إقالة رئيس الحكومة التونسية: الثقة بالمنجز لا ترضي قيس سعيد

تونس – ربطت أوساط سياسية تونسية إقالة رئيس الحكومة التونسية أحمد الحشاني بفيديو نشره حول الحصاد الحكومي منذ توليه منصبه قبل عام من الآن، وبدا فيه واثقا من نفسه ومما حققته الحكومة، وهو ما قد يكون أثار انزعاج الرئيس قيس سعيد، الذي يعتقد بوجود خلل في أداء الحكومة وعدم تطوره بشكل يلمسه الناس في حياتهم اليومية.
وحرص الحشاني على تضخيم ما تم تحقيقه وبدا كأن حكومته قد نجحت في تحقيق الرهانات الموكولة إليها بشكل كامل، وهو أمر مناف للواقع؛ حيث لم يتجاوز دورها عقد الجلسات في حين أن المهمة الأكبر كان يقوم بها الرئيس سعيد من خلال التواصل مع الناس والاستماع إلى شواغلهم وطمأنتهم والتدخل بشكل مباشر لتنفيذ مطالبهم العاجلة بالرغم من التعقيدات الإدارية وسيطرة البيروقراطية على عمل مختلف المؤسسات.
صحيح أن الحكومة كانت تتخذ قرارات وتقر خططا من وحي البرامج التي يعلن عنها الرئيس، لكن المشكلة التي كانت تطغى على أدائها هي محدودية التنفيذ، وهو السبب الرئيسي في عدم رضا قيس سعيد عن حكومة الحشاني، والمسوغ الأول لإقالته.
أزمة الماء هي من أوجه الإخفاق المزدوج الذي جعل الرئيس قيس سعيد يقيل الحشاني وليست فقط السبب الأساسي
وأفاض الحشاني في الحديث عن دور الحكومة وخططها لتحسين أوضاع الناس مستعملا مفردات من القاموس الذي يعتمده قيس سعيد عادة، مع الاكتفاء بإشارة أو إشارتين إلى أن ذلك تم بتوجيهات من “سيادة الرئيس”، وهو ما قد يكون فهم تقليلا من دور الرئيس سعيد الذي هو من يضع السياسات ويتدخل في التفاصيل ويتابع باستمرار من أجل تأمين تنفيذ ما يطلبه.
ويكمن السبب الثاني لإقالة الحشاني في عجز حكومته عن مواجهة اللوبيات المتمركزة في الإدارة، وعدم منعها من عرقلة مشاريع الدولة وبرامجها، وضرب الخدمات الضرورية الموجهة للمواطنين، وهو ما بدا واضحا في أزمة الماء والانقطاع المربك الذي كان يتم اللجوء إليه بهدف إثارة غضب الناس وتأليبهم على الدولة.
يشار إلى أن تعيين الحشاني رئيسا للحكومة قبل عام كان بمهمة واضحة هي إصلاح الإدارة وتفكيك اللوبيات التي تعمل داخلها، والإقالة تعني أنه فشل في مهمته.
وخلال لقائهما في الثلاثين من يوليو الماضي تحدث الرئيس سعيد إلى الحشاني بشكل جلي عن “عرقلة الإدارة”، وعن “جيوب ردة”، وارتماء في أحضان اللوبيات، ما يظهر قلقا واضحا من سوء تعاطي الحكومة مع ملف الإدارة. وفي حديثه عن أزمة الماء لم يشر الحشاني من قريب أو بعيد إلى موضوع اللوبيات التي تريد إرباك الوضع الاجتماعي قبل الانتخابات، مثلما يشير إلى ذلك قيس سعيد باستمرار.
وبدا تركيز الحشاني على محدودية السدود والجفاف في تفسير أزمة المياه كأنه رواية مغايرة ومحرجة للرئيس سعيد ومشككة في روايته، خاصة بعد أن تلقفتها حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وروجت لوجود تناقض في الموقف الرسمي.
وما يثير التساؤلات حول موقف الحشاني هو أن الرئيس سعيد كان قد التقى به في مقر الحكومة يوم 30 يوليو الماضي وحدثه باستفاضة عن مؤامرة قطع الماء والكهرباء على المواطنين واشتغال جهات معارضة على الأمر ضمن حملة انتخابية تهدف إلى إحراج قيس سعيد أمام الشارع التونسي الذي مازال أغلبه داعما له ولخياراته.
ومن المهم الإشارة إلى أن أزمة الماء هي من أوجه الإخفاق المزدوج (إخفاق في التنفيذ وإخفاق في تفكيك اللوبيات) الذي جعل الرئيس يقيل رئيس الحكومة وليست فقط السبب الأساسي.
وتعتقد الأوساط السياسية أن الحشاني، وهو رجل إدارة ولم ينتم إلى أحزاب ولم يتقلد مناصب سياسية في السابق، لم يكن يعي أهمية المؤامرة التي يتحدث عنها الرئيس سعيد باستمرار، وأن حديثه عن أزمة المياه استقاه من تقارير وزارة الزراعة التي تتحدث عن الأزمة في مداها البعيد من دون ربطها بالموقف السياسي.
لكن البعض من أنصار الرئيس سعيد اعتبروا أن تغييب الحشاني لعامل المؤامرة في أزمة المياه بدا وكأنه تبرئة للوبيات التي تنخر الإدارة وفي جميع المجالات، وأن تقديم تفسير من رئيس الحكومة مناقض لما يقوله الرئيس يقدم خدمة كبيرة للمعارضة وللوبيات بصفة خاصة التي ستعمل على اتهام قيس سعيد بتقديم رواية غير واقعية.
وأقال الرئيس التونسي الأربعاء الحشاني بعد مرور عام واحد على توليه المنصب. وأصدر في اليوم نفسه قرارا يقضي بتعيين وزير الشؤون الاجتماعية كمال المدوري في منصب رئيس الحكومة، ضمن تعديل جزئي.
وتساءل المراقبون عن توقيت الإقالة خاصة أنها تأتي قبل أسابيع قليلة من إجراء الانتخابات، معتبرين أنه كان من الأولى أن يكون تعيين المدوري وفق مقاربة جديدة للرئيس سعيد في حال فاز بولاية رئاسية جديدة، وأن يستمر الحشاني في منصبه إلى حين إجراء الانتخابات.
لكن أنصار الرئيس سعيد يرون أن الوقت مهم، وأنه إذا حان وقت التغيير فلا مبرر لإرجائه، خاصة أن رئيس الحكومة يفترض أن يكون أكثر معرفة بتوجهات الرئيس وخططه، وأن يعمل على إنجاحها، لاسيما ما تعلق بالملف الاجتماعي، وهذا ما يفسر تعيين المدوري خلفا للحشاني.
وشغل المدّوري منصب مدير عام الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية المكلف بتوفير معاشات متقاعدي الدولة.
وفي فبراير 2023 جرى تعيينه مديرا عاما للصندوق الوطني للتأمين على المرض، ليحصل في ديسمبر على حقيبة الشؤون الاجتماعية .
وبحكم الدستور، فإن مَن يعين الوزراء ويقيلهم من مناصبهم هو الرئيس سعيد، الذي يسعى للفوز بولاية رئاسية ثانية من 5 سنوات بعد أن فاز في انتخابات أكتوبر 2019.
والمدوري حاصل على الدكتوراه في قانون المجموعة الأوروبية والعلاقات المغاربية – الأوروبية، وعلى الأستاذية في العلوم القانونية من كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بالعاصمة، وفق وكالة الأنباء التونسية الرسمية.
كما أكمل الدراسات في المرحلة العليا بالمدرسة الوطنية للإدارة، أشهر مؤسسة تعليم عال تونسية لتخريج كوادر الإدارة، وهو أيضا خريج معهد الدفاع الوطني عام 2015 ومفاوض دولي.