إقبال ضعيف في الاقتراع الرئاسي بالجزائر يختبر شرعية تبون

سلطة الانتخابات الجزائرية تقدر نسبة المشاركة الأولية بأقل من 50 بالمئة في استحقاق يتوقع أن يفوز فيه عبدالمجيد تبون بولاية رئاسية ثانية.
الأحد 2024/09/08
توقعات بفوز تبون في سباق الرئاسة في منافسة مرشحين ضعيفين

الجزائر - سجلت نسبة المشاركة في الاقتراع الرئاسي في الجزائر نسبة اقبال ضعيف من الناخبين قدرتها السلطات المعنية بأقل من 50 بالمئة في تكرار لسيناريو انتخابات الرئاسة للعام 2019 التي فاز فيها عبدالمجيد تبون، بينما يتوقع أن يكتسح السباق الحالي بنسبة مشاركة شكلت اختبارا لشعبيته، بينما أكد العزوف الكبير عن التصويت حالة الاحباط واليأس من إمكانية حدوث أي تغييرات تذكر.

وكان رهان السلطة الأكبر في الاقتراع الرئاسي الذي جرى أمس السبت، على مشاركة مكثفة في التصويت، لكن النتائج الأولية أظهرت أن نسبة المشاركة لم تتعد 48 بالمئة، بينما من المرتقب أن يتم الإعلان اليوم الأحد عن النتائج النهائية للاقتراع.

ومتأخرا ثلاث ساعات عن موعد إحاطته الصحافية، أعلن رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي أن "نسبة المشاركة الأولية في الانتخابات الرئاسية عند إغلاق مكاتب الاقتراع الساعة 20:00 السبت (19:00 ت غ) بلغت 48.03 بالمئة داخل الوطن و19.57 بالمئة بالنسبة للجالية الوطنية بالخارج"، من دون أن يحدد عدد المقترعين من أصل أكثر من 24 مليون مسجّل. وقال إن هذه "نسبة أولية".

وأرجع حسني عبيدي من مركز "سيرمام" للدراسات في جنيف، انخفاض نسبة المشاركة إلى "الحملة الانتخابية المتواضعة" مع وجود متنافسَين "لم يكونا في المستوى" المطلوب ورئيس "بالكاد عقد أربعة تجمعات"، مضيفا أنه بالنسبة إلى الناخبين "ما الفائدة من التصويت إذا كانت كل التوقعات تصب في مصلحة الرئيس".

وكانت مكاتب الاقتراع قد أغلقت عند الساعة 19:00 بتوقيت غرينيتش بعد تمديد التصويت لمدة ساعة.

ودُعي أكثر من 24 مليون جزائري للمشاركة في الانتخابات. وبلغت نسبة المشاركة في الساعة الخامسة عصرا (16:00 ت غ) 26.46 بالمئة، بانخفاض قدره سبع نقاط مقارنة بالساعة ذاتها في انتخابات 2019 (33:06 بالمئة)، حسب السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.

وشهدت الانتخابات التي حملت تبون إلى الرئاسة في 2019 عزوفا قياسيا بلغ 60 بالمئة، حيث حصل على 58 بالمئة من الأصوات في خضم تظاهرات الحراك الشعبي العارمة المطالبة بالديمقراطية ودعوة الكثير من الأحزاب إلى مقاطعة التصويت.

ولدى افتتاح مراكز الاقتراع كان المسنّون، خاصة من الرجال، أول الوافدين، مثل سيد علي محمودي وهو تاجر يبلغ 65 عاما جاء "باكرا لأداء واجبه الانتخابي بكل ديمقراطية".

وعند الظهيرة بدأت النساء في الخروج للتصويت ومنهن طاووس زايدي وهي ربة منزل في السادسة والستين وليلى بلقرمي محاسبة تبلغ 42 عاما، واللتان صرحتا بأنهما تقترعان للمشاركة في "تطوير البلد" و"المساهمة في الإصلاحات فيها".

لكن الفائز يبدو "معروفا مسبقا"، وفق ما علّق أستاذ العلوم السياسية محمد هناد عبر فيسبوك، مشيرا إلى أن ذلك يأتي "بالنظر إلى نوعية المرشحين وقلة عددهم غير العادي وكذا الظروف التي جرت فيها الحملة الانتخابية التي لم تكن سوى مسرحية للإلهاء".

ويحظى الرئيس المنتهية ولايته بدعم أحزاب الأغلبية البرلمانية وأهمها جبهة التحرير الوطني، الحزب الواحد سابقا، والحزب الإسلامي حركة البناء الذي حل مرشحه ثانيا في انتخابات 2019، ما يجعل إعادة انتخابه أكثر تأكيدا.

ولم يشر تبون في تصريحه عقب التصويت في مركز أحمد عروة بالضاحية الغربية للعاصمة، إلى نسبة المشاركة وضرورة التصويت بقوة كما فعل منافساه.

وقال "أتمنى أن تجري الأمور بكل ديمقراطية. هذه الانتخابات مفصلية لأن من يفوز بها عليه مواصلة مسار التنمية الاقتصادية للوصول إلى نقطة اللارجوع وبناء الديمقراطية".

وخاض الانتخابات ثلاثة مرشحين أبرزهم تبون (78 عاما) في مواجهة مرشحين هما رئيس حركة مجتمع السلم الإسلامية (حمس) عبدالعالي حساني شريف (57 عاما) وهو مهندس أشغال عمومية والصحافي السابق رئيس جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش (41 عاما)، وهو أقدم حزب معارض في الجزائر يتمركز في منطقة القبائل بوسط شرق البلاد.

وأدلى حساني بصوته في مكتب بحي تيليملي بالعاصمة. ودعا الجزائريين "للتصويت بقوة لأن ارتفاع نسبة المشاركة من شأنها تثبيت شرعية هذه الانتخابات"، آملا في أن "تكون الانتخابات دون إكراهات".

بدوره وجّه يوسف أوشيش "رسالة إلى الجزائريات والجزائريين الذين لم يصوّتوا للخروج بقوة من أجل المساهمة في صناعة مستقبلكم".

وكانت الانتخابات مقررة عند انتهاء ولاية تبون في ديسمبر، لكنه أعلن في مارس تنظيم اقتراع رئاسي مبكر في السابع من سبتمبر.

وأكد حسني عبيدي أن تبون يرغب بـ"مشاركة مكثفة، فهذا هو الرهان الأول، إذ لم ينس أنه انتخب في العام 2019 بنسبة مشاركة ضعيفة ويريد أن يكون رئيسا طبيعيا وليس منتخبا بشكل سيئ".

وفي مواجهة شبح عزوف مكثف بالنظر لانعدام رهانات هذا الاقتراع، أجرى تبون ومؤيدوه وكذلك فعل منافساه، جولات عدة على امتداد البلاد منذ منتصف أغسطس ليشجعوا على المشاركة القوية، لكن مجريات الحملة الانتخابية لم تحظ سوى باهتمام ضئيل، خصوصا أنها جرت على غير العادة في عز الصيف في ظل حر شديد.

وفي الخارج، بدأ الجزائريون المهاجرون وعددهم 865490 ناخبا (حسب الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات)الإدلاء بأصواتهم منذ الاثنين، فيما بلغت نسبة المشاركة بينهم 18.31 بالمئة عند الساعة 16:00. كما خصصت مراكز اقتراع متنقلة للقاطنين في المناطق النائية داخل البلاد.

وركز المرشحون الثلاثة خطاباتهم أثناء الحملة الانتخابية على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، متعهدين بالعمل على تحسين القدرة الشرائية وتنويع الاقتصاد ليصبح أقل ارتهانا لقطاع الطاقة الذي يشكل 95 بالمئة من موارد البلاد بالعملة الصعبة.

وعلى المستوى الخارجي، أجمع المرشحون على الدفاع عن القضية الفلسطينية وعن انفصال الصحراء المغربية الذي تنادي به جبهة بوليساريو والجزائر، فيما يقترح المغرب حكما ذاتيا تحت سيادته لحل النزاع المفتعل. ويحظى المقترح المغربي بدعم دولي واقليمي متزايد مع تواتر الاعترافات بمغربية الصحراء.

ووعد تبون، مستندا إلى حصيلة اجتماعية واقتصادية محسنة، بزيادات جديدة في الأجور ومعاشات المتقاعدين وتعويضات البطالة وببناء مليوني مسكن، فضلا عن زيادة الاستثمارات لإيجاد 400 ألف فرصة عمل وجعل الجزائر "ثاني اقتصاد في إفريقيا" بعد جنوب إفريقيا.

وفي ختام حملته الانتخابية بالجزائر العاصمة، تعهد الرئيس الذي يلقبه البعض في مواقع التواصل الاجتماعي "عمي تبون"، إعطاء الشباب "المكانة التي يستحقونها"، علما أنهم يمثلون نصف سكان البلاد وثلث الناخبين.

وقال إنه يريد استكمال تنفيذ مشروع "الجزائر الجديدة"، معتبرا أن ولايته الأولى واجهت عقبة جائحة كوفيد-19، بينما تعهّد منافساه منح الجزائريين مزيدا من الحريات.

وأعلن أوشيش التزامه "الإفراج عن سجناء الرأي من خلال عفو رئاسي ومراجعة القوانين الجائرة". أما حساني فدافع عن "الحريات التي تم تقليصها إلى حدّ كبير في السنوات الأخيرة"، بعد تراجع زخم الحراك الشعبي الذي أطاح عام 2019 بالرئيس السابق الراحل عبدالعزيز بوتفليقة الذي أمضى 20 عاما في الرئاسة وتوفي في 2021.

واعتبر حسني عبيدي أن حصيلة تبون تعاني "عجزا في الديمقراطية" يمكن أن يشكل عائقا خلال ولايته الجديدة.

من جهتها أعربت منظمة العفو الدولية (أمنستي) غير الحكومية في بيان في الثاني من سبتمبر عن قلقها. وقالت "شهدت الجزائر في السنوات الأخيرة تدهورا مطردا لوضع حقوق الإنسان. ومن المثير للقلق أن الوضع لا يزال قاتما مع اقتراب موعد الانتخابات". وتحدثت في فبراير عن "قمع مروّع للمعارضة السياسية".