إعلام المقاومة يستهدف التقارب اللبناني - العربي لتحويل الأنظار عن سلاح حزب الله

زادت مؤخرا حدة لهجة الإعلام "الممانع" تجاه دول عربية في منابره التقليدية وعلى صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي بالتوازي مع تكثيف الجهود لإعادة العلاقات العربية – اللبنانية إلى مسارها الطبيعي والتي تصب لصالح سيادة الدولة ونزع سلاح الحزب، ما دفع الرئاسة إلى مطالبة الإعلام بالتوقف عن التطاول على الدول الشقيقة.
بيروت - أصدر مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية اللبنانية بيانا طالب فيه جميع وسائل الإعلام المحلية بضرورة التحلي بالمسؤولية الوطنية والقانونية والأخلاقية، وعدم التطاول، تجنيا أو تلفيقا أو تركيبا، على أي جهة خارجية صديقة للبنان، وخصوصا من الأشقاء العرب، ورغم أن البيان لم يشر إلى جهة محددة إلا أن الإشارة ذهبت إلى إعلام “المقاومة والممانعة” التي تحاول ضرب التقارب اللبناني – العربي.
وقالت الرئاسة في بيانها إنها “تهيب بالجميع. وبالأخص في قضايا وتوقيت تلامس حد التآمر على المصالح الوطنية العامة. وإذ تكرر رئاسة الجمهورية تمسكها الكامل بحرية التعبير وبقدسيتها، تذكر المعنيين بهذه الحرية، بأن لها مقتضيات ثابتة، أولها الحقيقة، وثانيها الانتظام العام في مجتمع ديمقراطي، تماما كما ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وبالتالي فإن أي خروج عن هذه المقتضيات، يعرض مرتكبه لوقوعه خارج إطار الحرية، وفي خانة الارتكاب المشهود”.
وأفادت مصادر مطلعة بأن المقصود بهذا البيان هو الإعلام “الممانع” الذي يدين بالولاء لإيران وكلما ارتفعت الأصوات المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة ونزع سلاح حزب الله، يتجه إلى شن هجمات على الدول العربية التي يسعى لبنان إلى توطيد العلاقات معها بعد فترة من التوتر بسبب هيمنة حزب الله على القرار في البلاد، وما تسببت به من عزل لبنان عن محيطه الإقليمي.
وزادت في الآونة الأخيرة حدة لهجة الإعلام “الممانع” تجاه دول عربية، في صحفه وعلى صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، في انعكاس لما يقوله الفريق السياسي التابع له وما يدور في الغرف المغلقة.
ومنذ خسارة المحور وحزب الله تحديدا، حرب الإسناد، وانتخاب جوزيف عون رئيسا للجمهورية، وتكليف القاضي نواف سلام رئاسة الحكومة، رضخ الحزب للأمر الواقع الجديد وتقيد مسؤولوه إلى حد كبير، بطلب من رئيس البلاد وأوقفوا مهاجمة الدول العربية، لكن يبدو أنه حول هذه المهمة إلى إعلامه.
ويعتبر هذا الفريق أن مسألة وضع سلاح الحزب على طاولة البحث في الداخل، تمهيدا لتسليمه وحصره بيد الشرعية، تأتي في مسار الجو العربي الدولي، الذي أوصل العهد الجديد، أي أنه يرى أن الإصرار الرسمي على معالجة قضية السلاح يأتي بناء لطلب خارجي وتحديدا أميركي – سعودي، ومن هنا تم تكليف الإعلام الممانع بالتصويب على العرب.
وكتب النائب مارك ضو عبر إكس “انفتاح عربي على لبنان طال انتظاره، مواقف سياسية واضحة من رئيس الجمهورية، زيارات مرتقبة لرئيس الحكومة لدول عربية عدة، كل هذا ويعود الإعلام الكاذب الأصفر إلى محاولة نسج مؤامرات وتلفيق أخبار، كله محاولة لوقف إعادة ربط لبنان بالعمق العربي. حملات التخوين والترهيب للإعلام اللبناني والرسائل غير المباشرة للرؤساء لن تنجح في وقف مسار الانفتاح الكامل على العالم العربي وتثبيت خروج لبنان من المحور الساقط”.
ويعتمد الإعلام الموالي لحزب الله إستراتيجية مزدوجة؛ فهو من جهة يشن هجمات على معارضي الحزب في الداخل والخارج وعلى المطالبين بنزع سلاحه سواء على شاشاته التلفزيونية أو على مواقع التواصل الاجتماعي عبر لجانه الإلكترونية التي تستهدف كل من يتحدث عن هذه القضية، ومن جانب آخر يعتمد الحزب على تكريس دعاية إعلامية تركز على الجانب البصري.
ومؤخرا أطلقت قناة المنار التابعة لحزب الله حملة إعلانية تحمل شعار “سلاحك حصانك… إذا صنته صانك”، إضافة إلى نشر ملصقات دعائية وتكثيف المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، في حملة تجييش ضد المطالبين بسحب سلاحه رغم تعهدات الدولة للمجتمع الدولي بهذا الشأن، فيما يبدو أن الحزب يقاوم نهايته.
وأثارت الحملة الدعاية جدلا واسعا على مواقع التواصل وبين اللبنانيين باعتبارها محاولة واضحة لتحدي الجهود اللبنانية والدولية التي تُبذل لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، بينما يطلق مسؤولو حزب الله حملات مضادة لهذا المسار الذي أكد عليه الرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، اللذان يتمسكان في الوقت نفسه بالحوار للتوصل إلى تفاهم داخلي بعيدا عن أي صدام داخلي.
وبالتوازي مع حملة “سلاحك حصانك” شن مسؤولون في الحزب، على رأسهم النائب حسن فضل الله، هجوما على الإعلام معتبرين أن كل ما يثار بهذا الشأن هو من المحرضين ومواقع التواصل الاجتماعي. وتحدث فضل الله عن “حرب نفسية على المقاومة وبيئتها عبر بث أخبار لا أساس لها.”
بدوره خرج مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، في حديث لإذاعة “النور” التابعة للحزب، ليقول إن “كلمة نزع السلاح ليست موجودة إلا على وسائل التواصل الاجتماعي… والمحرضين”، معتبرا أن “الحديث فقط عن الإستراتيجية الدفاعية يكون بعد انسحاب إسرائيل ووقف اعتداءاتها، والإستراتيجية تبدأ بتسليح الجيش.”
وتوجّه إلى جمهور “المقاومة” قائلا “كل ما تسمعونه ‘هوبرات’ لا تتأثروا بها. لا توجد قوة تستطيع نزع السلاح”، مضيفا “ثقوا بحزب الله وقيادته كما كنتم تثقون بسماحة السيد الشهيد (الأمين العام السابق حسن نصرالله).”
وفي إطار الحرب الإعلامية التي أطلقها الحزب على خصومه هدد نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله محمود قماطي بقطع كل يد تمتد إلى سلاح المقاومة”، ليعود بعد ذلك ويوضح أن المستهدفين بكلامه “هم من يشنون عليه الحملات ويطالبون بنزع سلاحه.”
كذلك كان النائب فضل الله قد شنّ هجوما على الدولة اللبنانية، معتبرا أن “العدو يستفيد من ضعف الدولة وعجزها وعدم قيامها بمسؤولياتها الكاملة في مواجهة الاعتداءات.”
وترى مصادر مطلعة أن هذه الرسائل التي يبعث بها مسؤولو الحزب عبر الإعلام، وتدور جميعها في فلك سحب سلاح الحزب والإستراتيجية الدفاعية، “موجّهة إلى بيئة الحزب أكثر منها إلى الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي بعدما بات الجميع مقتنعا بأن القرار قد اتُّخذ، ومسار حصر السلاح بيد الدولة قد بدأ”، وأضافت أن ما يحصل من تصريحات وحملات دعائية يأتي في خانة “الاستهلاك المحلي تمهيدا لاستيعاب بيئة الحزب التبدلات التي تحصل، ورسائل للداخل بأننا موجودون”، واصفة المواقف بأنها “غير واقعية”.
ولا تخرج هذه الحملات عما دأب عليه حزب الله في هجومه على الإعلام، ففي فبراير الماضي اختار النائب عن حزب الله إبراهيم الموسوي توجيه الانتقادات نحو المؤسسات الإعلامية اللبنانية وتصنيف تغطياتها إلى ثلاثة مستويات.
وفي حديثه لموقع “المنار” التابع للحزب في الأول من فبراير، اعتبر الموسوي أن بعض وسائل الإعلام كانت “مقصّرة” في تغطية الأحداث. وانتقد “تلفزيون لبنان” الرسمي لاختياره بث الرسوم المتحركة بدلا من مواكبة التطورات الميدانية.
كما اتهم وسائل إعلام أخرى باتباع أجندات تخدم “العدو”، من خلال تسليطها الضوء على حجم الدمار في القرى الجنوبية، وهو ما وصفه بمحاولة لتشويه صورة “المقاومة” وتحميلها مسؤولية الأضرار.
في المقابل أثنى الموسوي على ما أسماه “الإعلام الملتزم بالهوية الوطنية”، الذي تبنى رواية حزب الله وعكس ما وصفه بـ”الصورة الحقيقية لصمود الأهالي وثباتهم والتفافهم حول خيار المقاومة”، في إشارة إلى المنابر الموالية لإيران.