إقالة رئيس هيئة مكافحة الفساد في تونس يعمق الصراع بين قرطاج والقصبة

تونس - أثار قرار رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي إقالة رئيس الهيئة الوطنية للفساد عماد بوخريص، جدلا واسعا في الساحة السياسية، ما دفع الرئيس قيس سعيّد إلى التدخل ورفض هذا القرار، في أحدث فصول الصراع بين رأسي السلطة التنفيذية في تونس اللذين تشهد العلاقات بينهما منذ أشهر توترا وتنازعا حول الصلاحيات.
وقالت رئاسة الحكومة في بيان الاثنين "تقرر تعيين عماد بن الطالب علي رئيسا للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد خلفا لعماد بوخريص الذي سيُدعى إلى مهام أخرى"، دون توضيح أسباب الإقالة أو المهام الأخرى.
وأضافت أن "عماد بن الطالب علي (الرئيس الجديد لهيئة مكافحة الفساد) هو قاض سبق له أن شغل عدّة خطط قضائية بالمحكمة الابتدائية وبالمحكمة العقارية".
وعماد بوخريص، الذي تمت إقالته من رئاسة هيئة مكافحة الفساد، وهي هيئة عمومية مستقلة، جرى تعيينه في 24 أغسطس الماضي من قبل حكومة إلياس الفخفاخ خلفا لشوقي الطبيب، الذي أحال إلى القضاء تقارير حول شبهة تضارب مصالح تعلقت بالفخفاخ حينها وانتهت بسقوط حكومته.
وأغضب قرار الإقالة الرئيس سعيّد، الذي استقبل بوخريص بعد ساعات من إقالته من منصبه، وأكد له أن إقالته تمت من أجل كشفه ملفات فساد تتعلق بالوزراء المعينين والذين رفض قبولهم لأداء اليمين الدستورية.
وأطلع بوخريص الرئيس التونسي على كافة الصعوبات التي واجهها والأسباب الحقيقية التي أدت إلى إقالته من جانب هشام المشيشي، فضلا عن الجوانب القانونية التي لم تحترم في قرار الإقالة.
وقال سعيّد "من يقاوم الفساد هو من يتم إعفاؤه، وبناء على معطيات ثابتة صحيحة، ثم يرفعون بعد ذلك شعار مكافحة الفساد".
وأضاف "كان من المتوقع أن يتم ذلك، لأنك أثرت (بوخريص) جملة من القضايا وقدمت جملة من الإثباتات المتعلقة ببعض الأشخاص، من بينهم الذين تم رفض أدائهم اليمين الدستورية وتعلقت بهم قضايا فساد، وهناك من لديه قضية لدى القطب المالي".
وتساءل سعيّد "عن أي مقاومة يتحدثون وهم يحاربون من يقاوم الفساد، فضلا عن خرقهم للقانون؟ علما أن الفساد لا يقاوم بالآليات التي وضعوها"، في إشارة إلى رئيس الحكومة وحركة النهضة الإسلامية.
ويبدو أن إقالة رئيس الهيئة الوطنية للفساد ستزيد من منسوب التوتر بين رأسي السلطة التنفيذية في تونس، التي تعيش على وقع معركة الصلاحيات في أعقاب تعديل وزاري أجراه المشيشي في يناير الماضي ورفضه الرئيس سعيّد، لوجود شبهات فساد تتعلق ببعض الوزراء المقترحين، وما تبعه من تصعيد سياسي بين مؤسسة الرئاسة والبرلمان برئاسة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية.
وأثار قرار إقالة رئيس هيئة مكافحة الفساد جدلا واسعا في الساحة السياسية والحقوقية، بلغ حد اتهام المشيشي بالتستر على ملفات فساد تتعلق بشخصيات نافذة في البلاد وموالين للحزام السياسي الداعم له، الذي تقوده حركة النهضة.
وهاجم بدرالدين القمودي رئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام في البرلمان رئيس الحكومة، معتبرا أن إقالة بوخريص "عنوان ودليل صارخ" على أن الفساد في تونس تحميه السلطة السياسية.
وأعلن القمودي في تدوينة نشرها عبر حسابه على فيسبوك، أن "هذا الرجل (بوخريص) حاول صادقا البت في بعض ملفات اللصوص الكبار في تونس دون حسابات وغير عابئ بضغوطات من يحميهم".
وأضاف أن "إقالته ستظل وصمة عار في جبين من أقاله"، مؤكدا أنه سيكشف كل التفاصيل عن أسباب الإقالة.
واعتبر النائب عن الحزب الدستوري الحر كريم كريفة أن إقالة بوخريص، جاءت من أجل منع فتح ملفات من أسماهم "أصدقاء رئيس الحكومة هشام المشيشي والموالين للخوانجية"، في إشارة إلى حركة النهضة.
وأشار الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، إلى أن إزاحة القاضي بوخريص من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ودون أي تبرير، لا يمكن أن تكون إلا خضوعا للضغوطات، مشدّدا على أن اللوبيات أصبحت تتحكم في كل شيء.
وإلى ذلك، قالت منظّمة "أنا يقظ" في بيان إن المشيشي "يستمر في سياسة التعيينات المشبوهة في المناصب الحساسة في الدولة"، وأضافت أن الرئيس الجديد لهيئة مكافحة الفساد عينه الرئيس الأسبق للحكومة يوسف الشاهد في عام 2019 على رأس لجنة الأملاك المصادرة، "لتقديم خدمات لرجل الأعمال مروان مبروك"، مضيفة أن "علاقة مصاهرة تجمعه بالكاتب العام للحكومة وليد الذهبي".
وكان بوخريص أكد في 31 مارس الماضي أن هيئة مكافحة الفساد تمتلك ملف فساد كبير جدا سيتم الكشف عن تفاصيله قريبا، مشيرا إلى أنه يهم أشخاصا نافذة في تونس وأن الهيئة تحصلت مؤخرا على عدد من الأدلة وستتم إحالتها على القضاء قريبا.
ورفض بوخريص الإفصاح عن المزيد من التفاصيل بخصوص الملف بسبب سرية الأبحاث.