إقليم كردستان في قلب التغييرات: مكاسب من استئناف النفط وطريق التنمية

هل ضغطت واشنطن لتسريع عودة تصدير النفط.
الأحد 2025/02/23
الأكراد يراكمون مكاسبهم

إقليم كردستان، الذي عملت أطراف عراقية مرتبطة بإيران على إرباكه، نجح في أن يحقق خلال الفترة الحالية مكاسب متعددة تضع قيادة الإقليم في موقع مريح ما يساعدها على تشكيل الحكومة وحل مشكلة الاعتصامات والاحتجاجات والتفكير في مشاريع إستراتيجية سواء من بوابة استئناف النفط أو الاستفادة من مرور طريق التنمية.

بغداد - تصب التغييرات في العراق وفي المنطقة لصالح إقليم كردستان الذي سيتحول إلى نقطة مهمة في التعاملات الخارجية مع العراق، فهو سيستفيد من استئناف تصدير النفط بشكل يحسن الخدمات التي يقدمها لسكانه ويحل أزمة الرواتب والمناكفات السياسية التي ارتبطت بها. كما أن وجود الإقليم على خارطة طريق التنمية من الخليج إلى أوروبا يوفر له مزايا إضافية تدعم استقراره على المدى البعيد، وتقوي من دوره صناعة الاستقرار الإقليمي، وهو ما بوأه لأن يكون حلقة وساطة مهمة بين أكراد تركيا وأنقرة من جهة وأكراد سوريا والإدارة الجديدة في دمشق من جهة أخرى.

ويرى مراقبون أن وضع الإقليم على طريق الاستقرار والمكاسب ذات الأبعاد الإستراتيجية لم يكن ليتم لولا وجود قيادة كردية لديها ما يكفي من التجارب والخبرات وقادرة على قراءة التطورات في العراق الإقليم، وهذا ما يظهر الدور الذي يلعبه الزعيم التاريخي الكردي مسعود بارزاني الذي نجح في تأمين استفادة الإقليم سياسيا واقتصاديا وبناء شراكة مع الحكومة الاتحادية في بغداد بالرغم من مساعي إيران وأذرعها في العراق للدفع إلى توتير العلاقة بين بغداد وأربيل.

كما نجح في تجنب تداعيات التوتر التاريخي مع أنقرة وأسس معها علاقة حوار قائمة على تبادل المصالح دون الانجرار إلى صراعات أثبت التاريخ أنها لا تفضي إلى أيّ نتائج سوى الدمار. وقال رئيس إقليم كردستان بشمال العراق نيجيرفان بارزاني، السبت، إن مشروع “طريق التنمية” يعد خطوة تاريخية من أجل بناء “عراق أكثر استقرارا وازدهارا“.

جاء ذلك في كلمة خلال مؤتمر بغداد للحوار، السبت، بمشاركة عدد من المسؤولين، أبرزهم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ومبعوث الأمم المتحدة إلى العراق محمد الحسان. وأضاف بارزاني “ندعم مشروع طريق التنمية لتعزيز دور العراق كدولة فاعلة في الشرق الأوسط“. وأكد أهمية مشروع طريق التنمية “كمبادرة وخطوة تاريخية لبناء عراق أكثر استقرارا وازدهارا على أسس اقتصادية متنوعة وانفتاح إقليمي، والتكامل مع دول الجوار“.

◙ وضع الإقليم على طريق المكاسب الإستراتيجية لم يكن ليتم لولا وجود قيادة كردية لديها ما يكفي من التجارب

وسيكون الأكراد مشمولين بهذا الطريق، حيث تقول الجهات الرسمية العراقية إن المشروع يبدأ من ميناء الفاو في البصرة ويمتد إلى محافظة نينوى، ثم يواصل من شمال نينوى مروراً بإقليم كردستان وصولاً إلى الحدود العراقية – التركية، وإن هناك خطة لربط إقليم كردستان ومحافظة كركوك بشبكة السكك الحديد في العراق. ومشروع “طريق التنمية” طريق بري وسكة حديد تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها، يبلغ طوله 1200 كيلومتر داخل العراق، ويهدف إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.

وينطوي المشروع بالإضافة إلى فوائده الاقتصادية والاجتماعية المباشرة على فوائد أشمل تتعلّق بعلاقة العراق بمحيطه حيث يساهم في إعادة صياغة تلك العلاقات على أساس المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة بدلا من الأساس الأيديولوجي والسياسي الذي يتحكّم حاليا في علاقة البلد ببعض جيرانه وتحديدا بإيران التي كثيرا ما استخدمت أذرعها من أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة في محاولة إضعاف صلات العراق بمحيطه الإقليمي المباشر.

وفي 22 أبريل 2024، وقّعت تركيا والعراق وقطر والإمارات في بغداد مذكرة تفاهم رباعية للتعاون في مشروع “طريق التنمية”. ويتزامن الحديث من الاستفادة الإستراتيجية المتوقعة من طريق التنمية مع مكاسب يحصل عليها الأكراد مع استئناف تصدير نفط الإقليم نحو تركيا بالرغم من وجود بعض التأخير فيما بدا وكأن جهات في بغداد تسعى إلى عرقلته أو في الحد الأدنى تأجيله لأجندات خاصة.

وأعلنت وزارة النفط العراقية في بيان السبت استكمال إجراءات استئناف تصدير النفط من خلال خط الأنابيب العراقي - التركي. وقال البيان “تؤكد وزارة النفط الاتحادية استكمال إجراءات استئناف تصدير النفط المنتج في إقليم كردستان عبر ميناء جيهان وفقا للآليات المرسومة في قانون الموازنة وتعديله وضمن سقف الإنتاج المُحدد للعراق في منظمة أوبك”.

وقال حيان عبدالغني وزير النفط العراقي الاثنين الماضي إن صادرات النفط من إقليم كردستان شبه المستقل ستُستأنف هذا الأسبوع، ليتم حل نزاع مستمر منذ قرابة عامين أدى إلى تعطيل تدفقات الخام، وسط تحسن العلاقات بين بغداد وأربيل. وقالت مصادر لرويترز إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تضغط على العراق للسماح باستئناف صادرات النفط من كردستان أو مواجهة عقوبات مثل إيران. ونفى مسؤول عراقي في وقت لاحق وجود ضغوط أو تهديد بفرض عقوبات.

وعقدت الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان محادثات فنية عقب تصريحات وزير النفط الأسبوع الماضي لوضع التفاصيل اللازمة لاستئناف الصادرات، مثل آلية الدفع المقبولة لشركات النفط. ويأتي إعلان وزير النفط العراقي بعد موافقة مجلس النواب في الثاني من فبراير على تعديل في الموازنة حدد مقدار التعويض عن تكاليف إنتاج النفط ونقله في كردستان عند 16 دولارا للبرميل.

◙ وجود الإقليم على خارطة طريق التنمية من الخليج إلى أوروبا يوفر له مزايا تدعم استقراره على المدى البعيد

ويُلزم التعديل أيضا حكومة إقليم كردستان بنقل إنتاجها النفطي إلى شركة تسويق النفط العراقية (سومو) التي تديرها الدولة. وطلبت وزارة النفط في بيان السبت من حكومة إقليم كردستان بدء تسليم النفط الخام إلى سومو من أجل استئناف الصادرات. ونجح إقليم كردستان في ربح معركة ليّ الذراع مع بغداد، وأوقف خطة كانت تهدف إلى سحب أحد عناصر قوة الإقليم، أي عائدات النفط.

ويرى مراقبون أن قيادة الإقليم أثبتت قدرتها على الحوار تحت الضغط ونجاحها في الحفاظ على مصالح سكان الإقليم دون تنازلات أو حسابات شخصية. وبالاتفاق الجديد تمكن الإقليم من تحقيق عدة مكاسب منها أن وزارة المالية الاتحادية تلتزم بتعويض الإقليم عن النفقات السيادية المرتبطة بإنتاج ونقل النفط المسلّم إلى شركة سومو أو وزارة النفط الاتحادية.

وعدّل البرلمان العراقي مؤخرا الموازنة العامة، بزيادة تعويضات إنتاج النفط ونقله من 6 دولارات إلى 16 دولارا للبرميل.

وكانت المادة الـ12 في الموازنة الثلاثية التي صوّت عليها مجلس النواب في 12 يونيو عام 2023 تنص على منح الشركات النفطية العاملة في إقليم كردستان 6 دولارات عن كل برميل مستخرج، وهو ما تم رفضه حينها من قبل الشركات الأجنبية العاملة في الإقليم. ولم تستأنف عمليات تصدير نفط إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي منذ أغلقت تركيا خط الأنابيب في 2023، بعدما أمرت محكمة تحكيم أنقرة بدفع نحو 1.5 مليار دولار تعويضات لبغداد بسبب نقل النفط من إقليم كردستان من دون موافقة الحكومة العراقية.

وقالت أنقرة مراراً وتكراراً إن خط الأنابيب جاهز للعمليات وإن الأمر متروك للعراق لاستئناف التدفقات. كما أعربت الولايات المتحدة عن رغبتها القوية في رؤية تدفق النفط عبر خط الأنابيب العراقي – التركي.

3