إلى أين نحن ذاهبون؟

الكل يسأل؛ والسؤال يتفكك لتساؤلات تتآلف: البقال، العطار، الجزار، بائع الخضار، الفرارجي، الموظف، الفنان، المسؤول.. إلخ، إلى أين نحن ذاهبون؟ الإجابات تبلغ الحلق ولا تتجاوزه، والغضب يتصاعد وتتصاعد معه النقمة من تدهور الأوضاع الاقتصادية، لكن أحدا من المصريين لا يريد أن تذهب مصر إلى دوامة العنف، هذه الدوامة التي سوف يتلقفها ويوظفها ويغذيها أنصارالراديكالية الإسلامية من الإخوان والسلفيين المتأخونيين، وهم لمن يعيش داخل الواقع المصري خاصة بين أوساط الفئات المتوسطة والفقيرة والمعدمة لايزالون فاعلين بقوة، ومن يدعي أنهم قضي عليهم إما أنه يعيش في واد غير وادي مصر أو واهم أو “مضحوك عليه”.
إن البناء الهرمي الذي اعتمدته الإخوان منذ ظهورها، وللأسف لم يوله أحد الاهتمام الكافي، أشبه بالبناء الهرمي للجيش، ليس مجرد مرشد وأعضاء مكتب إرشاد وكوادر ملحقة تترأس وتمسك بزمام الأفرع في المحافظات المصرية، وكوادر تدير الوحدات في وزارات ومؤسسات الدولة والجامعات وغيره، ولكن مجندين يشكلون القوة الأساسية والذين ينتشرون ويتغلغلون داخل التركيبة الاجتماعية الشاملة.
ننسى دائما هؤلاء الجنود، تصعب رؤيتهم أو التعرف عليهم، هم جزء من نسيج المجتمع، لكنهم يظلون إخوانيين نشأة وتكوينا، يؤمنون بالفكرة وصناعها ويلتزمون بروحها وجسدها التزاما صارما يتجلى واضحا في أبنائهم أطفالا أو شبابا، والذين يتعاملون بفوقية ويعتبرون أنفسهم مختلفين اختلافا جذريا عن محيطهم، فآباؤهم هم المسلمون المختارون لإقامة دولة الإسلام ومن عاداهم يحتاج إلى تجديد إسلامه والإنضواء تحت لوائهم حتى يكون مسلما حقا.
خلال السنوات الماضية كل ما قامت به أجهزة الاستخبارات والأمن الوطني بعصاها الغليظة بشل حركة القيادات والجنود، حملت القيادات إلى السجون، وصعدت العصا الغليظة في وجه المجتمع بالكامل، الأمر الذي دفع بجنود الإخوان إلى خلع الرداء واللجوء إلى “التقية”، وهي أصل من أصول الإخوان منذ نشأتها حين تشتد الضربات الأمنية.
تاريخيا وفي الحالة المصرية تحديدا تطلق الدولة القبضة الأمنية والاستخباراتية دون أن تلتفت لدور وأهمية الحراك الثقافي والإبداعي والمعرفي في مواجهة الأفكار المتطرفة والمتشددة خاصة الإخوانية والسلفية المتأخونة، بل مما يؤسف له أنها تذهب بعصاها الغليظة لتوقف أي نشاط أو تجمع ثقافي وإبداعي يمكن أن يثمر وعيا شعبيا يمكن الاعتماد عليه في مناهضة تلك الأفكار. والأدهى والأمر من ذلك أنها في السنوات الثماني الأخيرة وضعت يديها على الإبداع الدرامي الذي يحظي عادة بإقبال جماهيري واسع، فجاء فجاجة العصا، فلم يجلب إلا السخرية والنفور.
الحقيقة أن سؤال: إلى أن نحن ذاهبون؟ هو مجموع تساؤلات لا حصر لها تطال كل مفردات الحياة في مصر، يسألها الصغير والكبير، المتعلم والأمي، الغني والفقير، أي أنها تساؤلات ليست حكرا على أحد أو فئة أو طبقة أو جماعة أو طائفة.
والجميع في حيرة من الأمر، والجميع غير قادر على التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه الأمور بعد هذا الانفلات الوحشي للغلاء في ظل تراجع قيمة الجنيه وثبات الدخول وانعدام فرص العمل جراء إغلاق المصانع وووو. لكن يظل هناك إدارك بأن الانفجار يمكن أن يدخل مصر في دوامة عنف لا يعلم إلا الله كيف يمكن إنهاءها.. لذا فإن الخوف من ذلك، حتى الآن، يظل سيد الموقف مهما كانت الدعوات المحرضة على الثورة.. وليس أي شيء آخر.