إقالة رئيس مجلس محافظة نينوى تطلق دورة جديدة من التوتر السياسي في المحافظة

تشكّل إقالة مسؤول كبير في مجلس محافظة نينوى منعطفا في تصعيد التوتّر السياسي القائم في المحافظة، منذ الانتخابات المحلية الأخيرة في العراق وما أشعلته من صراعات على المناصب في الحكومات المحلية للمحافظات وخصوصا نينوى التي ينطوي وضعها على عامل إضافي للصراع والتوتر متمثّل في مشاركة الميليشيات المسلحة في إدارة شؤونها.
الموصل (العراق)- صعّدت إقالة مسؤول كبير في الحكومة المحلية لمحافظة نينوى بشمال العراق التوتر السياسي الذي لم يهدأ أصلا في المحافظة منذ إجراء انتخابات مجالس المحافظات العراقية قبل أكثر من عام نظرا إلى ما أطلقته نتائج تلك الانتخابات من صراعات على المناصب في سائر محافظات البلاد وفي نينوى بشكل خاص ذات الوضع الحسّاس بسبب معاناتها من مخلّفات حقبة تنظيم داعش وحاجتها إلى تسريع عملية إعادة الإعمار لاستعادة استقرارها وتوازنها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بشكل كامل.
وصوّت مجلس محافظة نينوى على إقالة رئيسه أحمد الحاصود على خلفية اتهامه بارتكاب مخالفات قانونية جسيمة على رأسها حصوله على المنصب باستخدام شهادة علمية مزورة.
وتحيل هذه التهمة على ظاهرة خطرة شاعت في العراق منذ نحو عقدين وتتمثّل في استشراء تزوير الشهادات العلمية لاسيما من قبل سياسيين يلجأون لاستخدام هذا الأسلوب للحصول على مناصب ومواقع في الدولة لا تتيحها لهم مستوياتهم التعليمية والثقافية المتدنية.
وغالبا ما يتمّ السكوت عن عمليات التزوير تلك إذ أنّ القوى السياسية لا تقوم بتفجير القضايا المتعلّقة بها إلا حين تحتاج إليها في صراعها على المناصب وتصفية الحسابات مع خصومها ومنافسيها، وهو أمر ينطبق على قضية الحاصود الحالية.

عبدالله النجيفي: الحاصود أقيل لعدم إجابته عن الأسئلة التي طرحت عليه
وعقّد من عملية إدارة مرحلة ما بعد داعش في نينوى تدخّل قوى من خارج المحافظة تتمثّل في أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة في شؤونها الداخلية، ذلك أنّ ميليشيات الحشد الشعبي التي ساهمت في معارك استعادة نينوى من سيطرة التنظيم المتشدّد رفضت مغادرتها وبادرت على العكس من ذلك إلى تأسيس وجود أمني وسياسي واقتصادي راسخ داخلها.
وفي مظهر على الوجود المؤثّر لتلك القوى داخل المحافظة تحظى كتلة نينوى المستقبل التي ينتمي إليها رئيس مجلس المحافظة المقال بدعم قوى الإطار التنسيقي بما في ذلك الحشد الشعبي. وكانت الكتلة ذاتها وراء تأجيج التوتر السياسي حيث بادرت في وقت سابق إلى استخدام أغلبيتها في المجلس للقيام بحملة استبعاد للمسؤولين والموظفين المنتمين لكتل أخرى من مناصبهم في الحكومة المحلية.
وقال عضو مجلس محافظة نينوى عبدالله النجيفي إن المجلس قرر إقالة رئيسه عبر التصويت بأغلبية ستة عشر صوتا (من مجموع عدد أعضاء المجلس البالغ تسعة وعشرين عضوا) وذلك في جلسة تغيّب عنها الحاصود.
وأوضح في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن جلسة الأربعاء كانت مخصصة لاستجواب الحاصود حيث تم وضع ثمانية عشر سؤالا له حول قضايا متعددة أبرزها الشكوك حول صحة شهادته العلمية وتدخل الأجهزة الأمنية في عمل المجلس، إضافة إلى عدد من المخالفات الإدارية الأخرى.
وبيّن أن الإقالة جاءت بعد غياب المعني بالأمر عن الجلسات وعدم تقديم إجابات شافية على التساؤلات المشروعة التي طرحت عليه.
وقالت وكالة شفق نيوز إنّها حصلت على وثائق رسمية تتعلق بشهادة الحاصود إلى جانب مخاطبات رسمية بين جامعة الموصل ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي بشأن معادلة شهادته.
وتظهر الوثائق وجود مخالفات أكاديمية حيث تبين أن الرجل يحمل شهادة دكتوراه في طب الأسنان رغم أنه حاصل فقط على شهادة إعدادية من الفرع الأدبي، وهو ما يخالف القوانين الأكاديمية العراقية.
ونقلت الوكالة عن مصادر جامعية قولها إن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أرسلت خطابا رسميا إلى جامعة الموصل في نوفمبر الماضي تطلب فيه مراجعة معادلة شهادة الحاصود.
وتتطلب معادلة شهادة طب الأسنان اجتياز حاملها لامتحانات أو الالتحاق بالسنة الأخيرة من الكلية لكن المسؤولين في جامعة الموصل اكتشفوا أن الحاصود لم يدرس الفرع العلمي بل يحمل شهادة إعدادية أدبية وهو ما يتعارض مع شروط المعادلة الأكاديمية. وبناء على ذلك، وفقا لذات المصدر، أبلغت جامعة الموصل وزارة التعليم العالي برفض معادلة شهادة الحاصود بسبب عدم تطابقها مع الشروط والتعليمات المعتمدة.
وأصدر أعضاء مجلس المحافظة المصوتين على إقالة رئيس المجلس بيانا أوضحوا فيه حيثيات الخطوة التي أقدموا عليها.
ومما ورد في البيان “من المؤسف أن نجد أنفسنا أمام هذا الموقف الذي لم يكن خيارنا الأول، ولكن واجبنا الرقابي ومسؤوليتنا أمام أبناء نينوى أوجبت علينا اتخاذ هذا القرار.”
كما ورد أيضا على لسان هؤلاء الأعضاء “لقد كنا نأمل أن يحضر رئيس المجلس جلسة الاستجواب ويدافع عن نفسه بكل شفافية ومسؤولية، لكنه اختار التخلي عن ذلك رغم وجوده داخل مبنى المجلس، متجاهلا المؤسسة الرقابية ومستخفا بطلب الاستجواب المقدم إليه، مما اضطرنا إلى المضي قدما في الإجراءات الدستورية والقانونية اللازمة.”
وخُتم البيان بالقول “إذ صوتنا على إقالة رئيس المجلس نؤكد أن هذا القرار لم يكن موجّها ضد شخص بل هو موقف مبدئي للحفاظ على نزاهة العمل المؤسسي. كما نجدد التزامنا الكامل بممارسة دورنا الرقابي بكل مسؤولية وندعو جميع الأعضاء إلى التعاون في سبيل خدمة المحافظة وتعزيز ثقة المواطنين بمؤسساتهم المنتخبة”.
وتشكّل إقالة الحاصود وصفة لدورة جديدة من التوتّر قد تطول وتعطّل عمل السلطات المحلية الأمر الذي سيعني تأخيرا إضافيا لعملية إعادة الإعمار ومزيدا من تعقيد الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المحافظة، ذلك أنّ الرجل يستند إلى كتلة وازنة ذات نفوذ يتجاوز الحكومة المحلية إلى المؤسسات الاتحادية.
وفور الإعلان عن خبر الإقالة أصدر رئيس مجلس المحافظة المقال بيانا وصف فيه جلسة استجوابه بأنها لم تلتزم بالأنظمة القانونية المحددة مما يجعل أيّ قرارات صادرة عنها باطلة قانونيا.
وقال الحاصود في بيانه إن الأسئلة التي تم طرحها في جلسة الاستجواب لم تُسلّم إليه في المدة القانونية، حيث دخلت الأسئلة قسم الأوليات في المجلس بتاريخ الثالث من الشهر الجاري وتم توزيعها على الأعضاء في اليوم التالي بينما تم عقد الجلسة في الخامس من الشهر.
وتوعّد في بيانه باتخاذ “جميع الخطوات القانونية لضمان احترام القوانين والأنظمة النافذة.”
وهبّت كتلة نينوى المستقبل المدعومة من الإطار التنسيقي المشكّل لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لدعم عضوها المقال وأعلنت طعنها في شرعية عملية الإقالة مؤكّدة عزمها اللجوء إلى القضاء والمحكمة الإدارية لإبطال القرار.
وقالت العضو في المجلس عن الكتلة المذكورة ليال محمد علي في مؤتمر صحافي إن “جلسة الإقالة غير قانونية ولم تتضمن أي استجواب قانوني لرئيس المجلس،” معتبرة أن “الإجراءات المتبعة في الجلسة لم تكن صحيحة من الناحية القانونية.”
وأضافت أن “ما جرى يمثل خيانة من قبل نائب رئيس المجلس وبعض الأعضاء الذين تم شراء ذممهم لصالح جهات معينة”.
وهاجم عضو المجلس محمد عارف الشبكي الأعضاء المشاركين في التصويت على الإقالة متهما إياهم بتسليم نينوى في وقت سابق لتنظيم داعش بأن ما حدث للحاصود هو عبارة عن مؤامرة. وشبّه “ما حدث في الجلسة بالمؤامرات التي أدت إلى سقوط الموصل سنة 2014”.
◄ إقالة الحاصود تشكّل وصفة لدورة جديدة من التوتّر قد تطول وتعطّل عمل السلطات المحلية الأمر الذي سيعني تأخيرا إضافيا لعملية إعادة الإعمار
وتشهد نينوى منذ استعادة الموصل من تنظيم داعش قبل أكثر من ثماني سنوات صراعا دائرا على بسط السيطرة الأمنية والسياسية والتحكّم في الحركة التجارية والاقتصادية في المحافظة والاستئثار بمشاريع إعادة الإعمار النشطة والمدرّة للأرباح والمكاسب المالية المجزية.
وأتاحت الحرب ضدّ داعش للميليشات الشيعية المنضوية ضمن الحشد الشعبي دخول نينوى والتمسّك بالبقاء فيها وتوسيع نشاطها ليتجاوز الجانب الأمني إلى المجال التجاري والاستثماري بفتح مكاتب اقتصادية لها هناك.
ومثّل ذلك أرضية للحشد والقوى السياسية الشيعية لتركيز حضور سياسي وإداري فاعل في الموصل، تؤمّنه في الوقت الحالي كتلة نينوى المستقبل التي تمتلك ستة عشر مقعدا في مجلس المحافظة من مجموع تسعة وعشرين مقعدا، الأمر الذي أمّن لها الأغلبية اللاّزمة لتمرير قرارات تصبّ في مصلحتها ومن ذلك تغييرها رؤساء الوحدات الإدارية في عدد من الأقضية والنواحي.
ولم تكن إقالة الحاصود ممكنة لولا حدوث تغير في ميزان القوى داخل هياكل السلطة المحلية بتغيير عدد من أعضائها لاصطفافهم وهو ما أشارت إليه ليال محمد علي بحديثها عن الخيانة والمؤامرة.