"إكسبوجر" يستشرف مستقبل شفافية المحتوى في عصر الذكاء الاصطناعي

الشارقة - تتواصل فعاليات المهرجان الدولي للتصوير "إكسبوجر 2025"، الذي ينظمه المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة في منطقة الجادة، وتستمر فعالياته حتى 26 فبراير الجاري، مقدما عددا من الجلسات الهامة حول فن التصوير وعلاقته بالبيئة والثقافة والفنون الأخرى والقضايا الإنسانية والبيئية وغيرها.
وفي هذا الإطار قدم المصور الصحفي المخضرم والرئيس السابق لقسم التصوير في وكالة أسوشيتد برس، سانتياغو ليون، رؤية معمقة حول مستقبل أصالة المحتوى في ظل التطورات المتسارعة للذكاء الاصطناعي، خلال محاضرة بعنوان “مبادرة أصالة المحتوى: الشفافية في عصر الذكاء الاصطناعي”.
واستعرض ليون، الذي يشغل حاليا منصب رئيس التوعية والتعليم في المبادرة، كيف تسهم الجهود في التصدي لأزمة المعلومات المضللة، وتعزيز الثقة في وسائل الإعلام الرقمية، مشددا على أن التكنولوجيا الحديثة، رغم قدرتها على الابتكار، تفرض تحديات جوهرية تتطلب حلولا شفافة وموثوقة.
وأشار ليون إلى تجربته الممتدة لأكثر من عقدين في التصوير الصحفي، حيث غطى 9 حروب عبر أربع قارات قبل أن يتولى إدارة قسم التصوير في أسوشيتد برس، إذ كان يشرف على أكثر من 1000 مصور ينتجون قرابة مليون صورة سنويا، وأكد أن جميع هذه الأعمال كانت تلتزم بأعلى معايير الدقة والموضوعية.
وتطرق ليون إلى التحديات الناجمة عن الذكاء الاصطناعي التوليدي، لافتا إلى أن التطورات الأخيرة تسببت في حالة من الضبابية، وضرب مثالا صورة شهيرة للبابا فرانسيس مرتديا معطفا أبيض منتفخا، قائلا “للحظة، اعتقدت أنها حقيقية، لكنني كنت مخطئا، وإن كان بإمكاني الوقوع في هذا الخطأ، فما بالك بالمشاهد العادي الذي لا يمتلك المعرفة الكافية؟”
وأضاف المصور الصحفي المخضرم أن الذكاء الاصطناعي لم يؤثر فقط على مصداقية الصور، بل خلق ما يعرف بـ”عائدية الكذب”، حيث يمكن لأي شخص التشكيك في أي محتوى، بغض النظر عن صحته، وهنا تأتي أهمية الشفافية، التي تسعى مبادرة أصالة المحتوى إلى تعزيزها.
وتأسست مبادرة أصالة المحتوى (CAI) على يد “أدوبي” في عام 2019، وسرعان ما توسعت لتضم أكثر من 4000 جهة، من بينها رويترز وفرانس برس ومايكروسوفت وغيتي إيميجز ونيكون، بهدف تقديم أدوات موثوقة لتتبع مصدر المحتوى الرقمي وتوثيق التعديلات التي خضع لها.
وأوضح ليون أنه “بدلا من التركيز على كشف الزيف، نركز على إثبات صحة المحتوى، فنحن نريد أن نظهر للمستخدمين أصل المادة، ومن أين جاءت، وما التعديلات التي خضعت لها، ليتمكنوا من اتخاذ قرارات واعية بشأن مصداقيتها.
ومن بين أبرز الابتكارات التي استعرضها المصور الصحفي المخضرم تقنية “أيقونة” CR، التي تعمل كختم رقمي يرافق المحتوى ويوضح مصدره وما إذا كان قد تم تعديله باستخدام أدوات مثل “فوتوشوب” أو “فاير فلاي” من “أدوبي”. وأكد أن هذه التقنية، التي تتعاون فيها المبادرة مع علامات تجارية مثل “لايكا” ومنصات الذكاء الاصطناعي مثل “أوبن أيه آي”، تضع معيارا جديدا للشفافية في الإعلام.
وأشار ليون إلى أن مجلة “تايم” وصفت هذه التقنية بأنها من أفضل الابتكارات الإعلامية خلال العام الماضي، مؤكدا أن كل ما تقدمه المبادرة متاح كمصدر مفتوح، وهو ما يسمح حتى لمنافسي “أدوبي” باستخدامه لتعزيز أصالة المحتوى في العالم الرقمي.
وفي جلسة أخرى ضمن فعاليات “إكسبوجر 2025” أكد المصور الألماني مارتن شولر، أحد أبرز مصوري البورتريه المعاصرين، “أن سر نجاحه يكمن في تبني مقاربة فريدة للتصوير، تجمع بين البساطة والتعبير العميق عن التفاصيل،” حيث صور على مدار سنوات طويلة آلاف المشاهير والمشردين بتقنية واحدة تبرز التفاصيل دون تجميل أو مبالغة، ما جعل صوره تكتسب طابعا إنسانيا مؤثرا.
وتناول شولر في حديثه رحلته المهنية، التي بدأت من كونه مساعد مصور في نيويورك، حيث تعلم في ثلاث سنوات ما يفوق إمكانية تحصيله أكاديميا، ومن هناك بدأ بتطوير رؤيته الخاصة، متأثرا بتقنيات تصوير خزانات المياه المتشابهة، والتي انتقل لاحقا إلى تطبيقها على البورتريه، الأمر الذي ساعده في تقديم صور متجانسة ولكن غنية بالتفاصيل والتعابير.
وتطرق شولر إلى مراحل مهمة في مسيرته، حيث اضطر في بداياته إلى العمل كمصور في إدارة الشرطة لتوثيق مشاهد الجرائم والإدمان وحرائق المنازل، وهو ما صقل مهاراته في التقاط اللحظات الحاسمة، وبالتوازي مع ذلك كان يلتقط صورا لأصدقائه وعائلته، والتي لفتت انتباه مجلات كبرى بفضل أسلوبه الذي يوازن بين الواقعية والحياد، ومع نهاية التسعينات أصبح لديه أرشيف ضخم يضم أكثر من 3000 صورة للمشاهير، وآلاف الصور الأخرى للمشردين.
وعرض مجموعة من أبرز أعماله، بما في ذلك صورة شهيرة للعداء يوسين بولت وسط مجموعة من التماثيل في أحد المتاحف، وصورة للرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل توليه المنصب، إضافة إلى مشروعه الخاص بتصوير التوائم، والذي وثق من خلاله ملامح متشابهة بتعبيرات متباينة.
كما أوضح أن اهتمامه لا ينصب على الأزياء، بل على اللحظات التي تصنع الصورة، مؤكدا أن سر نجاح البورتريه يكمن في الإضاءة الدقيقة، حيث يحرص على إبراز بؤبؤ العين ليمنح الصور عمقا وحياة.
وفي ختام حديثه شدد شولر على أن التصوير الفوتوغرافي لا يقتصر على الجمال السطحي، بل هو فن يمكن لكل شخص أن يجد فيه عنصرا يعكس رؤيته الخاصة.
ويذكر أن مهرجان “إكسبوجر 2025” يقام في منطقة الجادة بالشارقة، حيث يجمع نخبة من المصورين والخبراء لمناقشة أحدث التوجهات في التصوير البصري وصناعة المحتوى.