إقصاء الدولار يفتح آفاقا جديدة للتعاون بين مصر وتركيا

البلدان يتطلعان إلى تعميق المصالح التجارية والاستثمارية بما يتيح تعزيز تبادل المنافع المشتركة.
الاثنين 2023/07/24
لا دولارات بعد اليوم!

ترجمت مصر وتركيا تقاربهما السياسي بالبحث عن استخدام الجنيه والليرة تجاريا، في خطوة تستكشف الفرص الواعدة في العديد من القطاعات وتسهم في تعزيز العلاقات، بينما تتطلع كل بلد لتحسين أوضاعه الاقتصادية بتقديم المزيد من التسهيلات التي تدعم انفتاحه.

القاهرة – تتطلع كل من مصر وتركيا إلى تعزيز التعاون الاستثماري من بوابة تقليل الاعتماد على الدولار، الذي بات تخفيف الضغط عليه عملية مهمة في طريق تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وتجاوز الصعوبات الناشئة عن نقص العملات الأجنبية.

ويشجع التقارب وعودة العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وأنقرة على توجيه الأنظار لنجاح هذه الخطة بعد توتر أعاق تحويل الطموحات الاقتصادية المشتركة إلى واقع.

وبدأ التقارب يأخذ منحى إيجابيا، حيث تعهدت شركات تركية باستثمار نحو 500 مليون دولار في مصر، تضاف للاستثمارات الحالية التي تتجاوز ملياري دولار.

حمادة العجواني: الخطوة آثارها إيجابية وتضاعف حجم التجارة بين البلدين
حمادة العجواني: الخطوة آثارها إيجابية وتضاعف حجم التجارة بين البلدين

وصرح السفير التركي الجديد لدى مصر صالح موتلو شين مؤخرا بأن الخطوة التي تشمل الاعتماد على العملة المحلية مدرجة في جدول أعمال وزير التجارة أحمد سمير الذي سيقوم بزيارة أنقرة قريبا لمناقشة سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية وآليات تعظيم المكاسب المشتركة.

وأشار شين إلى نحو 6 مليارات دولار كحد للتعامل بعملتي البلدين، كنموذج قابل للتطبيق، وستتم دراسة الاقتراح بشكل شامل من قبل المتخصصين للعمل به.

وتجري القاهرة محادثات مع دول منها روسيا والهند والصين بشأن زيادة استخدام العملات المحلية في التبادل التجاري وتقليل الاعتماد على الدولار.

ويواجه الجنيه المصري والليرة التركية انخفاضا حادا في قيمتيهما، وتسبب ذلك في ارتفاع مستوى التضخم، بما انعكس سلبا على أسعار الكثير من السلع والخدمات.

وجاءت الخطوة عقب مطالبة جمعية رجال الأعمال المصريين والأتراك “تومياد” المسؤولين الأتراك بعرض طلب اقتراح التبادل التجاري مع مصر بالعملات المحلية لعلاج مشكلة نقص الدولار في القاهرة التي أثرت سلبا على تدفقات الاستثمارات.

وبدأت التجارة تنضج بين البلدين مع توقيع اتفاقية التجارة الحرة عام 2005، ليبلغ حجمها في ذلك العام 1.5 مليار دولار، ثم وصلت إلى أعلى مستوياتها العام الماضي بنحو 9.7 مليار دولار، مع إدراج تجارة الغاز الطبيعي وتطوير الميزان التجاري لصالح القاهرة.

وتأتي صافي المعاملات التجارية لصالح مصر بقيمة 600 مليون دولار، إذ بلغت الصادرات التركية لمصر نحو 4.5 مليار دولار خلال 2022، في حين تجاوزت الصادرات المصرية لتركيا 5 مليارات دولار.

وقال حمادة العجواني نائب رئيس تومياد إن “الخطوة من شأنها تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية، خاصة أن الشركات التركية تبدي اهتماما متزايدا بالاستثمار في مصر، والتركيز على مجال الطاقة.

وتوقع خلال حديثه مع “العرب” زيادة حجم التجارة بين البلدين بصورة كبيرة الفترة المقبلة مع القبول بتطبيق التبادل بالعملة المحلية.

وتعد تركيا من أكبر الأسواق التصديرية لمصر لوجود اتفاقية التجارة الحرة وقرب المسافة بين البلدين، ما يساعد على تخفيض تكلفة نقل البضائع، والتي تعول عليها كثيرا أنقرة لنقلها إلى البحر الأحمر ومنه إلى دول الخليج وآسيا أو العمق الأفريقي.

ومع تنفيذ مشروع القطار السريع الذي يربط البحرين المتوسط والأحمر، وشمال مصر بجنوبها، يمكن أن تحقق التجارة التركية رواجا كبيرا في المنطقة.

الجنيه المصري والليرة التركية يواجهان انخفاضا حادا في قيمتيهما، وتسبب ذلك في ارتفاع مستوى التضخم، بما انعكس سلبا على أسعار الكثير من السلع والخدمات

وأوضح العجواني أن تعزيز العلاقات يصب في صالح الاستثمارات المشتركة في مصر، لأن البنوك التركية تموِّل المشاريع المصرية بأسعار الفائدة في تركيا التي تصل إلى نحو 9 في المئة.

وتتحقق الطفرة التجارية المرتقبة بين البلدين بإدراج المنتجات الزراعية في اتفاقية التجارة الحرة، وفتح التجارة بالعملات المحلية، ووجود إرادة حقيقية لدى القاهرة لجذب المستثمرين الأتراك، وهو ما لوحظ في استقبال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لعدد منهم مؤخرا.

وأبدت شركات تركية رغبتها في ضخ استثمارات بنحو 300 مليون دولار، وتم الإعلان عن ذلك في مناقشات جرت داخل مجلس الوزراء المصري.

وأوضح أيمن رضا الأمين العام لجمعية مستثمري العاشر من رمضان أن الاعتماد على العملات المحلية أصبح سمة اقتصادية لدى مختلف دول العالم لخفض الاعتماد على الدولار والعملات الصعبة عموما. لكنه قال لـ”العرب” إن “في حالة مصر يجب أن يكون التعامل بالدولار الأكثر شيوعا لتوفير السيولة اللازمة لسداد الديون”.

ويبلغ عدد الشركات التركية في مصر نحو 200 شركة، منها 40 شركة ذات حجم كبير، وتتيح جميعها فرصا لعمل الشباب، باستثمارات تتجاوز ملياري دولار، ويتوقع مضاعفتها حال تطبيق التبادل بالعملات المحلية.

وأكد رضا أن الخطوة من شأنها استكمال إستراتيجية مصر لتخفيف الاعتماد على الدولار الذي فاق سعره التوقعات بالنسبة للجنيه، مع محاولة استفادتها من الدولارات المتدفقة من التصدير إلى تركيا ومدى الحاجة إلى عدم تغيير إستراتيجية التعامل.

أيمن رضا: نتوقع تعافيا للجنيه والليرة وتفاديا لسحب الأموال الساخنة
أيمن رضا: نتوقع تعافيا للجنيه والليرة وتفاديا لسحب الأموال الساخنة

وأشار إلى أن ذلك سيساعد القاهرة في حماية نفسها من مخاطر سحب الأموال الساخنة بشكل مفاجئ حال حدوث أزمات أو رفع الفائدة على الدولار بالخارج.

ومع ذلك يرى خبراء أن تفعيل التبادل التجاري بالعملات المحلية قد يواجه عراقيل في طريق تفعيلها من قبل الولايات المتحدة التي ترغب في استمرار هيمنة الدولار في المعاملات العالمية.

وأوضحوا أنه جراء ذلك قد تفرض واشنطن قيودا أو رسوما جمركية مرتفعة على الدول حال الاستيراد منها، التي تقرر تخفيف الاعتماد على الدولار.

وتلقى الدولار خسارة كبيرة مؤخرا بعد صفقة الأرجنتين مع صندوق النقد الدولي، إذ لأول مرة في تاريخه يسمح بدفع ديونه باليوان الصيني من خط ائتمان المركزي الصيني، تم توفيره للمركزي الأرجنتيني. ودفعت الأرجنتين ما يعادل مليار دولار باليوان الصيني وما يعادل 1.7 مليار دولار بعملة الصندوق وهي حقوق السحب.

ويلعب التقارب السياسي والعلاقات الاقتصادية المتنامية بين أنقرة والقاهرة دورا حاسما في التعاون المشترك للاستثمار في أفريقيا، ما يعزز من دخول مصر إلى تلك الأسواق وتقوية علاقاتها مع دول القارة، ومن ثم المساهمة في حل مشاكل الأمن والتنمية بالمنطقة.

وأشار رضا لـ”العرب” إلى أن وصول مصر إلى موافقات بالتعامل بالعملة المحلية سيمنح الجنيه ميزة كبيرة ويرفع من قيمته عالميا، إذ يخضع لمعايير التقييم العالمية العادلة مثل اقتصاد الدولة ومدى قوته ومعدلات النمو الاقتصادي وغيرها.

وبدأت تركيا توسيع دوائر علاقاتها الاقتصادية مع الخليج، الأمر الذي بدأت تجلياته في الاتفاقيات التي وقعها الرئيس رجب طيب أردوغان خلال زيارته لكل من السعودية وقطر والإمارات أخيرا، ما يعني تنوع قدرات أنقرة على تخفيف بعض الضغوط الاقتصادية قريبا.

11