إعلاميون مصريون يصبون الزيت على نار التعصب الرياضي

إلهاء الجمهور عن السياسة بالسجال الرياضي يحمل عواقب خطيرة.
الخميس 2021/09/16
الانحياز بطل الحلقة

أسرفت العديد من القنوات المصرية في التركيز على الموضوعات الرياضية المثيرة وتجاهل القضايا السياسية المهمة، وتخلى بعض مقدمي البرامج عن الحياد في التعامل مع مجال يشهد تعصبا جماهيريا كبيرا ويقتضي من الإعلامي التهدئة وليس إشعال النار بين المتنافسين.

القاهرة - وجدت قنوات فضائية مصرية ضالتها في القضايا الرياضية مع احتدام المنافسة بين ناديي الأهلي والزمالك الأكثر جماهيرية في البلاد، لتهرب من مناقشة الملفات السياسية الداخلية والخارجية التي تحتاج نقاشا عقلانيا وتعددا في وجهات النظر وطرحا في الأفكار.

وحفلت برامج “توك شو” شهيرة خلال الأيام الماضية بتجاذبات غير مألوفة كشف فيها بعض مقدميها على انحيازهم لأحد الأندية الشعبية، الأهلي أو الزمالك، رغم أن الإعلامي يستوجب أن يلتزم الحياد ولا يفصح عن هويته الكروية.

وفتح الحوار الذي أجراه الإعلامي عمرو أديب في قناة “إم.بي.سي مصر” قبل أيام مع كابتن فريق الزمالك لكرة القدم محمود عبدالرازق الشهير بـ”شيكابالا”، النار على الإعلامي لأنه بدا مبالغا لجمهور الفريق المنافس، فشيكابالا أو شيكا كما يحب مؤيدوه مناداته من أكثر اللاعبين استفزازا في الملعب وخارجه وله خلافات حادة مع مشجعي ولاعبي وإداري النادي الأهلي، ومع ذلك تعمد  أديب تدليله والتغزل بمهاراته انطلاقا من ميوله الكروية لنادي الزمالك.

وتقتضي المهنية الإعلامية ألا يعلن أي إعلامي عن الفريق الرياضي الذي يشجعه، ودائما يحاول الجمهور أن يستشف هوية النقاد الرياضيين ويتحسسون الكلمات وما وراءها أملا في التعرف على أي فريق يشجعون، وكان الكاتب الراحل نجيب المستكاوي من أهم وأكبر النقاد الرياضيين في مصر، لكن لا أحد يعرف انحيازاته الكروية بشكل قاطع، حيث كان ينتقد عندما يكون النقد واجبا ويمدح كذلك ولا يستأثر فريقا بعينه.

من هنا جاءت شعبيته الجارفة لدى متابعي كرة القدم في مصر ويسير على نهجه ابنه الناقد الرياضي حسن المستكاوي، فهو من أكثر الأصوات الصحافية تعقلا ورصانة.

وبدت هذه الظاهرة عرفا سائدا لفترة طويلة في الإعلام المصري إلا في استثناءات قليلة يتداخل فيها العمل الصحافي مع الرياضي، كأن يتولى الصحافي بصحيفة الأهرام مرسي عطالله رئاسة نادي الزمالك أحيانا، أو يرأس أحدهم تحرير صحيفتي الأهلي والزمالك، وهو تحول زاد في الآونة الأخيرة وأسهم في رواج الصحافة الرياضية.

ويفسر خبراء الإعلام هذا الرواج بالعجز عن مناقشة القضايا الأخرى بحرية، فالرياضة مجال فسيح يستهوي الكثيرين ولا يمثل إزعاجا للسلطة، وربما على العكس تطرب له وترتاح للصخب الدائر حوله ولا تتدخل لوقفه.

ويشجع أديب نادي الزمالك منذ زمن وكان يحول هذا التشجيع لفكاهة دون تحريض خفي على الفريق المنافس.

وتساءل متابعون إذا كان الإعلامي يمارس هذا التشجيع الأعمى، فماذا ترك للجمهور المتعصب، وكيف ينصحه في اليوم التالي بالكف عن حماسه والتزام الروح الرياضية مع الفريق المنافس؟

تضخيم الملف الرياضي يحوله إلى قنبلة موقوتة ربما تنفجر في وجه السلطة، ولا يستطيع الإعلام نزع فتيلها
 

وبدا الانحياز الذي ظهر على أديب موجها لخدمة أهداف معينة، ومحاولة لدفع مشجعي اللعبة الشعبية الأولى في مصر ليصبوا همومهم في الرياضة بدلا من السياسة، لأن إحدى مهام مقدم البرنامج أن يكون ممثلا للطرف الغائب في الحوار، وهو ما تجاهله أديب في حواره الشهير مع شيكابالا، وصمت عن كل ما يستحق الرد عليه، بما يوحي بالاقتناع والقبول به، وفتح الطريق أمام الجمهور المنافس لمضاعفة تعصبه.

ولم يكن أديب الوحيد الذي دخل على هذا الخط في الإعلام المصري، حيث انضم إليه الإعلامي إبراهيم عيسى مقدم برنامج “حديث القاهرة” على قناة القاهرة والناس الذي شن في إحدى حلقاته حربا ضروسا على النادي الأهلي ورموزه، واختار شعاره “الأهلي فوق الجميع” ليشبهه بشعارات النازية إبان عهد أدولف هتلر، وكأنه تعمد استفزاز الجمهور الذي بادله بحملة شعواء على مواقع التواصل الاجتماعي لم تهدأ ملامحها حتى الآن، وجرى التفتيش في ملفات عيسى ووجد بعضهم مقالات سابقة كتبها الرجل تغزلا في النادي الأهلي.

وقد ألقى عيسى بهذا الحجر وتركه قاصدا للجماهير يكبر مثل كرة الثلج، فمنهم من استحسن كلامه وأغدق وأزبد عليه، ومنهم من استفزه فهاجمه، وزادت حدة السخونة بين مشجعي الأهلي والزمالك ووصلا إلى المربع ذاته الذي أراده أديب، تراشق وتلاسن وانغماس في فواصل طويلة من الشتائم المتبادلة.

ودخل ضمن هذه المعركة الإعلامية المفتعلة، قبلها وبعدها، الإعلامي أحمد موسى مقدم برنامج “على مسؤوليتي” على قناة صدى البلد، ومعه تامر أمين مقدم برنامج “آخر النهار” على قناة النهار، كمؤيدين بضراوة لفريق الأهلي وتعمد كلاهما الدفاع عنه ولاعبيه ومشجعيه، وتوجيه انتقادات للفريق المنافس في محاولة لجره إلى خانة التطاول التي باتت شائعة بين شريحة كبيرة من رواد ومتابعي المنصات الإلكترونية، وانتقل منهم إلى الإعلام التقليدي والعكس.

وبعيدا عن تجاهل الإعلام للقضايا السياسية المهمة التي يفتحها عندما يكون مطلوبا منه ذلك، فإنه أسرف بالتركيز على الموضوعات الرياضية المثيرة، والتي تستنفر قطاعا كبيرا من المواطنين بحكم انجذابهم وتشجيعهم لفرقهم، ولم تعد قاصرة على كرة القدم، فكل لقاء طرفاه الأهلي والزمالك، في ألعاب أخرى مثل السلة والطائرة، أصبح قابلا للاشتعال والمزايدات التي يلعب الإعلام دورا رئيسيا في تغذيتها بما يخرجه عن مهمته ويقربه من التثوير والتحريض.

أزمة الإعلام المنحاز في تفاقم

ويؤكد خبراء إعلام أن التخلي عن الدور الطبيعي لن يبعد الناس عن السياسة ولن يحول الرياضة إلى وسيلة لإلهاء المواطنين أوعدم تطرقهم لملفات اقتصادية واجتماعية تنكأ جراحا عديدة لدى الحكومة، فبعد برهة من الوقت سوف يتضخم الملف الرياضي ويصبح قنبلة موقوتة ربما تنفجر في وجه السلطة السياسية، ولا يستطيع الإعلام مهما تعددت أدواته نزع فتيلها، إذ راج التعصب بطريقة يصعب معها الاحتواء.

ويعكس الاهتمام بالرياضة بشكل مبالغ فيه مستوى الوعي في الإعلام المصري، ومسايرته للجمهور وليس العكس وينقلب دوره من قائد إلى تابع، ومن مرشد جاد إلى لاه بالوطن، هذا بافتراض أن المعالجة الإعلامية جاءت من القائمين عليها وليس بتوجيهات من جهات نافذة في الدولة، وفي الحالتين ستكون النتيجة واحدة وتصب في الخانة السلبية للمجتمع.

ويؤدي الانسياق وراء جمهور الرياضة وتجاهل فئة أكبر من جمهور يحرص على متابعة قضاياه الوطنية إلى غرام الأول بالتعصب وتحويله إلى جزء من مكوناته الشخصية وتركه يتزايد، بينما ينصرف الثاني نحو متابعة ما يهمه في وسائل إعلام خارجية يجد فيها ما يمكنه من المتابعة، وتصبح الفرملة التي حدثت مع وسائل الإعلام التي تبث من تركيا وقطر بلا فائدة ومن الصعوبة الاستفادة من نتائجها، لأن هذا الجمهور سيوجد لنفسه الوسائل التي تشفي غليله.

ومن أبرز الوسائل المهيأة لهذا الدور وسائل التواصل الاجتماعي التي تقوم بدور حيوي على الجانبين، فعلى مستوى الجمهور الرياضي شهدت زخما كبيرا ومنحتها البرامج التي أظهرت قدرا من التعصب في معالجتها مجالا جديدا تتغذى عليه يمدها كل يوم بالأحداث التي تثير غضبه أو تشفي غليله وترتفع البورصة على المنصات وفي الإعلام التقليدي وتتوه القضايا السياسية الملحة.

18