إقالة وزيرة المالية التونسية: الأموال المصادرة القطرة التي أفاضت الكأس

الإقالة أقرب إلى التضحية بشخص لتخفيف الضغط تزامنا مع الصعوبات التي تواجهها الحكومة في التعامل مع إدارة لا تستجيب للتغييرات.
الجمعة 2025/02/07
إقالة تبدو أقرب إلى التضحية بشخص لتخفيف الضغط

تونس – أقال الرئيس التونسي قيس سعيد وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية ردا على الأداء المتعثر في استعادة أموال منهوبة قبل ثورة 2011 في وقت تعاني فيه خزينة الدولة من ضغوط كبرى على السيولة.

وترى أوساط سياسية تونسية أن ربط إقالة نمصية بتعثر مسار المصالحة مع رجال الأعمال يبدو سببا ثانويا، ومن قبيل القطرة التي أفاضت الكأس، وأن الأمر ربما يكون أشمل ويتعلق بأداء وزارة المالية ومؤسساتها وبقانون المالية الذي أعدته الوزيرة، والذي لم يكن فعالا في تعبئة إمكانيات الدولة الداخلية لمواجهة الأعباء المتعددة التي تواجهها البلاد.

وتبنى قيس سعيد خيارا إستراتيجيا يقوم على الاعتماد على الذات في تعبئة الموارد المالية وتقليل الاعتماد على القروض الخارجية. لكن هذا الخيار يجد صعوبات كثيرة في ظل الثقل الذي تمثله رواتب مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين والمتقاعدين وحاجة البلاد إلى الإنفاق ولو بالحد الأدنى على الخدمات الضرورية التي تقدمها الدولة لقطاعات مثل الصحة والتعليم والنقل في وقت تبدو فيه آفاق تعبئة الأموال محدودة بالرغم من الزيادة في نسب الضرائب.

لا يمكن ربط إقالة نمصية بتعثر مسار المصالحة مع رجال الأعمال فقط، والأمر ربما يكون أشمل ويتعلق بأداء وزارة المالية عموما

وراهن الرئيس التونسي على آلية الصلح الجزائي لسد ثغرة من الثغرات المهمة في التمويل، وتنشيط المشاريع الخدمية في المناطق الفقيرة والمهمشة التي تنتظر إنصافها بعد مرور أكثر من عقد على الثورة، وهو ما يفسر الغضب الذي ظهر عليه خلال حديثه إلى نمصية قبل إقالتها على خلفية تعثر عمل لجنة الصلح الجزائي.

وتعتقد الأوساط السياسية التونسية، سابقة الذكر، أن إقالة نمصية تبدو أقرب إلى التضحية بشخص لتخفيف الضغط تزامنا مع الصعوبات الكثيرة التي تواجهها الحكومة في التعامل مع الإدارة التونسية التي تسيطر عليها البيروقراطية ولا تستجيب للتغييرات بالسرعة التي يطلبها الرئيس سعيد.

وحازت وزيرة المالية المقالة ثقة قيس سعيد ورؤساء الحكومات الثلاث الذين تسلموا مهامهم بعد 25 يوليو 2021، وحافظت على منصبها، ما يكشف عن أهمية دورها في إحداث التغييرات التي كان الرئيس سعيد يسعى لإحداثها ضمن مقاربة الدولة الاجتماعية التي يتبناها.

وستتولى القاضية مشكاة سلامة حقيبة وزارة المالية بقرار رئاسي. وكانت قد أدت الخميس اليمين الدستورية.

وتشغل سلامة منصب رئيسة لجنة الصلح الجزائي التي أنشأها قيس سعيّد في عام 2022، والتي تعمل على إبرام اتفاقات مصالحة وإسقاط التتبعات القضائية ضد مرتكبي الجرائم الاقتصادية مقابل دفع مبالغ من المال أو تنفيذ مشاريع كبيرة داخل المناطق المهمشة.

وسبق لقيس سعيد أن أصدر في مارس 2022 مرسوما يعرض فيه على رجال أعمال “متورطين في قضايا فساد” العفو مقابل الاستثمار في مشاريع حكومية.

وقال الرئيس التونسي إن 460 شخصا سرقوا نحو 4.8 مليار دولار من تونس، وعرض “تسوية جزائية” إذا أعادوا الأموال بدلا من محاكمتهم وسجنهم.

وجاء قرار إقالة نمصية في أعقاب زيارات تفقد قام بها قيس سعيد إلى مقرات وزارة المالية ووزارة أملاك الدولة، بما في ذلك مقر لجنة المصادرة ولجنة الصلح الجزائي المكلفة أيضا بعقد اتفاقات صلح مع رجال أعمال فاسدين مقابل ضخ تعويضات مالية في خزينة الدولة.

وفي مقطع فيديو نشرته الرئاسة إثر زيارة إلى مقر لجنة المصادرة بوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية انتقد قيس سعيّد المعنيين على عدم تحقيقهم نتائج ملموسة.

وقال “هل ما يحدث طبيعي؟… ما زلنا في النقطة الصفر منذ 2011 إلى اليوم والأوضاع على حالها، فضلا عن التفويت في بعض الممتلكات دون وجه حق، ما يحصل غير طبيعي.” وتابع “هذه أموال الشعب ويجب أن تعود إلى الشعب.”

وتتولى اللجنة جرد وإحصاء الممتلكات والعقارات والأموال التي تم الاستيلاء عليها من قبل أفراد نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي والدوائر المرتبطة بهم، وتعقبهم أمام القضاء.

وتابع الرئيس التونسي “رغم صدور أكثر من 2800 قرار مصادرة حتى الآن بقيت دون أي أثر في الواقع،” مضيفا أنه “من غير الطبيعي بعد مضي 13 عاما من صدور تقرير لجنة المصادرة أن يبقى هذا الملف في نقطة البداية.” كما انتقد عمليات “تلاعب وبيع” للعديد من الممتلكات المصادرة دون ثمنها الحقيقي.

وبموازاة لجنة المصادرة تتولى لجنة الصلح الجزائي، التي أطلقها الرئيس سعيد في 2022، مفاوضة المئات من رجال الأعمال المتورطين في جرائم فساد مالي من أجل دفع تعويضات مالية للدولة بهدف ضخها في مشاريع تنموية.

لكن هذه اللجنة تواجه أيضا عدة مطبات بيروقراطية في جهودها لاستعادة الأموال المطلوبة. وأبدى قيس سعيد استياء من العروض المالية الزهيدة التي قدمها رجال الأعمال حتى الآن لعقد اتفاقات تصالح مع الدولة.

1