إقالة الحكومة المصرية مطلب في الإعلام لامتصاص الغضب الشعبي

تثير الحملة التي تطالب بإقالة الحكومة المصرية التي يرأسها مصطفى مدبولي من قبل إعلاميين محسوبين على النظام الحاكم موجة من التساؤلات إن كان الأمر يتعلق بهامش حرية يجعلهم ينتقدون الحكومة على خلفية أزمات اقتصادية عديدة أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تمهيدا لنهاية حكومة باتت أيامها معدودة أو تخفيف ضغط عليها من الاحتقان ضد سياستها.
القاهرة - زادت مطالب البعض من الإعلاميين المحسوبين على النظام الحاكم بإقالة الحكومة المصرية التي يرأسها مصطفى مدبولي، على خلفية أزمات اقتصادية عديدة يعاني منها قطاع من المواطنين تسببت في زيادة حدة الاحتقان ضد سياساتها، وهو أمر لم يكن مألوفا خلال السنوات الماضية، حيث ظل الإعلام المصري يكيل لها المديح.
وأثار توجه هؤلاء الإعلاميين تساؤلات عدة بشأن ما إذا كان هجومهم الذي أخذ لغة انتقاد لاذعة خلال الأيام الماضية مؤشرا على توسيع هامش الحرية لوسائل الإعلام ليصبح متنفسًا مهما يقوض الاحتقان، أو مجرد دليل جديد على أن أيام الحكومة الحالية باتت معدودة ودور الإعلام التمهيد لإقالتها وتحميلها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية.
اختلفت التفسيرات التي ساقها هؤلاء لإقالة الحكومة الحالية، فقد اعتبر الإعلامي محمد الباز رئيس تحرير صحيفة “الدستور” التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في فيديو على يوتيوب أن حكومة مصطفى مدبولي تعاني الإجهاد وآن الأوان أن تستريح دون أن يحملها بشكل مباشر نتيجة الأزمات الراهنة، واكتفى بالتأكيد على أحقية المواطنين في المطالبة بإقالتها.
لكن النائب البرلماني والإعلامي القريب من الحكومة مصطفى بكري طالب بإقالتها لعجزها عن إدارة الأزمات التي تمر بها البلاد وحملها مسؤوليتها، وقال في برنامجه الذي يقدمه على فضائية “صدى البلد” بعنوان “حقائق وأسرار” إن “عمر الحكومة الافتراضي قد انتهى ورصيدها لدى الشعب نفد، ولا بد من تغييرها الفترة المقبلة”، مطالبًا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بسرعة التدخل لإنقاذ الوضع الراهن.
وزاد الإعلامي إبراهيم عيسي الذي لم يكتف بالمطالبة بإقالة الحكومة في برنامجه “حديث القاهرة” على فضائية “القاهرة والناس” فحسب، بل أكد على أنه “ليس مطلوبا منها صناعة قرار في الفترة الحالية ومهمتها اتخاذ القرار الذي يصنعه المواطن، والمقصود بالمواطن هم ذوو الشأن، من الفلاحين والتجاريين والمهنيين، وكل ما هو طرف مشارك في تبعات القرار المتخذ”.
ويبدو أن الحماية التي وفرها الإعلام المحلي للحكومة في الفترة الماضية لم تعد حاضرة الآن، مع تزايد المطالبات بإقالتها من جانب بعض نواب البرلمان المحسوبين على دوائر تابعة لها، ما يشير إلى وجود رؤية عامة تقضي بضرورة امتصاص الغضب وتفريغ شحنات الاحتقان من خلال بعض الإعلاميين الذين يحظون بمتابعة جماهيرية.
ولم يخرج هؤلاء عن الإطار العام الذي تسير فيه جهات رسمية ترى أن هناك ضرورة للتغيير في الوقت الراهن، لأن مضاعفة الأزمات الاقتصادية وعدم القدرة على التعامل معها أنهيا الرصيد السياسي للحكومة لدى المواطنين، وإن لم تكن مسؤولة لوحدها على المشكلات الراهنة، وأن الاعتماد على نظرية مسايرة الرأي العام عملية مطلوبة بما يجنب الإعلام تعريضه للمزيد من الخسائر بعد أن فقد تأثيره بقدر كبير.
ويستبعد البعض من خبراء الإعلام أن يكون التغير الملموس في نبرة الإعلام أثر على قناعة المواطنين بأن الانتقادات نابعة من إتاحة هامش أكبر للحريات العامة في وسائل الإعلام، وهو ما يؤثر بالتبعية على ثقتهم بشأن ما يروج له الإعلام ولديهم ما يشبه القناعة بأن هذه الانتقادات تستهدف التغطية على أزمات ومشكلات أكبر.
وقال نقيب الصحافيين الأسبق يحيى قلاش إن الوقائع التاريخية لإقالة الحكومات في مصر أو إدخال تعديلات عليها يسبقه “ضرب نار” إعلامي يمهد للقرار، والمسألة ليست لها علاقة بإتاحة هامش من الحريات، لأن الإعلام لا يتحدث عن معاناة المواطنين اليومية بكثافة، ولم يطالب بتغيير السياسات، ويكتفي بمطالب تغيير وجوه الحكومة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “حرية الإعلام لم تكن ضمن بؤرة اهتمامات الإعداد للحوار الوطني، على الرغم من أنها كانت ضمانة رئيسية لخلق حوار ناجح وحقيقي، كما أن الإعلام ما زال يواجه مشكلات تتعلق بعدم قدرته على التعامل مع الأزمات الداخلية، ويقع أحيانا في ارتباكات عديدة، ولا يجد صيغة مناسبة يواجه بها الرأي العام، وفي الوقت ذاته لا تخرج عن هامش الحريات المتاح”.
ويسير الإعلام المصري على نفس نهج الأحزاب والنواب الموالين للحكومة الذين طالبوا بشكل علني ومباشر تحت قبة البرلمان مؤخرا بإقالة الحكومة من دون استخدام الأدوات التشريعية والرقابية التي تتاح لهم من أجل استجوابها وسحب الثقة منها، وأن البرامج على بعض القنوات المصرية لم تغص في أبعاد المشكلات المطروحة وتحدثت عن وجوب الإقالة وتحميل المسؤولية للحكومة ولم تقدم دلالات مقنعة على مطالبتها.
واعتبر الإعلامي عمرو أديب خلال برنامج “الحكاية” الذي يقدمه على فضائية “أم.بي.سي مصر” أن مطالبات البرلمان بإقالة الحكومة طبيعية في الوقت الحالي.
ويمثل استخدام الإعلام المصري لعبارات تلعب على وتر عاطفة المواطنين والتأكيد على أن “الحكومة لا تشعر بالمواطن الغلبان والذي يشحذ قوت يومه”، مثلما ذهب إليه الإعلامي مصطفى بكري في برنامجه، مؤشر على وجود رغبة في أن تصل أصداء ما يثار في الإعلام إلى الرأي العام وإقناع المواطنين بأن ثمة تغيرا يستوجب معه إعادة لفت الانتباه، ما يحقق أثرا إيجابيا على مستوى فئات تنتظر الاستماع إلى مثل هذه الخطابات، بما يسهم في تفريغ شحنات الغضب لديها.
الإعلام المصري يعاني من ضعف تناول القضايا الاقتصادية وتفنيد المشكلات التي تقود إلى الوضع الراهن
وأكد أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة صفوت العالم أن الحديث عن إقالة الحكومة “مسلك تبريري للكثير من الأزمات التي تعرضت لها الدولة مؤخرا، وأنها بمثابة شماعة سهلة الاستهداف، مع تجاهل مجموعة من الأسباب الحقيقية التي قد يجد الإعلام صعوبة في التطرق إليها، وقد يختار الإعلاميون السلامة على أن يغوصوا في أزمات قد تسبب لهم مشكلات، لكنه يبقى سلوكا عاما يسيطر عليهم”.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “الإعلام المصري يعاني من ضعف تناول القضايا الاقتصادية وتفنيد المشكلات التي تقود إلى الوضع الراهن، ولذلك يختار الصمت في الكثير من الأحيان، وعندما يتحدث قد يستخدم خطابا شعبويا يحاول من خلاله استعادة ثقة الجمهور، غير أنه في الأغلب يفشل في تحقيق هدفه، لأن المواطنين يتعرضون لمؤثرات إعلامية عديدة ولن ينتظروا ما يذهب إليه الإعلام المحلي”.
ويحاول الإعلام المحلي إيجاد وسائل مقنعة للتعامل مع الأزمات، لكنه يصطدم أحيانا بتصاعد حدة المشكلات التي تواجه المواطنين من دون امتلاك رؤية بكيفية تناولها بصورة مهنية، ويواصل التركيزعلى قشور الأزمات ولا يدخل في عمق التفاصيل.
ويواجه الإعلام أزمة الترويج لقرار رفع الفائدة الذي اتخذه البنك المركزي مؤخرا وتأثيراته السلبية على بعض رجال الصناعة الذين سوف يتضررون منه ولهم تأثير في السوق الإعلاني، وقد يصبح التجاهل مريحًا لعدم الدخول في مشكلات جديدة.