات العامة، المتنامي في الاقتصاد، في تحفيز استثمارات القطاع الخاص.
وأخيرا يمكن أن يساعد الرصد والتقييم الدقيقان في تقليل المخاطر الناجمة عن التدخلات المستهدفة والسياسات الصناعية، وضمان تحقيق هذه السياسات (التي لن تكون بديلا عن الإصلاحات الهيكلية الأوسع نطاقا) للفوائد المرجوة.
ورغم أن آراء الخبراء تميل إلى التركيز على كلفة تحقيق ما يقبل حتى كبار الشخصيات السعودية الآن كونه من أهداف رؤية 2030 مفرطة الطموحات، إلا أن التحفظات نفسها تنطبق على إجراء إصلاحات هيكلية أساسية وجني الفوائد المترتبة عليها.
وإجمالا، حتى لو واصل سعر النفط الخام مستقبلا توجهه نحو الانخفاض دون رجعة، فإن المصاعب المالية قد لا تشكل مصدر قلق للمملكة لضمان استقرارها الاقتصادي. لكن مواجهة التحدي الأكبر المتمثل في خلق بيئة شاملة ومشاريع محددة أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب قد تساعد كذلك في هذا الصدد.