إعلانات إصلاح التعليم في إعلام مصري غير مؤثر تثير سخرية الرأي العام بدل إقناعه

أزمة وزارة التعليم تكمن في أنها غير مدركة أن التعليم بالنسبة إلى المصريين يحتل أولوية.
الجمعة 2022/05/20
إعلام مقيد لا يقنع

القاهرة - عكس إعلان ترويجي عن تطوير التعليم جرى بثه بشكل متكرر على قنوات مصرية مختلفة أخيرا، أن الحكومة أصبحت عاجزة عن إقناع الشارع بخطة إصلاح المنظومة التعليمية في ظل ارتفاع وتيرة الغضب لدى الطلاب وأولياء الأمور بسبب التخبط في سياساتها وتكرار الصدام بينها وبين وزارة التعليم.

شرح الإعلان للرأي العام فلسفة التطوير التي تقوم عليها الحكومة في ملف التعليم، وألا يكون هناك اهتمام بالدرجات والحصول على مجاميع مرتفعة على حساب التعلم كهدف أهم، وهو ما يتناقض مع نظام الالتحاق بالجامعات الذي لم تغيره الحكومة منذ عقود ويعتمد على تصنيف الطلاب وفق المجموع الأعلى ونسبة الدرجات.

وهذه هي المرة الأولى التي لجأت فيها الحكومة إلى إعلانات تستهدف تبييض صورة المشروع التعليمي، باعتبار أن الرئيس عبدالفتاح السيسي هو من أطلق استراتيجية تطوير التعليم قبل خمس سنوات، لكن وزارة التعليم أخفقت في إقناع الشارع بها ودخلت في صراعات مع الطلاب وأسرهم وظهرت مقاومة غير مسبوقة للمشروع.

كمال مغيث: إقناع المواطنين بخطط طموحة لا يكون عبر إعلان

وقوبل الإعلان بنوع من السخرية لكونه يتحدث عن عالم خيالي أو تعليم مواز في دولة أجنبية، إذ جاء مثاليا في محتواه وبطريقة تناقض البيئة التعليمية في مصر، فلم يُظهر تهالك البنى التحتية في أغلب المؤسسات التعليمية وتكدس الطلاب في الفصول، والنقص الحاد في عدد المعلمين وجرى تصويره في قاعات متطورة بطريقة توحي بأن الرفاهية من أبرز شعارات المدارس الحكومية.

وتكمن أزمة وزارة التعليم في أنها مقتنعة بوجود مقاومة من الشارع لإصلاح المنظومة ضمن خطة تستهدف تخريب العقول تقف وراءها عناصر وتيارات معادية دون إدراك بأن التعليم بالنسبة إلى المصريين يحتل أولوية تتخطى اهتمامهم برغيف الخبز (العيش).

وتبحث أسر كثيرة لأولادها عن تعليم متطور بدليل سعيها المستمر للإقبال على المدارس الخاصة والدولية، وأن التمرد الحاصل مرتبط بالتخبط في السياسات التعليمية وعدم وضوح الرؤية وتجاهل وضع اتفاق حاكم لعلاقة الطالب بالوزارة.

وطبقت وزارة التعليم نظام امتحانات “أوبن بوك” أي الإجابة من الكتاب المدرسي المفتوح في مرحلة البكالوريا ليتعود الطالب على الفهم بدلا من الحفظ، وبعد تماهي الطلاب مع النظام قررت إلغاءه بدعوى أنه وسيلة للغش.

ورغم توزيعها أجهزة تابلت بمئات الملايين من الدولارات على الطلاب لأداء الامتحانات عليها، لا تزال البنية التكنولوجية بالمدارس ضعيفة، ما يتسبب في سقوط نظام الامتحانات الإلكتروني باستمرار، وصدمت مؤخرا الطلاب الذين سيتعرضون لمشكلات تقنية بإعادة امتحاناتهم.

وقال كمال مغيث الباحث والناشط التعليمي بمركز البحوث التربوية في القاهرة لـ”العرب” إن إقناع المواطنين بخطط طموحة لا تتناسب مع الواقع لا يكون عبر إعلان، لأن تهدئة الناقمين على السياسة التعليمية تتطلب تحركا يقوم على دراسة المشكلة وأسبابها وعلاجها بشكل عقلاني بعيدا عن العناد مع شريحة ليست قليلة في المجتمع.

وأصبحت طلبات الإحاطة البرلمانية ضد طارق شوقي وزير التربية والتعليم عادة مستمرة جراء تذمر الأهالي، والطلاب البالغ عددهم في المدارس الحكومية 26 مليونا، وأصبحت هناك فجوة شاسعة بين الشارع وحكومة تداوم على الدفاع عن السياسة التعليمية حتى بات الحراك الأكبر من نوعه على شبكات التواصل الاجتماعي ينصب على الشكوى من قرارات وزارة التعليم.

وكشف قيادي برلماني لـ”العرب”، تحفظ على نشر اسمه، أن “نواب حزب مستقبل وطن ناقشوا مؤخرا أداء الوزارات في نظر الشارع وأجمعوا على أن ملف التعليم يحتل المرتبة الأولى من حيث الملفات التي يثار ضدها الغضب من الناس، وهو الملف الأبرز الذي لم تستطع الحكومة تقليل الفجوة فيه بينها وبين المواطنين”.

ويمثل حزب “مستقبل وطن” الظهير السياسي للحكومة المصرية، وكل ما في وسعه تقديم طلبات إحاطة برلمانية ضد الوزير ومحاسبته لامتصاص غضب الشارع الناقم على السياسة التعليمية، في محاولة لإبعاد الإخفاق عن الرئيس السيسي باعتباره أكبر الداعمين لتطبيق نظام تعليمي عصري.

ويبدو أن الإعلان الترويجي، والذي حظي بسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي من طلاب وأسرهم، كان محاولة لتقليل تذمر الأهالي من مشروع رئاسي طالما أن الجهة المنفذة له أخفقت في مخاطبة الناس بالطريقة التي تقنعهم.

وأضاف مغيث لـ”العرب” أن عدم وجود رؤية مستقبلية واضحة ومتفق عليها تخص ما يرتبط بالمنظومة التعليمية أوجد أرضية خصبة للغضب، فلا يمكن مفاجأة الجميع بإجراء امتحانات غير متفق عليها، وتطبيق نظام رقمي لها لا يتناسب مع بيئة المدارس، مع أنه يمكن توجيه هذه المبالغ لسد العجز في المعلمين والمدارس.

وأوجد الغضب المتصاعد من الطلاب وأولياء الأمور نوعا من المعارضة الشعبية غير السياسية، تتعلق بأسر مدفوعة بخوفها على أهم استثمار لديها، وهم الأبناء الذين يمثلون بالنسبة إلى الأب والأم خطا أحمر لا يجوز المساس به.

ويعكس التعويل على إعلان ترويجي في إعلام فقد جانبا كبيرا من تأثيره مدى التخبط في سياسة الحكومة وغياب الحنكة والرشادة في إدارة الأزمات المرتبطة بملفات جماهيرية، حيث تبدو وكأنها مصممة على ملامسة الخط الأحمر الذي حدده الأهالي.

 وأضر التضييق بسمعة الإعلام المصري الذي كان مؤثرا في مراحل سابقة، وفقدت الحكومة جوانب مهمة في إيصال صوتها وما يقوم به النظام برمته من إنجازات على الأرض، حيث أدرج التركيز على مشروعاته التنموية ضمن الأطر الدعائية.

وتبدو المسألة الإعلامية في مصر معقدة ومركبة، غير أنها ليست عصيّة على الحل إذا اقتنعت الحكومة بأن الإعلام الحر أكثر فائدة من المقيد، والمقارنة بينهما لا تصلح بعد أن أكدت حصيلة السنوات الماضية أن إعلاما حرّا بضوابط عادلة يمكنه أن يصبح واجهة يستفيد منها النظام المصري في مواجهة خصومه الذين استثمروا التضييق للتشكيك في توجهاته السياسية ومشروعاته التنموية.

16