إقرار أكبر موازنة في تاريخ الإمارات يعكس متانة الاقتصاد

اعتبر محللون أن ملامح موازنة دولة الإمارات لعام 2025 تعد بأن تكون نقطة تحول أخرى في بناء الاقتصاد على كافة المستويات وأن ترسخ انتعاش النمو الذي شهدته البلاد في معظم القطاعات خلال السنوات الأخيرة، رغم التحديات الخارجية الراهنة.
أبوظبي - اعتمد مجلس الوزراء الإماراتي برئاسة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الثلاثاء خطة الموازنة الاتحادية العامة للسنة المالية 2025 بحجم يبلغ نحو 39 مليار دولار.
وتُعَد هذه الموازنة الأكبر في تاريخ البلاد مقارنة بموازنات السنوات المالية السابقة، ما يعكس قوة الاقتصاد واستدامة الموارد لتمويل المشاريع التنموية والاقتصادية والاجتماعية.
واللافت أن السنة المالية الجديدة ستكون خالية من العجز، حيث تتوقع الحكومة تساويا في المصروفات والإيرادات بقيمة 71.5 مليار درهم (19.47 مليار دولار) لكل منهما.
وتتوقع موازنة العام الحالي تحقيق إيرادات بواقع 17.9 مليار دولار مع حجم إنفاق يبلغ حوالي 17.44 مليار دولار.
ورغم الزيادة في النفقات، والخاصة بالإصلاحات المتعلقة بنظام شبكة الأمان الاجتماعي، تظل حكومة ملتزمة بالحفاظ على موقف مالي متزن.
ومن الواضح أن النهج الذي تتبعه الدولة لتعزيز الإيرادات غير النفطية، بما في ذلك فرض ضريبة على الشركات والأعمال، اعتبارا من السنوات المالية التي تبدأ من يونيو 2023 أو بعده، يعكس الجهود المستمرة لتنويع مصادر الإيرادات، وتعزيز الاستدامة المالية.
أهداف زيادة الإنفاق تتجاوز الدوافع التقليدية والمرحلية كتحفيز الطلب والاستثمار وتحسين جودة الحياة ورفاهية المجتمع
وبحسب ما أوردته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية، تقدر الحكومة زيادة في الإنفاق بنسبة 12 في المئة تقريبا العام المقبل. وقال بيان الحكومة إن “الهدف تحقيق مبدأ التوازن بين الإيرادات العامة والمصروفات المقدرة”.
وتتوزع موازنة 2025 على المجالات الرئيسية وتشمل قطاع التنمية الاجتماعية والمعاشات، وقطاع الشؤون الحكومية، وقطاع البنية التحتية والاقتصادية، وقطاع الاستثمارات المالية، إضافة إلى مصاريف اتحادية أخرى.
والموازنة السنوية المعتمدة جزء من خطة مالية لدولة الإمارات للأعوام من 2022 وحتى 2026. ووافقت البلاد على موازنة بقيمة 52.3 مليار دولار للفترة بين عامي 2024 و2026 في أكتوبر الماضي.
والموازنة الاتحادية التي تركز بشكل كبير على الإنفاق الاجتماعي والرعاية الاجتماعية تمثل في الغالب نحو 14 في المئة فقط من إجمالي الإنفاق المالي في البلاد، وتقدم الإمارات السبع وخاصة أبوظبي المنتجة للنفط المبلغ الباقي.
وتمتلك كل حكومة محلية موازنة خاصة تزيد في أحيان كثيرة عن قيمة الموازنة الاتحادية، وخصوصا في إماراتي أبوظبي ودبي، اللتين تعتمد كل منهما موازنة ضخمة للنفقات، ومن بينها المساهمة في تمويل الموازنة الاتحادية.
ويذهب ما يقرب من 40 في المئة من مخصصات موازنة 2025 للتنمية الاجتماعية ومعاشات التقاعد. وغالبية الإنفاق في هذا القطاع يوجه للتعليم ثم الرعاية الصحية.
وتم تخصيص 7.59 مليار دولار لقطاع التنمية الاجتماعية والمعاشات بنسبة 39 في المئة من إجمالي الموازنة العامة، منها قرابة ثلاثة مليارات دولار أي بنسبة 15.3 في المئة لبرامج التعليم العام والجامعي، و1.56 مليار دولار أي بنسبة 8 في المئة للخدمات الصحية.
39
مليارا حجم الموازنة الاتحادية الجديدة ستكون فيها النفقات والإيرادات مقسمة بالتساوي
ولقطاع الشؤون الحكومية تم تخصيص قرابة سبعة مليارات دولار أي بنسبة 35.7 في المئة من إجمالي الميزانية.
وفي حين خصصت الحكومة 700 مليون دولار لقطاع البنية التحتية والاقتصادية أي بنسبة 3.6 في المئة من إجمالي الموازنة، تم رصد 780 مليون دولار لقطاع الاستثمارات المالية أي بنسبة أربعة في المئة من إجمالي الموازنة.
ولا تبتعد الخطط والبرامج، التي أطلقتها الحكومة خلال السنوات الأخيرة في رؤيتها ومحتواها وأهدافها عن المبادرات الاقتصادية والتنموية المتميزة التي سبق أن أطلقتها ونفذتها خلال العقود الثلاثة الماضية.
وتظل الفوائض المالية للبلاد مرتفعة على خلفية ارتفاع أسعار النفط والغاز، حيث من المرجح أن يبلغ متوسط رصيد المالية العامة للحكومة 3.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط.
وتحسن الوضع المالي لدولة الإمارات بشكل ملحوظ منذ عام 2021 بفضل ارتفاع إيرادات الوقود الأحفوري وضبط الإنفاق الحكومي.
والأهداف الإستراتيجية من تحفيز ثاني اقتصاد عربي بعد السعودية، يتجاوز الدوافع الاقتصادية التقليدية والمرحلية، كتحفيز الطلب الكلي على السلع والخدمات، ورفع مستويات الاستخدام والاستثمار، وتحسين جودة الحياة ورفاهية المجتمع.
ويقول محللون إن الهدف الأساسي والأشمل يكمن أساسا في رسم الملامح المستقبلية للاقتصاد الإماراتي، وتوسيع طاقته الاستيعابية، وتعزيز قوته التنافسية، وبناء اقتصاد العلم والابتكار والمعرفة متجدد النمو والاستدامة.
اقتصاد الإمارات يظهر أساسيات قوية مدعومة بقطاع غير نفطي ديناميكي وسياسات عامة ونقدية قوية
وتصدر البلد الخليجي تصنيف الدول العربية في التنافسية عالميا لعام 2024، بحسب تقرير نشره مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية في يونيو الماضي.
ورغم التوترات في الشرق الأوسط وبطء نمو الاقتصاد العالمي من المتوقع أن يحقق اقتصاد الإمارات هذا العام نموا قدره 3.9 في المئة مرتفعا إلى نسبة 6.2 في المئة خلال عام 2025، بعد أن سجل نموا بنسبة بلغت 3.1 في المئة العام الماضي.
وأرجع تقرير أصدره صندوق النقدي العربي مؤخرا بعنوان “آفاق الاقتصاد العربي 2024” استمرار زخم النمو إلى تحسن النشاط السياحي ونمو التجارة الدولية وزيادة الإنفاق الرأسمالي، فضلا عن استمرار تنفيذ خطط التطوير في الصناعات ذات التقنية العالية.
وأكد ثاني الزيودي، وزير دولة للتجارة الخارجية، خلال فعاليات الدورة الرابعة من القمة العالمية للتجارة وسلسلة التوريد الثلاثاء أن السياسة التجارية الاستباقية للإمارات قادت إلى تحقيق نمو يفوق المعدل العالمي لنمو التجارة بثمانية أضعاف.
وأشار في كلمة عبر تقنية فيديو كونفرانس في الفعالية، التي تنظمها مؤسسة إيكونوميست إمباكت بالتعاون مع أكاديمية الاقتصاد الجديد بدبي على مدار يومين، إلى أن القدرة على التجارة بحرية تحدد بشكل أساسي مستقبل الاقتصاد.
وإلى جانب ذلك، يظهر اقتصاد الإمارات أساسيات قوية مدعومة بقطاع غير نفطي ديناميكي وسياسات عامة ونقدية قوية تهدف إلى الحفاظ على التنمية والاستقرار المالي وسلامة القطاع المصرفي.
ويعتمد النمو بشكل كبير على مبادرات إستراتيجية لتعزيز مكانة البلد كمركز عالمي للتجارة والتمويل وتطوير البنية التحتية والإطار التنظيمي القوي الذي يجذب الاستثمار الأجنبي، والتركيز على الابتكار والنمو والقطاعات المعتمدة على التكنولوجيا.