إعلان مصر ترسيم الحدود بشكل أحادي يوفر فرصة أمام الدبيبة لافتعال أزمة

القاهرة- طرابلس- منح القرار المصري بترسيم الحدود البحرية مع ليبيا فرصة من ذهب لرئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة لافتعال أزمة جديدة تشتت الضغوط المفروضة عليه من أجل إجراء الانتخابات.
يأتي هذا في وقت اتهمت فيه أوساط ليبية القاهرة بأنها تريد انشغال الليبيين بالصراعات لفرض ترسيم الحدود من جانب واحد بدل الحوار والاحتكام إلى القانون الدولي، وأنها تبدو في صورة من يستهدف ليبيا وليس من يصفي الحساب مع الدبيبة.
وقالت هذه الأوساط إن النظام المصري يقع في نفس المحظور الذي ينتقده من خلال الهجوم على اتفاق الدبيبة مع تركيا بشأن ترسيم الحدود، في حين أن الموقف متشابه بفرض اتفاقيات أمر واقع على الليبيين في وجود كيانات مشتتة وغياب سلطة شرعية.
◙ القاهرة لم تقدم تبريرات سياسية لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا أو تعبأ بالضجة التي يمكن أن ترافق قرارها
وأصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قرارا بترسيم الحدود البحرية الغربية في البحر المتوسط، نشرت نصه الجريدة الرسمية في عدد الثلاثاء الماضي بشأن تحديد الحدود البحرية الغربية لمصر في البحر المتوسط.
وعلقت حكومة الدبيبة على الخطوة المصرية بعد نحو يومين من بيان أصدره رئيس الحكومة المعينة من قبل مجلس النواب الليبي فتحي باشاغا، الأربعاء، أبدى فيه تحفظه على عملية ترسيم الحدود البحرية بصورة انفرادية، وخص تحديدا مصر وتركيا واليونان.
وأصدرت الخارجية الليبية بيانا، مساء الجمعة، اعتبرت فيه القرار المصري بأنه “انتهاك للمياه الإقليمية والجرف القاري لدولة ليبيا.. وترسيم غير عادل بموجب القانون الدولي لإعلانه من جانب واحد”.
بينما بدا بيان باشاغا كأنه محاولة لإضفاء شرعية على حكومته عندما أظهر استعداده للتفاوض حول مثل هذه القضايا مع الدول المعنية، والاحتفاظ بمساحة بعيدا عن مصر التي تعد من الدول القليلة المؤيدة لحكومته وسحبت اعترافها بحكومة الدبيبة.
ولم تقدم القاهرة تبريرات سياسية لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا أو تعبأ بالرد على الشكوك المتناثرة مع تمسكها بالمعايير الدولية التي تحدد قواعد الترسيم البحري.
وفسّرت دوائر مراقبة الخطوة على أنها رسالة واضحة لتركيا تفيد بأن التقارب معها لن يغير من ثوابت الموقف المصري في منطقة شرق البحر المتوسط، والتي تعد المحرك الرئيسي لما ظهر من ليونة بين أنقرة والقاهرة، والتأكيد على أن القانون الدولي هو الذي يتحكم في عمليات ترسيم الحدود البحرية وليس الأهواء الشخصية أو المكايدات السياسية، أو فرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية ومذكرات التفاهم.
وقال رئيس وحدة الطاقة بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة أحمد قنديل لـ”العرب” إن الخطوة “تقطع الطريق على أيّ تفسيرات خاطئة لدى بعض دول الجوار (تركيا) التي تعتقد أن عدم الترسيم البحري بين مصر وليبيا يمكن أن يكون مطمعا لتحقيق أوهامها بشأن رسم الخرائط وفقا لتقديراتها الخاصة”.
ويطمئن تعمّد ترسيم مصر المنفرد للحدود البحرية مع ليبيا اليونان وقبرص بعد شعورهما بالقلق عندما زادت ملامح التقارب بين القاهرة وأنقرة، خوفا من حدوث تغير في التحالفات التي أرساها بينهم منتدى شرق المتوسط بعيدا عن تركيا.
كما أنه رسالة إلى الدبيبة بعدم تغيير القاهرة موقفها من حكومته، وأن سعيه للبقاء أو الاحتماء بقوى أخرى لن يغير من الرؤية السلبية عنه.
وتجنبت مصر تصعيد الموقف داخليا وخارجيا والاتفاق على الترسيم مع حكومة باشاغا الموازية التي لم تحظ باعتراف يمكّنها من تمثيل الشعب الليبي، واختارت الترسيم الأحادي وفقا لقوانين البحار التي تضع شروطا محددة لعمليات الترسيم، وتقوم الأمم المتحدة بإضفاء الشرعية عليها والاعتراف بها.
وتقلل الخطوة من الأهمية التي حصلت عليها مذكرات التفاهم البحرية التي عقدتها تركيا مع حكومتي فايز السراج ثم عبدالحميد الدبيبة في ليبيا الفترة الماضية، حيث بدت أنقرة فيهما تريد فرض رؤيتها بأيّ ثمن، وتخترق القانون الدولي العام، ولا تلتزم بقوانين البحار، ولذلك لم تحصل على تصديق من جانب الأمم المتحدة.
وحسمت مصر بقرار الترسيم خريطة حدودها البحرية في المنطقة الغربية، والتي تمكّنها من طرح هذه المناطق أمام شركات عالمية للاستثمار في التنقيب عن النفط والغاز في الأماكن الواعدة التابعة لها في البحر المتوسط بلا تغول على حدود الدول الأخرى، حيث ظل عدم ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا عائقا لقيامها بالتوسع في التنقيب.
وأكد أحمد قنديل لـ”العرب” أن ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا “ضوء أخضر لشركات الغاز لتسريع وتيرة العمل في مسألة التنقيب، في ظل وجود مؤشرات تؤكد أن هناك مخزونا كبيرا من الغاز والنفط في حدود مصر البحرية من ناحية الغرب”.
وجاء القرار المصري بعد تأكد القاهرة من اهتمام شركات دولية بالتنقيب في المتوسط ووجود تقارير علمية أشارت إلى ثروات واعدة من الغاز، والذي زاد الاهتمام به بفعل الحرب الروسية – الأوكرانية وما خلّفته من تداعيات سلبية على الأسعار العالمية.
ويؤدي الترسيم البحري بين مصر وليبيا لزيادة إقبال الشركات للتنقيب في المياه المصرية بعد تحفظها على التنقيب خوفا من حدوث نزاعات بين الدول المتشاطئة.
وأوضح الرئيس السيسي في تصريحات سابقة أن ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان يعظّم الاستفادة من مخزون الغاز الطبيعي والثروات الهيدروكربونية بالمناطق الاقتصادية للطرفين في البحر المتوسط.
◙ تعمّد ترسيم مصر المنفرد للحدود البحرية مع ليبيا يطمئن اليونان وقبرص بعد شعورهما بالقلق عندما زادت ملامح التقارب بين القاهرة وأنقرة
وثمّن أهمية ترسيم الحدود البحرية مع دول الجوار في المؤتمر الاقتصادي بالقاهرة في أكتوبر الماضي، قائلا “حقل ‘ظهر’ للغاز الطبيعي لم يكن ممكناً اكتشافه لو لم يتم ترسيم الحدود مع قبرص واليونان في البحر المتوسط والسعودية في البحر الأحمر”.
وأولت مصر اهتماما بالتنقيب عن الغاز وتحويل الدولة إلى مركز إقليمي للطاقة لزيادة حصيلتها من العملات الأجنبية والحد من مخاطر الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها.
وكشف وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا أمام البرلمان، الخميس، عن وجود حقل جديد للغاز في شرق المتوسط يأتي بعد حقل “ظهر” في الأهمية.
وقال إن ثروات مصر “لا فصال فيها ولدينا كشف كبير لم تحدد كميته وسيتم الإعلان عنه وحجم إنتاجه جيد وحقوق الدولة وحصتها محفوظة مع الشريك الأجنبي”.
ويمكن أن تعوق التصورات المصرية للاستثمار في البحر المتوسط التقارب السياسي مع تركيا، لأن الطريقة التي يدير بها كل طرف ملف الغاز لا تزال متباعدة.