إلغاء زواج القاصرات أولى خطوات مراجعة مدونة الأسرة المغربية

بدأت الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة بالرباط في الاستماع لمقترحات المنظمات والجمعيات النسوية الحقوقية المتعلقة بزواج القاصرات، ما يجعل مراجعة المدونة تدخل مرحلة حاسمة. وتعد هذه المقترحات ثمرة لعدة لقاءات مع فاعلين سياسيين واجتماعيين ودراسات جدية من طرف مختصين. ورغم أن القانون المغربي يمنع زواج القاصرات إلا أن الظاهرة في انتشار مستمر بسبب نافذة الاستثناء والسلطة التقديرية للقضاة، ما جعل الاستثناء يصبح قاعدة.
الرباط - تدخل مراجعة مدونة الأسرة في المغرب مرحلة حاسمة في الأيام القادمة بعد إسناد مهمة الإشراف العملي على إعداد الإصلاحات إلى وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، في مهمة تواجه امتحان التوفيق بين الخصوصيات المحلية والمرجعيات العالمية.
وفي خضم النقاش الدائر حول المدونة، اقترحت جمعيات نسائية وحقوقية تعديلات في مواضيع بينها الميراث، والوصية، وزواج القاصرات. واحتل موضوع إلغاء زواج القاصرات حيزا هاما في النقاش وبات أولى الخطوات الضرورية في مراجعة مدونة الأسرة المغربية. وفي جلستين منفصلتين استمعت الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، بالرباط، لتصورات ومقترحات كل من “شبكة نساء متضامنات" و"حركة أكبر لإلغاء زواج القاصرات في المغرب".
وقالت منسقة “شبكة نساء متضامنات” لطيفة بوشوى، في تصريح للصحافة عقب الاجتماع، إن جلسات الاستماع تشكل فرصة ثمينة للحركة النسائية والمغاربة جميعا بالنظر إلى أن المراجعة المرتقبة تأتي بعد 20 سنة من تطبيق مدونة الأسرة. وأكدت السيدة بوشوى في هذا الإطار على أهمية مراجعة شاملة للإشكالات المطروحة وفق صيغ تحترم الأسرة وكيانها. وأفادت عضو "شبكة نساء متضامنات” عائشة السناسي، في تصريح مماثل، بأن مقترحات الشبكة نابعة من العمل الدائم للجمعيات العاملة ضمنها وتهم بعض الفصول التي ترى الشبكة ضرورة إعادة النظر فيها.
وقالت عضو "حركة أكبر لإلغاء زواج القاصرات في المغرب” كوثر آيت مالك إن مقترحات الحركة تتعلق بشكل خاص بمواد مدونة الأسرة ذات الصلة بالموضوع الذي يشكل صلب عمل الحركة أي إلغاء زواج القاصرات. وأضافت أن تصورات الحركة بهذا الخصوص ثمرة لعدة لقاءات مع فاعلين سياسيين واجتماعيين ودراسات جدية من طرف مختصين. ويأتي الاجتماعان في إطار استشارات وجلسات استماع تعقدها الهيئة مع مختلف الفاعلين المعنيين، تنزيلا لمضامين الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة بشأن إعادة النظر في مدونة الأسرة.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد أكد في خطاباته المتكررة على ضرورة إعادة النظر في مدونة الأسرة، التي مكنت من إفراز دينامية تغيير إيجابي، من خلال منظورها للمساواة والتوازن الأسري وما أتاحته من تقدم اجتماعي كبير، وذلك بهدف تجاوز بعض العيوب والاختلالات، التي ظهرت عند تطبيقها القضائي.
وأشار العاهل المغربي إلى ضرورة أن تتواءم مقتضيات مدونة الأسرة مع “تطور المجتمع المغربي ومتطلبات التنمية المستدامة، وتأمين انسجامها مع التقدم الحاصل في التشريعات الوطنية". ويقول مراقبون إن قانون الأسرة الذي دعا الملك إلى إصلاحه في أكثر من مناسبة تشوبه ثغرات عدة أخرى، حيث شدد على ضرورة “تجاوز الاختلالات التي كشفت عنها التجربة، ومراجعة بنود تم الانحراف عن أهدافها".
ورغم أن تزويج القاصرات ممنوع في القانون المغربي، لكن بسبب نافذة الاستثناء والسلطة التقديرية أضحى الاستثناء قاعدة. وتثير ظاهرة زواج القاصرات في المغرب نقاشا حقوقيا وقانونيا، وسط مطالب حقوقية بإيجاد حلول لإيقاف هذه الظاهرة المتصاعدة. وقال وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي إن “في عام 2017 تم تسجيل 26 ألف حالة زواج قاصر، وانخفض العدد سنة 2020 إلى 12 ألف حالة، وفي سنة 2021 ارتفع إلى 19 ألفا".
ودعا وهبي، في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، إلى تجريم زواج القاصرات، وهو ما أثار جدلا بشأن الظاهرة. وقال وهبي إنه مع تجريم زواج القاصرات وإلغاء الإذن الذي يُعطى من طرف القاضي للقاصر من أجل السماح بحالات من هذا الزواج، مشددا على أن “السن المناسبة للزواج هي 18 سنة فما فوق". ومنح هذا التصريح جرعة أمل للجمعيات الحقوقية، إذ تصاعدت دعوات العديد من الناشطات إلى تجريم زواج القاصرات.
وقالت خديجة اليملاحي رئيسة جمعية ملتقى الأسرة المغربية إن مقترحات الجمعية التي قدمتها للهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، تناولت الجوانب السلبية المحيطة بظاهرة تزويج القاصرات. وأوضحت في تصريح صحفي أن الأمر يتعلق بالخصوص بسبل سد الطريق على كل أشكال تزويج هذه الفئة من المجتمع بشكل غير قانوني.
وقال الأستاذ الباحث في علم اجتماع والأسرة والنوع الاجتماعي بالمعهد الجامعي للبحث العلمي في جامعة محمد الخامس بالرباط (حكومية) خالد لحسيكة إن الظاهرة تمثل “اعتداء على الأطفال في حقوقهم الطبيعية التي ربما كل المجتمعات ترفضه تحت إطار الاتفاقية الدولية لحقوق الأطفال”.وبخصوص نطاق انتشار الظاهرة، أفاد بأنها توجد في المجالات المعزولة التي لا تصلها التأثيرات الثقافية والمكتسبات التنموية، خصوصا المجال القروي (الأرياف).
واعتبر أن المسؤول الأول عن انتشار الظاهرة هو المُشرع. ويتيح القانون الزواج للذكور والإناث في سن 18 عاما، ويشترط الحصول على إذن من القاضي لتزويج الإناث اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و18 عاما، فيما يُمنع على الذكور الزواج قبل 18 عاما. وشدد لحسيكة على ضرورة إلغاء هذا الاستثناء، فـ”منح السلطة التقديرية في اتخاذ القرار يتسبب في ترك مصير الآلاف من الأطفال تحت مسؤولية آخرين يقررون نيابة عنهم".
◙ العاهل المغربي دعا إلى ضرورة أن تتواءم مقتضيات مدونة الأسرة مع تطور المجتمع ومتطلبات التنمية المستدامة وتأمين انسجامها مع التقدم الحاصل في التشريعات الوطنية
وللقضاء على هذه الظاهرة، يطالب حقوقيون بتعديل قانون الأسرة بجعل السن القانونية للزواج هو 18 عاما، ومنع زواج من هم في سن أقل. وتنص المادة 20 من القانون على أنه لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية (18 عاما)، مع تبيان المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي، والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.
ويشمل تعديل مدونة الأسرة قضايا حضانة الأطفال بعد الطلاق، وحق الزيارة، والتعويض عن المسكن، والنيابة الشرعية، والطلاق للضرر، وفترة ما قبل الطلاق، والنسب، والنفقة، والمتعة.
وقالت الكاتبة الوطنية لمنظمة "النساء الاتحاديات" حنان رحاب "ننتظر منذ خطاب العرش عام 2002 ترجمة التوجيهات، ووضع خارطة طريق لتعديلات تتجاوز الاختلالات في مدونة الأسرة. ونرى اليوم أن جلالة الملك حسم الجدل حول آلية التعديل عبر جعله يمر من خلال قناتي الوزارة والبرلمان، وينفتح على المجتمع المدني والمتخصصين والمؤسسات المعنية بالملف".
وأضافت أن “الانطلاق من الخبرات القانونية والقضائية لوزارة العدل ورئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، سيساهم في كسب الوقت، وتفادي الصياغات والأخطاء عند بناء الأرضية القانونية والتشريعية الملائمة. لذا نحن أمام مقاربة بثلاثة مداخل هي الديمقراطية والتشاركية والعلمية".
وقالت "حين أقرّت مدونة الأسرة قبل نحو 20 سنة كانت تمثل ثورة ثقافية واجتماعية، وعقدا اجتماعيا جديدا يقوم على الحداثة والديمقراطية، أما النقاش الذي أطلقه الملك قبل سنة حول تطوير المدونة فعنوان آخر في مسيرة تحديثها كي تستجيب للتحوّلات في المجتمع، وبعضها لصالح حقوق النساء اللواتي تتنامى مشاركتهن في كل مجالات الشأن العام".
وتابعت "تعتبر منظمة النساء الاتحاديات التابعة لحزب اشتراكي يساري حداثي أن المدونة الحالية تحتاج إلى مراجعة شاملة لأنها تجاوزت وقتها. والبلاد قادرة على الخروج بنص جديد يستجيب لأفق المساواة الشاملة والإنصاف عبر آليات الحوار والإنصات والتوافق، فالجميع يؤمن بأن الحداثة والحقيقة والفضيلة ذات وجوه وتعابير مختلفة، وأن المجتمع في قالب واحد".