إقالة مدير التلفزيون الجزائري تخبط في القرارات يعكس فشل الخطط الإعلامية

تواجه القطاعات الرئيسية في الإعلام الجزائري تغييرات مستمرة في قياداتها وعلى رأسها التلفزيون الرسمي الذي تفاجأ الجزائريون بتغيير مديره بعد فترة وجيزة من تعيينه ما يعكس حالة فوضى وتخبط في إدارة قطاع الإعلام والاتصال، حيث يتهم البعض الجيش الجزائري بالتحكم في جميع مفاصل الدولة، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات عشوائية وغير مدروسة.
الجزائر - أنهت السلطات الجزائرية مهام المدير العام لمؤسسة التلفزيون الجزائري بالإنابة عادل سلاقجي، واختير المدير العام للإذاعة الجزائرية محمد بغالي ليحل في منصبه، ليصير ثالث شخص يتولى المهمة خلال الشهرين الماضيين، في تكريس لحالة عدم الاستقرار التي يشهدها التلفزيون الجزائري خلال السنوات الأخيرة، إذ شهد منذ عام 2019 تناوب خمسة أشخاص على منصب المدير العام.
ونُقل عادل سلاقجي ليحلّ مكانه بغالي الذي أدار الإذاعة طوال السنوات الماضية. وأشرف مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالمديرية العامة للاتصال كمال سيدي السعيد على حفل تنصيب سلاقجي الذي كان قد خلف نذير بوقابس في التلفزيون خلال أغسطس الماضي. ولا يحضر وزير الاتصال محمد لعقاب منذ فترة إلى جلسات تنصيبه المسؤولين الإعلاميين في المؤسسات الإعلامية الرسمية، التي صارت تابعة لمصالح الإعلام في الرئاسة، وفقا لقرار غير معلن.
وذكرت مصادر مطلعة أنه من المتوقع أن تصير وزارة الاتصالات بلا أي صلاحيات في المرحلة المقبلة، بعد استيفاء تنفيذ جميع بنود القانون العضوي للإعلام، وتنصيب سلطة الضبط الخاصة بالسمعي البصري، التي تتولى منح الاعتماد للقنوات وضبطها وتعديل برامجها ومراقبتها، وكذلك سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والإلكترونية التي تتولى شؤون وسائل الإعلام العاملة في هذا المجال.
وكان الرئيس عبدالمجيد تبون قد بدأ ولايته الثانية بتعيين عادل سلاقجي مديرا للإذاعة الوطنية، وتعيين محمد بغالي مديرا للتلفزيون الوطني. وقد انتقد الإعلامي والناشط السياسي سعيد بنسديرة هذا القرار، معتبرا أن هناك انقطاعا واضحا بين رئاسة الجمهورية وقطاع الإعلام والاتصال. وأكد بنسديرة أن القرار أثار استياء كبيرا داخل مؤسستي الإذاعة والتلفزيون، بسبب ما وصفه بالقرارات المتسرعة وغير المدروسة التي أثرت سلبا على الصحافيين والتقنيين والإداريين.
ويعاني الإعلام الجزائري من حالة فوضى وتخبط في إدارة قطاع الإعلام والاتصال، حيث يتهم البعض الجيش الجزائري بالتحكم في جميع مفاصل الدولة، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات عشوائية وغير مدروسة. وهناك من عزا السبب إلى عرض التلفزيون الجزائري مشاهد توثق لحظة دخول الرئيس عبدالمجيد تبون إلى مكتبه بقصر الرئاسة، قبل أن يمسكه مدير ديوانه بوعلام بوعلام، بطريقة تعكس قوته ونفوذه. وكشف هذا المشهد غير المسبوق قوة بوعلام، على اعتباره عين الجنرالات داخل القصر الرئاسي.
وأكد الناشط الإعلامي والسياسي الجزائري المعارض وليد كبير، في تغريدة له على موقع إكس “إقالة المدير العام للتلفزيون العمومي عادل سلاقجي بعد شهر و12 يوما فقط من تعيينه عقب تمرير مشهد مسك مدير الديوان برئاسة الجمهورية بوعلام بوعلام لعبدالمجيد تبون قبل دخول مكتبه بقصر المرادية”. وأضاف كبير أنه “تم تعيين مدير الإذاعة الوطنية محمد بغالي مديرا عاما بالنيابة”.
ويستمر التأويل وتنتشر الإشاعة في ظل غياب تبريرات رسمية حول تنحية مدير عام التلفزيون الجزائري. وفي حين يترقب المتابعون خروج الجهات الوصية عن صمتها ببيان توضيحي يضع حدا لما يتم تداوله، يستمر الوضع على حاله.
وفي تصريح صحفي أكد كبير أن إقالة مدير التلفزيون العمومي الجزائري، سببها الرئيسي هو ارتكابه خطأين، الأول مرتبط ببث أرقام متناقضة لنتائج الانتخابات الرئاسية، التي أفرزت فوز عبدالمجيد تبون بولاية ثانية، حيث نشر التلفزيون الرسمي أن فوزه جاء بعد حصوله على 94 في المئة من الأصوات، فيما المحكمة الدستورية حددتها في 84 في المئة.
أما السبب الثاني بحسب كبير، فيرجع لعرض التلفزيون الرسمي مشاهد لمسك بوعلام بوعلام مدير الديوان الرئاسي، لعبدالمجيد تبون بتلك الطريقة، مما عجل بإقالة مدير التلفزيون، الذي عين في المنصب يوم السادس والعشرين من أغسطس 2024، وبالتالي يكون قد أمضى في هذه المهمة شهرا و12 يوما بالتحديد.
والمفارقة أن إقالة المدير السابق لم تقل إثارة، إذ ذكرت وسائل إعلام أن السلطات الجزائرية أنهت مهام المدير العام للتلفزيون الجزائري محمد النذير بوقابس، وعينت مكانه عادل سلاقجي مديرا عاما بالنيابة للمؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري. وجاء هذا الإعلان في بيان رسمي مقتضب على موقع التلفزيون الجزائري، دون ذكر أسباب هذا الإعفاء المفاجئ، مما أثار تساؤلات لدى الجزائريين حول الأسباب الحقيقية لهذا الإعفاء.
◙ انتشار التأويل والإشاعة على مواقع التواصل في ظل غياب تبريرات رسمية حول تنحية مدير عام التلفزيون الجزائري
ورغم أن وسائل الإعلام الجزائرية عمدت إلى التغطية على أسباب الإعفاء، من خلال التركيز على سيرة المسؤول الجديد وإهمال ذكر مصير المسؤول المعفى، مروجة أن هذا التغيير الإداري “يأتي ضمن سلسلة من التعديلات الهيكلية في المؤسسات الإعلامية الجزائرية”، إلا أن الشارع الجزائري والمعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي لم يترددوا في طرح فرضياتهم الخاصة.
ورجح البعض أن يكون القرار نتيجة “غضب” الجنرال سعيد شنقريحة بسبب طريقة الإدارة، من ناحية أخرى، أشار بعض المعلقين إلى أن الإقالة قد تكون بسبب “الانقطاع المفاجئ للبث التلفزيوني في نشرة الأخبار الذي دام خمس دقائق. بينما عبر آخرون عن استيائهم من روتينية التغييرات الإدارية التي لا تؤدي إلى تحسينات حقيقية في الأداء.
ويبقى الشارع الجزائري حائرا وهو يتساءل عن الجدوى من هذه التغييرات الإدارية المتكررة، في ظل غياب تحسينات فعلية تنعكس إيجابا على البلاد والعباد. ويؤكد المتابعون أن هذه الإقالات لا تغير شيئا من الوضع السائد في البلاد، فلا تغيير ولا جديد ولا تقدم ولا احترافية.. رغم صرف أموال طائلة من طرف الدولة، وهي صورة قديمة لواجهة دولة، وعلق البعض على الشبكات الاجتماعية بأن إنهاء المهام يعني إكمال الفساد السابق.
وليست هذه المرة الأولى التي يقدم فيها النظام على عزل مدير التلفزيون الجزائري بشكل مفاجئ، ففي ديسمبر من عام 2022، تم إنهاء مهام شعبان لوناكل بعد سنة ونصف سنة من تعيينه، وذلك بسبب ما قيل وفق معطيات إعلامية إنه “خطأ جسيم” بعد أن سمح بإذاعة خبر تأهل المنتخب المغربي لنصف نهائي كأس العالم، بعد فوزه على المنتخب البرتغالي بهدف لصفر في ربع النهائي في البطولة في قطر.
وكانت وسائل الإعلام الجزائرية قد مارست آنذاك تعتيما على نتائج المنتخب المغربي في كأس العالم، بل كانت تتفادى ذكر فوز أسود الأطلس وتذيع في نشراتها الإخبارية المنتخبات التي لعب معها المنتخب المغربي ونتائجها دون ذكر من أخرجها من المونديال.
وأثار الأمر نقاشا وجدلا واسعين، حيث استنكر جزائريون طريقة تناول التلفزيون المحلي لأخبار المنتخب المغربي الذي يمثل شمال أفريقيا والعرب في المونديال، والتعتيم الإعلامي الذي تمارسه الجزائر على مواطنيها، معتبرين أن هذا الأمر بات غير فعّال.