إغراءات حكومية لتطويع وسائل الإعلام الجزائرية

تخفيضات على أسعار استضافة المواقع الإلكترونية في شركة الاتصالات.
الخميس 2024/01/18
حرية غائبة

الجزائر - عرضت مؤسسة اتصالات الجزائر تخفيضات ومزايا هامة على أسعار استضافة المواقع الإلكترونية لصالح وسائل الإعلام الوطنية، في خطوة قالت إنها بهدف دعم مهنيي قطاع الصحافة والإسهام في تطوير المجال الإعلامي الوطني، بينما ينظر إليها مختصون على أنها جاءت لتطويع الإعلام الإلكتروني في البلاد خصوصا مع ما يعانيه من ضائقة مالية.

واعتمدت اتصالات الجزائر تخفيضات على أسعار إيواء المواقع الإلكترونية لفائدة كافة وسائل الإعلام الوطنية، وأكد بيان صادر عن اتصالات الجزائر أن هذا التخفيض يأتي تماهيا مع إملاءات أعلى هرم السلطة، حيث جاء فيه أنه “وفي إطار تنفيذ التدابير التي أقرها رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، خلال حفل تسليم جائزة رئيس الجمهورية للصحافي المحترف، والرامية إلى دعم وسائل الإعلام الوطنية، تبنت اتصالات الجزائر تخفيضات على أسعار استضافة المواقع الإلكترونية لفائدة كافة وسائل الإعلام الوطنية”.

ومن جملة التدابير التي أعلن عنها تبون، لفائدة الإعلام الوطني “تخفيض تكلفة شريط وكالة الأنباء الجزائرية لفائدة وسائل الإعلام الوطنية، وكذلك تخفيض الرسم على القيمة المضافة، على أن تحدد نسبتها والتدابير المتعلقة بها في قانون المالية التكميلي”، إضافة إلى “تخفيض سعر تكلفة إيواء المواقع الإلكترونية لدى اتصالات الجزائر بنسبة تتراوح بين 33 و36 بالمئة، مع زيادة طاقتها وتخفيض سعر الإيجار في دار الصحافة”.

ملف الإشهار العمومي يثير جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية والسياسية بالجزائر

وهي التدابير التي اعتبرها صحافيون تعكس رغبة السلطة في تحسين صورتها في المرحلة القادمة مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي، لاسيما مع زيادة الانتقادات الدولية للسلطات بشأن التضييق على وسائل الإعلام والصحافيين بوسائل عديدة تتضمن الترغيب والترهيب.

ويضاف هذا الإجراء إلى أداة أخرى من أدوات تطويع الإعلام الجزائري وهي الوكالة الوطنية للنشر والإشهار، التي شهدت فضيحة فساد في الأشهر الأخير.

ويثير ملف الإشهار العمومي جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية والسياسية بالجزائر، إذ يرى البعض أن عملية توزيعه تتم وفق “معيار الولاء” لإجبار وسائل الإعلام على مهادنة السلطة للحصول على نصيب من كعكعة الإعلانات.

وتتولى المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار توزيع هذا المورد، في وقت أوعز البعض توقف عدد من الصحف ومعاناة أخرى من أزمات مالية إلى غياب مورد الإشهار.

وكان المدير العام السابق لمؤسسة النشر والإشهار، العربي ونوغي، كشف في حوار مع صحيفتي “الخبر” و”الوطن” المحليتين عام 2020، أن السنوات الأربع الأخيرة التي سبقت ذلك العام شهدت توزيع ما قيمته 4000 مليار سنتيم على الصحف، (نحو 293 مليون دولار)، مشيرا إلى أن صحفا لم يتجاوز سحبها 2000 نسخة استفادت من هذا الإشهار.

وعن توزيع الإشهار العمومي على الصحف في الجزائر، يرى إعلاميون أنها كانت دوما خاضعة لمعيار الولاء للحكومة منذ الانفتاح السياسي والإعلامي عام 1989، هذه الطريقة في التعاطي مع الإشهار العمومي استمرت طيلة فترة التسعينيات وإلى غاية تولي الرئيس بوتفليقة مقاليد الحكم، وواصلت السلطة نفس الممارسات مع الحفاظ على الحد الأدنى من دعم الصحف المعارضة التي بقي انتقادها للحكومة ضمن الحدود المتاحة تفاديا لاختفائها.

دعم وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية سواء من خلال الإشهار أو العطاءات الأخرى يجري وفق عملية فوضوية تخضع للولاءات والمصالح دون مقاييس شفافة

ولم يتغير الوضع خلال المرحلة الراهنة بسبب غياب قانون ينظم توزيع الإشهار والذي تحرص السلطة على بقائه على حاله لاستعماله كورقة ضغط ضد وسائل الإعلام، فالتوزيع يفتقد إلى معيار حقيقي، وفي بعض الأحيان لا تعرف الجهة التي توزع الإشهار رغم أن الهيئة الرسمية هي الوكالة الوطنية للإشهار.

ويصف متابعون مسألة دعم وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية سواء من خلال الإشهار أو العطاءات الأخرى ومن بينه ما أعلنته شركة الاتصالات بتوجيه من الحكومة، أنها تجري وفق عملية فوضوية تخضع للولاءات والمصالح دون مقاييس شفافة، رغم أن هذا الوضع يتعارض مع المنظومة الديمقراطية وما تتمسك به الحكومة من مبدأ الدولة الاجتماعية.

وسبق أن طالبت الأوساط المهنية بعدم التضييق مستقبلا على الممولين الخواص الذين يوجهون إعلاناتهم لوسائل الإعلام المستقلة، من خلال عملية توزيع الإشهار التي لا بد أن تراعي الجانب الاجتماعي والثقافي في المؤسسات الإعلامية، وليس الجانب السياسي والمصلحي والتجاري فقط.

ويؤكد هؤلاء على ضرورة إقرار قانون الإشهار الجديد ليتضمن قواعد وضوابط شفافة تحرر وسائل الإعلام من الضغوطات المالية التي تؤثر على مهنيتها وحيادها.

وساهم هذا الوضع بتفشي الفساد في الوكالة، ففي مارس الماضي، أمر قاضي التحقيق بالقطب الجزائي الاقتصادي والمالي بمجلس قضاء الجزائر بإيداع مديرين عامين سابقين للوكالة الوطنية للنشر والإشهار رهن الحبس المؤقت، ووضع خمسة متهمين آخرين رهن الرقابة القضائية من بينهم وزير اتصال سابق.

وأوضح بيان لوكيل الجمهورية، نشرته وكالة الأنباء الرسمية، أن ذلك يأتي إثر التحقيق المفتوح من قبل المصالح الأمنية “حول وقائع فساد وتبديد للمال العام تخص الوكالة الوطنية للنشر والإشهار تسببت في خسائر للخزينة العمومية تقدر بالمليارات”.

وبحسب المصدر ذاته، فإن الأمد يتعلق بـ”استفادة جرائد مجهرية وأخرى لا وجود لها في الساحة الإعلامية من حصص إشهارية دون الوصول إلى الهدف من الإشهار، إلى جانب تفضيل بعض العناوين بتواطؤ من مسؤولين في الوكالة”.

5