إقالة صالح العتيقي تكشف عن تجاوزات خطيرة في أقدم صندوق سيادي

ينشغل الكويتيون هذه الأيام بمتابعة ارتدادات إقالة رئيس مكتب الاستثمار الكويتي في لندن، صالح العتيقي الذي قرر عدم التزام الصمت، ليدلي بمعطيات لو صحت فإنها ستشكل فضيحة لأقدم صندوق سيادي في العالم.
الكويت- تثير إقالة رئيس مكتب الاستثمار الكويتي في لندن صالح العتيقي تفاعلات كثيرة على الساحة الكويتية، وسط تساؤلات حول ما يجري داخل الهيئة العامة للاستثمار، التي تحتل المرتبة الثانية بين الصناديق السيادية لدول الخليج من حيث حجم الأصول البالغة 769 مليار دولار.
وتتخذ هذه التفاعلات أبعادا جديدة لاسيما بعد إحالة وزير المالية عبدالوهاب الرشيد إلى لجنة التحقيق في محكمة الوزراء إثر بلاغ تقدم به المسؤول المقال عن تجاوزات للوزير في علاقة بتغطيته على شبهات تورط موظف يوناني يعمل بمكتب لندن في علاقات مشبوهة مع جهات أجنبية (إسرائيلية)، وتسريبه معلومات سرية جدا تمس بالمصالح القومية للبلاد.

عبدالوهاب الرشيد: لن نقبل بإقحام الصندوق السيادي في أجندات مشبوهة
وردا على هذه الاتهامات أطل وزير المالية ببيان شدد من خلاله على رفضه إقحام الصندوق السيادي في ما اعتبره أجندات وخلافات شخصية. وقال الرشيد إن الإحالة إلى “التحقيق بمحكمة الوزراء إجراء اعتيادي أمام أي بلاغ”، مضيفا أنه لم يبلغ رسميا حتى هذه اللحظة بأي إحالة أو تحقيق وإذا تم ذلك سيزود الجهات المعنية بكل ما يملك من أدلة دامغة.
وأعرب الوزير الكويتي عن ثقته بصحة موقفه القانوني وسلامة الإجراءات وتسلسلها والحرص على مصلحة الصندوق السيادي، مشددا على أنه لن يقبل بإقحام الصندوق السيادي في أجندات وخلافات شخصية مشبوهة، وسيقابل كل ما من شأنه الإضرار بسمعة الكويت بحزم عبر الوسائل القانونية المتاحة جنائياً ومدنياً ضد أي كان.
وكان وزير المالية أقال الأسبوع الماضي رئيس مكتب هيئة الاستثمار في لندن العتيقي وعين مكانه حسين الحلبي، في خطوة فاجأت الأوساط الاقتصادية الكويتية، وعكست وفق متابعين حجم الانقسام الذي يعصف بالهيئة الحكومية المستقلة.
وبرر الوزير خطوته بجملة من الدوافع من بينها أن مكتب الاستثمار خسر عدة دعاوى من موظفين تم تعيينهم ثم الاستغناء عنهم أمام القضاء البريطاني.
وجرى تعيين العتيقي في العام 2018، حيث كان يعمل قبل ذلك في شركة ماكنزي للاستشارات المالية، كما عمل مستشارا لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير. ومنذ تعيينه شهد مكتب لندن عدة تغييرات شملت إعفاءات لمسؤولين كبار لجأوا إلى القضاء البريطاني “لرد الاعتبار إليهم”.
ويرى مراقبون أن السياسة التي انتهجها العتيقي منذ توليه المنصب خلقت حالة من الحساسية الشديدة في صفوف الموظفين، لكن ذلك لا يلغي واقع أن العتيقي نجح في زيادة أصول مكتب الاستثمار الكويتي، كما قام بتحديث الوحدة عبر تعيين مديرين تنفيذيين من “باركليز” و”مجموعة كارلايل”.
ويحذّر المراقبون من أن إقالة الرجل قد تحدث هزة داخل هيئة الاستثمار، وأن تداعياتها لن تقف عند حدود هذه الإقالة لاسيما بعد المذكرة التي تقدم بها بحق وزير المالية، والتي يتهم فيها الأخير والمسؤول في هيئة الاستثمار غانم الغنيمان بالامتناع عن فصل موظف يعمل بمكتب الاستثمار في لندن، رغم علمهما بارتباطه بملكية إحدى الشركات التابعة لإسرائيل.
◙ مراقبون يرون أن إقالة صالح العتيقي قد تحدث هزة داخل هيئة الاستثمار
ووفق نص المذكرة الذي نشرته وسائل إعلام محلية فإن الموظف، وهو يوناني الجنسية ويعمل في إدارة الاستراتيجية في المكتب، تحوم حوله شكوك ودلائل على توافر شبهة إفشاء أسرار تتعلق بأمن الاقتصاد الوطني لدولة الكويت إلى جهات خارجية، وشبهة التآمر للإضرار بمرفق مهم وحساس جدا لدولة الكويت، وشبهة إفشاء أسرار الدولة الخاصة بصندوق الأجيال القادمة، وشبهة التخابر والتآمر مع دولة أجنبية بحقه.
وحسب المذكرة فقد تبين أن الموظف المذكور يقوم بالعمل لدى شركة خاصة أخرى، في مخالفة لعقد العمل المبرم معه، وللوائح مكتب الاستثمار الكويتي، إذ يعمل رئيساً تنفيذياً لإحدى الشركات في فنلندا بالإضافة إلى امتلاكه حصة فيها، وأن الشركاء في هذه الشركة من ضمنهم أعضاء سابقون في الجيش الإسرائيلي وسلاح الجو ووحدة الجيش الإلكترونية الإسرائيلية، وتقوم الشركة بإبرام عقود وصفقات مع إسرائيل، فضلاً عن امتلاكها حصة في شركة إسرائيلية بالاسم ذاته “ترولي بروتكت إسرائيل”.
وأضاف العتيقي في مذكرته أنه “نظراً لحساسية منصب الموظف واطّلاعه على نظام العمل في مكتب الاستثمار ومحافظ صندوق الأجيال القادمة، وفي ضوء أن المكتب يقوم بإدارة العديد من محافظ وصناديق الاستثمار المملوكة للدولة، ومنها صندوق الأجيال القادمة، الذي يعدّ إحدى دعامات أمن الكويت، قد تعمّد الموظف المذكور إخفاء عمله كرئيس تنفيذي في شركة أخرى منذ أكتوبر 2020، الأمر الذي ساند الشبهات التي تحيط به”.
وأشار إلى أن الموظف المذكور يتواصل بشكل مستمر مع أشخاص من ذوي وظائف قيادية سابقة بالمكتب الاستثماري، وكذلك مع شاغلي بعض المناصب الحالية في الهيئة العامة للاستثمار، ويستقي معلوماته من خلال تواصله معهم، ومن بينهم حسين الحليبي الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة سانت مارتن التابعة لحكومة دولة الكويت، وأنه تم إنذاره شفوياً وكتابياً عدة مرات بضرورة الالتزام بلوائح العمل بمكتب الاستثمار والالتزام بتعليمات رؤسائه في العمل، والحفاظ على سرية المعلومات التي يطلع عليها بحكم طبيعة عمله، وعدم إفشاء أسرار المكتب لأي شخص خارج مكتب الاستثمار أيا كانت صفته أو علاقته السابقة أو الحالية بالمكتب إلا في نطاق وحدود العمل المكلف به، وما تفرضه عليه لوائح وتعليمات العمل، بيد أنه ضرب عرض الحائط بشأن هذه التنبيهات، ولم يعرها أي اهتمام.
وقال العتيقي في مذكرته إنه أطلع وزير المالية وكذلك العضو المنتدب الغنيمان لكنهما لم يقوما بأي خطوة حيال هذا الموظف.
السياسة التي انتهجها العتيقي خلقت حالة من الحساسية الشديدة في صفوف الموظفين لكن ذلك لا يلغي واقع أن العتيقي نجح في زيادة أصول مكتب الاستثمار الكويتي
ويرى المراقبون أن ما كشف عنه العتيقي في حال صح سيشكل فضيحة دولة، ومن شأنها أن تضرب صورة الهيئة العامة للاستثمار الكويتي.
وتعتبر الهيئة العامة للاستثمار، التي تدير صندوق الأجيال القادمة وصندوق الاحتياطي العام، أقدم صندوق سيادي في العالم، ولديها حصص في موانئ ومطارات ومحطات طاقة حول العالم.
وتعود جذور مكتب الاستثمار الكويتي في لندن إلى مجلس الاستثمار الكويتي الذي أنشئ في عام 1953، أي قبل ثماني سنوات من استقلال الكويت. وفي عام 1965 أعيدت تسمية مجلس الاستثمار الكويتي ليصبح مكتب الاستثمار الكويتي وتمت توسعة نطاق سياسته الاستثمارية خارج المملكة المتحدة لتشمل الولايات المتحدة وآسيا وبعض الأسواق الناشئة.