إعلان في الصفحة الأولى من الأهرام بين الرسائل المشفرة والانتقاص من مؤسسة عريقة

ناشطون يتداولون صورة للصفحة الأولى من الصحيفة الأهرام تتضمن إعلانا لإحدى السيارات المستعملة من فئة "جيب رانغلر ميلتري ستاي".
السبت 2023/04/08
نظرية المؤامرة تسجل حضورها

القاهرة - لا يزال إعلان نشر على الصفحة الأولى من جريدة الأهرام المصرية يثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم توضيح رئيس التحرير حقيقته، فيما يبدو أن هذا التوضيح لم يقنع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، ولا أبناء المهنة الذين رأوا أنه انتقاص من قيمة الصحيفة العريقة.

وتداول ناشطون صورة للصفحة الأولى من صحيفة الأهرام في عددها الصادر في الأول من أبريل، وتضمنت إعلانا لإحدى السيارات المستعملة من فئة “جيب رانغلر ميلتري ستاي”.

وحسب ما تم ذكره في الإعلان، فإن السيارة “تحمل مواصفات خليجية وتم تعديل مركز الثقل لمنع الانقلاب على سرعات عالية وللثبات فرملة ‘أم.بي.أس'”. وذكر أن الإطار الاحتياطي أو “الاستبن” باللهجة المصرية “لم ولن يلمس الأرض”.

جمال محمد غيطاس: الدلالة الأهم للواقعة، أنها تلقي الضوء مجددا على وجود حالة خواء إعلاني بمؤسسة الأهرام
جمال محمد غيطاس: الدلالة الأهم للواقعة، أنها تلقي الضوء مجددا على وجود حالة خواء إعلاني بمؤسسة الأهرام

وذيل المعلن إعلانه لمن يريد تجربة السيارة قائلا “لتجربة القيادة الوعرة”.

واعتبر القراء أن هذا الإعلان يحمل “رسائل مبطنة وإشارات سرية”، ما دفع عددا من المسؤولين بالصحيفة إلى توضيح حقيقة الأمر، فقال رئيس تحرير الجريدة علاء ثابت، بمنشور على حسابه على موقع فيسبوك، “الأهرام ــ مثل أي صحيفة ــ لا تتدخل في حرية المعلن في كتابة ما يريد طالما لم تخرج عن القواعد التي تحددها الأهرام ومن قبلها القانون المتعلق بنشر الإعلانات”.

وأضاف “الأهرام عبر سنين طويلة لديها الخبرة الكافية للحكم على صلاحية الإعلانات للنشر”، مؤكدا أن “قائمة الإعلانات التي رفضت الأهرام نشرها لأسباب قانونية – بصرف النظر عن مقابلها المادي – عصية على التصور لكبر حجمها”.

ولم يفلح رئيس تحرير الأهرام بوقف الجدل بعد نشره هذا التبرير، إذ استمر الحديث عن نظرية مؤامرة ورسائل خفية.

وعزز هذه الشكوك التي تداولتها وسائل إعلام عربية ومواقع إلكترونية، أن الإعلان الغريب تصدر الصفحة الأولى في الأهرام الحكومية، ونُشر في تلك المساحة الإعلانية التي كانت لسنوات طويلة تعد من بين الأغلى والأكثر قراءة، والأكثر جذبا للمعلنين في مصر والعالم العربي، وسعر الإعلان فيها يفوق سعر السيارة أصلا.

وشمل الإعلان عدة مواصفات أخرى للسيارة، وتم اختتامه بجملة “تأمين شامل لكافة الحوادث المرورية و(حوادث القضاء والقدر) نوفمبر 2024”.

ولم يذكر المعلن رقم هاتف خاص بالتواصل، واكتفى بترك بريد إلكتروني مجهول، ما زاد من حالة الجدل.

وجاء في تعليق على تويتر:

Meemmag@

“تم تعديل مركز الثقل لمنع الانقلاب.. للثبات فرملة MBS”.. إعلان بالصفحة الأولى من #جريدة_الأهرام المصرية يشعل مواقع التواصل، هل هو رسالة مخابراتية مشفّرة؟

وقالت ناشطة:

NassarWegdan@

بماذا فسرتم إعلان بيع سيارة بهذا الكلام في الصفحة الأولى من جريدة الأهرام بما في الإيميل من معان غامضة، حيث universe 25 هي تجربة أجراها عالم بلجيكي على مجموعة فئران أعطاها كل الرفاهية ولكنها أكلت وقتلت بعضها.

وطرح آخرون افتراضات منطقية تتعلق بكون الإعلان مجرد محاولة من شركة دعاية مثلا لقياس مدى انتشار الإعلانات وأثرها في صحيفة الأهرام.

كما قوبلت التعليقات الساخرة بسخرية مضادة ممن رأوا في الاهتمام بالإعلان ومحاولة تحميله ما لا يحتمل “فراغا وتفاهة”، مؤكدين أن الأمر “مجرد إعلان كان من حظ صاحبه أن يحدث كل هذا الصدى”.

وتوالت التصريحات مع ازدياد الجدل، حيث قال هشام صقر، مدير عام الإعلانات بمؤسسة الأهرام، إن الأمر ببساطة لا يتخطى كونه إعلانا لبيع سلعة يتخطى سعرها ثلاثة ملايين جنيه، في حين أن قيمة الإعلان في تلك المساحة يوم السبت، تحديدا، 40 ألف جنيه بعد الخصم، أي أن قيمة الإعلان لا تتخطى نسبة 2 في المئة من إجمالى قيمة السلعة المبيعة، كما أن السيارة بها مواصفات خاصة لم تنزل من قبل إلى مصر، حيث إنها معدّة سلفا لسباقات الرالي بدول الخليج، وهذا ما ساعد على ارتفاع سعرها بهذا الشكل.

وتابع صقر “ما نُشر في الصفحة الأولى من ‘الأهرام’ هو إعلان عادي لشخص مصري”.

الصحف القومية في مصر ترزح تحت ديون شديدة الوطأة وتواجه تحديات صعبة وتراجعا كبيرا في المساحات الإعلانية

والادعاء بوجود شفرات في الإعلانات ليس جديدا على المؤسسات الإعلامية، إذ تخصص مغردون في محاولات تفسير كلمات وأغان في بعض الإعلانات، باعتبارها تشير إلى وقائع تحدث في المستقبل، وذلك في مساع من هؤلاء المغردين لجلب المزيد من المتابعين لصفحاتهم بنشر “الغرائبيات”.

وعلق جمال محمد غيطاس، أحد المتخصصين في الإعلام الرقمي، وكاتب سابق في الأهرام، بأنه لا يتفق كلية مع جملة التعليقات والملاحظات التي كتبها الكثيرون من داخل المؤسسة وخارجها حول الواقعة، سواء عن غرابة المنتج محل الإعلان أو مواصفاته، أو عما تصور البعض أنه شفرات أو رسائل بين مفردات الإعلان، لكونها تعليقات وملاحظات تعاملت مع الشكل الظاهري للواقعة، من دون أن تقترب أو تلامس المأزق أو الكارثة الكبرى التي تجسدها.

ورأى أن القول بأن الاهتمام بالواقعة يعكس اهتماما بالمؤسسة أمر يفتقر الدقة إلى حد بعيد.

وأوضح أن الإعلان في الأصل إعلان مبوب، مكانه الطبيعي صفحات الإعلانات المبوبة في الصفحات الأخيرة من الصحيفة، ضمن فئة الإعلانات المبوبة الخاصة بالشقق والعقارات والسيارات وخلافه، التي تنشر على عمود وعبر بضعة سطور في نصوص خالية من الصور، وحتى لو كان قد تحول إلى إعلان مساحة على أكثر من عمود، فالطبيعي أن ينشر في صفحة الإعلانات المبوبة أيضا وليس خارجها.

التعليقات الساخرة قوبلت بسخرية مضادة ممن رأوا في الاهتمام بالإعلان ومحاولة تحميله ما لا يحتمل "فراغا وتفاهة"

وأضاف، في منشور على حسابه في فيسبوك، “أما إعلانات الصفحة الأولى بالأهرام، فطوال تاريخها تخضع لمعايير صارمة في الانتقاء، تجعلها في المجمل إعلانات تعرض منتجات وخدمات رفيعة القيمة، تخاطب فئات بعينها، وتخص الفئة الأولى من المعلنين، المتمثلين في الجهات الكبرى التابعة للدولة، وكبريات الشركات العالمية العاملة في السوق المحلية، والبنوك والمؤسسات الاقتصادية المصنفة ضمن الصف الأول وغيرهم، لأن الأهرام كقناة نشر للإعلان، كانت تتوافق مع متطلبات احترام الصورة الذهنية رفيعة المستوى بالسوق لهذه الجهات، التي تحرص دوما على أن تكون إعلاناتها في صحيفة وصفحة تتوافق ومستوى القيمة الذي تراه لصورتها الذهنية، لذلك كان من النادر أن يتسلل إعلان خارج هذه المواصفات إلى الصفحة الأولى للأهرام، وكان من المستحيل تقريبا أن ينشر بها إعلان مبوب أو إعلان يخص أفرادا”.

وخلص إلى أنه في ضوء ذلك، فإن الدلالة الأهم للواقعة، أنها تلقي الضوء مجددا وللمرة الألف وبوضوح على وجود حالة خواء إعلاني بالمؤسسة، جعلت إعلانا مبوبا فرديا متواضع القيمة، يتمكن من مغادرة صفحة المبوبات في الصفحات المتأخرة للصحيفة، ثم احتلال الجناح الأيسر بالنصف الأسفل من الصفحة الأولى، الذي يعد “درة” مساحات الإعلان بالصحيفة كلها، تماما مثل حالة خواء تحريري ومهني، تجعل الكثير من الأخبار والموضوعات التحريرية متواضعة القيمة تتمكن مرارا وتكرارا من مغادرة مكانها الطبيعي على عمود أو اثنين أسفل صفحة داخلية، ثم احتلال قلب الصفحة الأولى أو العنوان الرئيسي “مانشيت الصحيفة”، وهذا هو قلب الأزمة، ومناط الألم في المؤسسة خلال السنوات الأخيرة.

وفي مصر تكابد الصحف القومية تحديدا في مسألة التمويل، حيث تمتلكها الدولة، لكنها ترزح تحت ديون شديدة الوطأة. وتواجه تحديات صعبة وتراجعا كبيرا في المساحات الإعلانية، وهو الأمر الذي يضعها بين سندان البحث عن التمويل للاستمرار، ومطرقة السياسة التحريرية.

5