إعلانات رمضان في مصر.. نجوم يرقصون بلا هدف

عكس تذمر جماهيري على صفحات التواصل الاجتماعي من مستوى إعلانات موسم رمضان في مصر درجة فشل المحطات التلفزيونية والجهات المسؤولة عن المشهد الإعلامي برمته في ابتكار أسلوب ومحتوى جيدين للإعلانات الترويجية، وجرى الاكتفاء بالاعتماد على استقطاب نجوم التمثيل والموسيقى والطرب للقيام بأدوار البطولة فيها، ما انعكس على تقديمها بصورة استعراضية.
القاهرة - تحول عدد كبير من الإعلانات المقدمة على الفضائيات المصرية مع بداية موسم رمضان الدرامي إلى أشبه بأفلام أو مسلسلات قصيرة، تتخللها أغنيات بلا قيمة أو معنى هادف، مع بعض الرقصات التي يؤديها مشاركون في الفقرة الإعلانية، وبدت النسبة الأكبر من الإعلانات بلا أفكار واضحة، وهي الأرضية الخصبة التي يتوقف عليها نجاح الإعلان من عدمه ويترتب عليها مدى تحقيق المنتج لأهدافه.
ويرتبط تحفظ الجمهور على كثير من الإعلانات الرمضانية بعدم ملاءمة النجوم للمنتج الذي يتم الترويج له، ما يؤثر بشكل سلبي على الحملة الإعلانية، لأنها اعتمدت فقط على وجود الفنان أو الفنانة لإضفاء مزيد من المتعة البصرية لا إقناع الناس بالمنتج والكشف عن مزاياه، وهي القيمة المضافة التي يفترض أن تقوم عليها الإعلانات.
ويرى متابعون لهذه الإعلانات أن أزمة النسبة الأكبر منها في موسم رمضان أن أفكارها تأتي سطحية والفنان فيها هو المحور وليس المنتج نفسه، فيكون الاهتمام به على حساب المواصفات والفوائد الخاصة بالسلعة التي يتم الإعلان عنها، لذلك يركز المشاهد على الرقص والموسيقى وأزياء الفنان أو الفنانة طوال الفاصل الإعلاني، وليس السلعة أو المنتج نفسه، وهو ما يثير امتعاض الجمهور.
أزمة النسبة الأكبر من الإعلانات في موسم رمضان أن أفكارها تأتي سطحية والفنان هو المحور وليس المنتج نفسه
ويعتقد هؤلاء المتابعون أنه عندما تصل علاقة المشاهد بالإعلان الترويجي إلى السؤال عن الإعلان الخاص بالفنان وليس المنتج، فهذا يعني فشلا ذريعا في المحتوى برمته، لأن مرحلة التقييم صارت مرتبطة باسم النجم/ النجمة وليس المنتج، لأن النسبة الأكبر من الفواصل يظهر فيها الفنان وهو يتكلم ويغني ويتراقص أكثر من التطرق للسلعة.
وقال حسن علي رئيس جمعية حماية المشاهدين المصريين وأستاذ الإعلام بجامعة السويس بشرق القاهرة لـ”العرب” إن الكثير من الإعلانات التي ظهرت مع بداية موسم رمضان غير جيدة في المضمون وطريقة العرض، وبعضها سحب من رصيد المشاركين، لأنها افتقدت الفكرة والحبكة والرصانة وأصبحت قائمة على النجم فقط.
ويبدو أن القنوات والشركات المنتجة للإعلانات، وهي أيضا تابعة للشركة المالكة للفضائيات المصرية (الشركة المتحدة)، مسؤولة عن ذلك، حيث أن هناك تغيرات مجتمعية وثقافية جذرية طورت من وعي الجمهور، ما أفقد فكرة الاستعانة بالنجم لبيع منتج تأثيرها مهما كانت شعبيته وجماهيريته لأن الناس لن يشتروا ويدفعوا من أجله.
وأكد علي أن التحفظ الجماهيري على بعض الإعلانات أفرز حقيقة هامة مفادها أن العبرة في تفاعل الناس مع الإعلان سلبا أو إيجابا لا تتعلق بمدى شهرة مقدم/ مقدمة الإعلان، المهم جودة المنتج وسعره وفائدته وطريقة استخدامه، لأن الجمهور لن يتفاعل مع منتج لمجرد أن عددا من النجوم يطلبون منه ذلك.
كما أن غالبية الفواصل الإعلانية أصبحت مملة ومستفزة، وتستغرق أكثر من دقيقتين وأحيانا تأتي متسلسلة ويتم تقسيم الإعلان على مشاهد متتابعة متغيرة، ولا يستفيد الجمهور منها بمعلومة جيدة عن المنتجات المعروضة، لأن الإعلان يكون عبارة عن أغنية بإيقاع سريع وموسيقى صاخبة، ما أثر بشكل سلبي على الأعمال الدرامية التي صارت جزءا من الإعلانات، وليس العكس.
عندما تصل علاقة المشاهد بالإعلان الترويجي إلى السؤال عن الإعلان الخاص بالفنان وليس المنتج، فهذا يعني فشلا ذريعا في المحتوى برمته
وأمام تزايد حالة السخط من استسهال القنوات المحلية الفواصل الإعلانية غير الهادفة اتجهت شريحة كبيرة من الجمهور إلى قنوات خليجية تقدم جرعة معتدلة من الإعلانات لا تخل بمعايير المشاهدة وتعرض نفس الأعمال المتاحة بالقنوات المصرية أو يهربون نحو مسلسلات المنصات الرقمية بعيدا عن المطاردة الإعلانية.
ولم تستوعب وكالات الإعلانات ولا الفضائيات المصرية حالة الانقلاب التي حدثت في عادات المشاهدين، فإذا كانوا قبلوا الجلوس في الماضي أمام الشاشات لمتابعة مسلسلات مليئة بالإعلانات، فالوضع تغير وأصبح الجمهور يحدد طبيعة العمل الذي يريده وتوقيت عرضه، وغير مجبر على مشاهدة إعلان غنائي بلا قيمة أو جاذبية.
وأصبح زحف المعلنين إلى جمهور المنصات الرقمية ظاهرة في سبيلها إلى الصعود لكون هذه الفئة لها مكونات شخصية مختلفة عن الكثير من الشرائح الأخرى، فهي ذواقة للفن وشغوفة بالإعلانات المباشرة القصيرة، ولها طريقة خاصة بها تناسب أذواقها، وهذا بالفعل ما توفره بعض الشركات المعلنة على المنصات، عكس القنوات.
وصدر قرار منذ عامين من مجلس تنظيم الإعلام في مصر ألزم كل القنوات بتنظيم مدة الإعلانات في أثناء مسلسلات رمضان واختصار الفواصل الإعلانية إلى 3 مرات فقط، لكن ذلك لم يتم تفعيله حتى الآن دون اكتراث من القنوات ووكالات الإعلانات بأن التمرد على الجمهور قد ينتهي إلى قطيعة معه، لأنهم يمتلكون بدائل للشاشة الصغيرة.
ولفت علي إلى أن مضمون الحملة الترويجية أصبح نسخة مكررة من الرسالة الإعلامية التي تقدمها بعض المنابر، من حيث المحتوى السطحي والممل، والمستفز أحيانا، فلا توجد خطة واضحة المعالم لاستقطاب الجمهور المستهدف، وتغيب مقاييس نسب المشاهدة التي بموجبها يُحكم بالنجاح أو الفشل.
غالبية الفواصل الإعلانية أصبحت مملة ومستفزة، وتستغرق أكثر من دقيقتين
ويمكن اختصار مشكلة الجمهور المصري مع القنوات والإعلانات المعروضة في شقين، الأول أن هناك برامج تلفزيونية دأبت على أن تنقل للمشاهد واقعا ليس حقيقيا لإقناعه بتغير الأوضاع إلى الأفضل، والثاني يتعلق بالإعلانات الترويجية التي تمارس نفس الأسلوب تقريبا، كأن الناس يعيشون في بلد آخر غير الظاهر على الشاشة.
وما يضاعف من الاستفزاز الجماهيري أن نوعية الإعلانات يعاد تكرارها على فترات قصيرة، بهدف تحسين الصورة سريعا المتعلقة بسلعة أو شبكة اتصالات أو حتى مصارف وهيئات حكومية، مثل البريد والبنوك العامة وبعض أنواع السلع الغذائية، لأن معظم الإعلانات لا تروج للكيان بقدر التضخيم من الممثل أو المطرب.
ومنذ بداية إطلاق الحملات الإعلانية مع شهر رمضان يترقب الجمهور معلومات وخدمات وعروضا جديدة بما يفيد تحسين مستوى الخدمة أو تطوير السلعة ومزاياها، لكن ذلك لم يحدث، ما يعني أن الجهات المعلنة لا تُدرك كيفية الوصول إلى حالة الرضا المجتمعي حول المنتج أو تعرف ما المطلوب لتدقيق شكل ومضمون وأسلوب وطريقة وتوقيت الإعلان.
وبغض النظر عن الأسباب والدوافع وما إذا كانت مرتبطة بغياب الكفاءات والمحترفين أم الجهل بتطلعات الجمهور من جانب وكالات الإعلانات، فالغضب على ما يُقدم من حملات ترويجية في رمضان أثبت أنه من الصعب إقناع الناس إعلاميا أو إعلانيا بشيء يتناقض مع واقعهم، وأن الاستعانة بالمشاهير وحدهم للتسويق لن يُجدي نفعا.