إعمار سوريا في منعطف تأهيل مصانع الإسمنت

رهان حكومي على الاستثمار في القطاع مع تجميد الضرائب المفروضة عليه لمنحه دفعة تنافسية.
الاثنين 2025/06/09
حمل ثقيل يتحمله الجميع

تحث سوريا الخطى من أجل إعطاء صناعة الإسمنت نفسا جديدا في سياق محاولات السلطات الجديدة إلى إحياء هذا القطاع المهم في إعادة إعمار البلد المدمر بعدما أصابه الشلل بسبب ما خلفته الحرب من تحديات قد تحتاج سنوات حتى يعود إلى ما كان عليه.

دمشق – يبذل المسؤولون في سوريا جهودا حثيثة من أجل إحياء نشاط العشرات من المصانع بكامل محافظات البلاد في مجالات مختلفة مثل الإسمنت والصناعات الغذائية وغيرها، لا تمارس أغلبها أي نشاط منذ سنوات بسبب مخلفات الحرب.

ولكن يبدو أن جهود إعمار البلاد التي تضررت كثيرا نتيجة 14 سنة جراء أزمة مركبة ذهب ضحيتها الناس والمدن والأراضي الزراعية، ستكون الآن في منعطف تأهيل مصانع الإسمنت الضرورية للبنية التحتية والتطوير العقاري.

وفي خطوة لتجسيد ذلك أوقفت الحكومة الجديدة ضرائب كانت مطبقة على الإسمنت، في إطار سعيها لزيادة القدرة التنافسية لهذه السلعة الحيوية، عبر إعادة تشغيل مصانع قديمة وتطوير خطوط إنتاج جديدة تسهم في توفير الكميات اللازمة لتحقيق الأهداف.

محمود فضلية: مصانع جديدة ستبصر النور قريبا وستعود أخرى للعمل
محمود فضلية: مصانع جديدة ستبصر النور قريبا وستعود أخرى للعمل

ويأتي القرار الذي اتخذته وزارة الاقتصاد والصناعة ويخص الضرائب على هذه المادة المنتجة لدى القطاعين العام والخاص، في وقت تسعى البلاد لدخول مرحلة جديدة في أعقاب الإطاحة بنظام بشار الأسد أواخر 2024، ويكون فيها الإسمنت أولوية.

وتشير بعض التقديرات إلى أن سوريا تنتج نصف احتياجاتها، الأمر الذي يضعها أمام خيارات عديدة على رأسها الاستثمار لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج.

وكشف مدير عام المؤسسة العامة للإسمنت ومواد البناء محمود فضلية الأحد أن مصانع جديدة لإنتاج الإسمنت “ستبصر النور قريباً، في حين ستعود أخرى للعمل بعد الصيانة خلال شهرين.”

وأكد في تصريحات لبلومبيرغ الشرق أن “مادة الإسمنت من الصناعات الإستراتيجية، كما أن إعادة الإعمار تعتمد عليه، ويُعتبر من القطاعات الرابحة والرائجة والمتقدمة.”

وقد تحتاج سوريا ما بين 8 إلى 9 ملايين طن سنوياً خلال مرحلة الإعمار. وقال فضيلة إن “البلاد لم تدخل مرحلة إعادة الإعمار بعد، لكنها في طور التهيئة لها.”

وبلغ الإنتاج الحالي للإسمنت حوالي 10 آلاف طن يومياً، أي 3.6 مليون طن سنويا، بالتالي تضطر الدولة إلى استيراد كمية مماثلة لتغطية الفجوة بين الإنتاج والطلب، بحسب فضيلة.

وعن البلدان التي يجري منها سد الفجوة، أكد أن باب الاستيراد مفتوح، وأن هذا الأمر مرتبط بالسوق الإقليمية من حيث حجم العرض والطلب لدى الشركات التجارية.

9

ملايين طن الاحتياجات السنوية المطلوبة لتجسيد الأهداف ارتفاعا من 3.6 مليون حاليا

ولكن أكثر الدول التي تصدر لسوريا هي التي تحقق فائضاً بإنتاج الإسمنت مثل تركيا والأردن ومصر والسعودية. ولفت فضيلة إلى أنه مع وجود السوق الحرة المفتوحة أصبحت أنواع الإسمنت المتوفرة من الخارج منافساً قوياً للإسمنت المحلي.

ويواجه قطاع الإسمنت في سوريا تحديات عدة، على رأسها تأمين مادة الفيول والتي تشكل نحو 65 في المئة من كلفة الإنتاج، إضافةً إلى ارتفاع سعر الطاقة الكهربائية، وعدم توفر قطع غيار ومواد تساعد في عمليات إعادة تأهيل المعامل.

وكل هذه الأمور تجعل سعر طن الإسمنت يتراوح حالياً ما بين 100 إلى 123 دولاراً، بحسب النوع والمنطقة.

وعلى الرغم أن سوريا لم تبدأ بعد مرحلة إعادة الإعمار، إلا أنها تشهد ارتفاعاً في استهلاك الإسمنت مقارنةً بالسنوات السابقة.

وقال فضيلة إن “البلاد مقبلة على فترة من الاستهلاك الكبير، وبالتالي، من المتوقع أن تتسم احتياجاتها بالتزايد بحيث تبدأ من 8 ملايين طن سنوياً في 2025، حتى 15 مليون طن عام 2035.”

ولمواكبة الطلب، يجري العمل على تجهيز عدة معامل جديدة وصلت نسبة إنجاز بعضها إلى 85 في المئة، بحسب مدير المؤسسة المملوكة للدولة.

ومن المرتقب أن يباشر مصنعان الإنتاج برخص قديمة، أحدهما بريف دمشق وآخر بريف حمص الشرقي، ويستفيدان من إعفاءات حكومية قدمتها الحكومة على المعدات الميكانيكية.

وتعود ملكية المصانع الجديدة لشركات خارجية لم يفصح فضيلة عنها، وقال إن “إجمالي الاستثمارات يصل إلى 500 مليون دولار للمعمل الواحد بطاقة إنتاجية قد تصل إلى 10 آلاف طن يومياً.”

عمار يوسف: الاستيراد ليس حلا لتأمين النقص في كميات الإسمنت
عمار يوسف: الاستيراد ليس حلا لتأمين النقص في كميات الإسمنت

وتوجد في البلاد 4 مصانع حكومية لإنتاج الإسمنت بالإضافة إلى مصنع خاص. ويُرتقب أن تخضع هذه الوحدات الصناعية للصيانة قبل أن تعود خطوطها للإنتاج، من بينها مصنع العربية للإسمنت في حلب، وآخران في حماة وعدرا.

كما أن هناك مصانع متوقفة بالكامل بسبب عدم توفر مادة الفيول من بينها مصنع إسمنت البادية الذي أوقف الإنتاج عام 2023 نتيجة تعطل توريد الفحم الذي يعمل به. وكانت طاقته الإنتاجية تناهز 1.6 مليون طن سنوياً وتعود ملكيته لمجموعة سعودية.

ويرى الخبير الاقتصادي عمار يوسف أن كميات الإسمنت التي قد تحتاجها سوريا خلال سنوات الإعمار لا يمكن حسابها حالياً بشكل دقيق، بسبب عدم معرفة حجم الدمار في البنية التحتية والمنشآت والذي قدّرت الأمم المتحدة تكاليفه بحدود 400 مليار دولار.

ويعتقد يوسف الذي تحدث لبلومبيرغ الشرق أن الكلفة قد تصل إلى 700 مليار دولار بحال الرغبة بإعادة إعمار المساكن المدمرة بشكل كامل، ما يعني أن احتياجات الإسمنت قد تتراوح بين 6 إلى 9 ملايين طن سنويا.

وأشار إلى أن الاستيراد ليس الحل الأمثل لتأمين النقص في كميات الإسمنت، خاصةً أن سوريا لديها تربة مناسبة لصناعة الإسمنت إلى جانب اشتهار الإسمنت السوري بجودته العالية.

وقال إن “بناء المعامل السورية وتفعيلها وإنشاء معامل جديدة قد يستغرق ثلاث سنوات، وقد يساهم في الاستغناء عن الاستيراد لمواد البناء لخمس سنوات.”

ولتوفير العملة الصعبة اللازمة للاستيراد، يؤكد يوسف أن دمشق لديها عدة خيارات من بينها إعادة استثمار مقدرات سوريا من النفط والغاز الموجود في الشمال السوري، إضافةً إلى خيار المساعدات والإعانات.

واعتبر أن “إعادة إعمار البنايات السكنية ليس الأولوية القصوى، لكن من المهم التوجه نحو اقتصاد منتج، من مشاريع زراعية وصناعية وإنمائية.”

وبحسب مؤسسة الإسمنت والعمران، تتواجد في سوريا خامات الإسمنت الرئيسية وهي الحجر الكلسي والبازلت واللاتيريت في مواقع متجاورة ضمن مناطق عديدة. كما تظهر بيانات المؤسسة أن احتياطيات هذه الخامات في المواقع المدروسة كافية لصناعة الإسمنت بطاقة 5 ملايين طن سنويا، لمدة 75 سنة.

10