إعلاميون بصفة "سياسيين" في مواجهة القوى التقليدية في العراق

صحافيون يستثمرون السلاح الإعلامي لاستقطاب أصوات الناخبين.
الاثنين 2024/08/05
البعض دفع الثمن غاليا

بغداد - دخل العديد من مقدمي البرامج والمراسلين الصحافيين في وسائل الإعلام العراقية في بغداد وأربيل للعمل السياسي مستفيدين من شعبيتهم، سواء في البرلمان أو الحكومة، وحاول البعض من “السياسيين الجدد” استثمار السلاح الإعلامي في مواجهة القوى التقليدية الحالية و”إزعاجها” للحصول على الاستحقاقات المطلوبة.

وذكرت وكالة شفق نيوز في تقرير لها أن بعض هذه التجارب نجحت واستمرت، وأخرى انتهت قبل أن تبدأ، وتولى بعض الصحافيين مناصب مهمة، في حين تراجع بعضهم عن العمل في الجانب السياسي وعاد إلى العمل الإعلامي مجددا لأسباب مختلفة، بينما “دمج” بعضهم بين العملين الإعلامي والسياسي لاستقطاب الجمهور العراقي.

ويجد صحافيون أن العمل الإعلامي “السياسي” يصطدم بحواجز المال والسلاح، في حين يرى آخرون أن دخول الإعلاميين إلى المجال السياسي “ضرورة” مطلوبة.

وقال رئيس تيار الخط الوطني عزيز الربيعي إن “العاملين في الإعلام السياسي (أنا وآخرين) لوحظ أن هناك مسؤولية في المرحلة المقبلة للتصدي للعمل السياسي، خصوصا وأن المرحلة المقبلة هي للشباب أو الجيل الثالث الذي سيتصدى للعملية السياسية”.

وعمد الربيعي، بالتعاون مع مجموعة من الشباب من تخصصات مختلفة إلى تشكيل تيار سياسي وليس حزبا إيمانا منهم بأنه مشروع سياسي اجتماعي جماهيري وليس انتخابيا يؤمن بمبدأ الدولة وقبول الآخر، مضيفا “قد لا نشترك في الانتخابات المقبلة ونتوجه إلى العملية السياسية في مرحلة لاحقة”.

عزيز الربيعي: الإعلامي لديه فرصة للنجاح مقارنة بمن أسسوا كيانات سياسية
عزيز الربيعي: الإعلامي لديه فرصة للنجاح مقارنة بمن أسسوا كيانات سياسية

وعمل في مؤسسات إعلامية عراقية كان أبرزها العمل في قناة الشرقية الفضائية التي كان يقدم فيها برنامج “قيل وقال” ويستعرض فيها وثائق عن فساد بعض المؤسسات الحكومية.

وأشار إلى أن التعامل مع السياسيين بحكم العمل الإعلامي، يعتبر عاملا مساعدا للدخول إلى العمل السياسي باعتبار الإعلامي هو من أكثر الفئات اطلاعا على مجريات الأمور وشكل وهوية الاجتماعات والتحالفات والأسرار المتعلقة بسير العملية الديمقراطية، لذلك يجد أنه يمتلك فرصة أكبر للنجاح مقارنة بغيره ممن أسسوا كيانات سياسية وهم لا يعرفون شيئا عن ما تتبناه هذه القوى من أفكار غير معلنة.

ويؤكد الكثيرون أن العمل السياسي لا يختلف كثيرا عن الإعلامي، وقال القيادي في تيار الخط الوطني حامد السيد “كنا نتصدى في العمل الإعلامي لمشكلات سياسية تلامس جوهر الأزمة المتصلة بالنظام والمعادلة السياسية، وفي السنوات التي قضيناها في الإعلام السياسي كنا نشخص أخطاء المعادلة السياسية ومشكلة التوازنات التي تسمى في الواقع بالمحاصصة وتقاسما وتغانما للسلطة بين الأحزاب، فضلا عن الاستحقاقات السياسية التي كانت تغتنم وتتلاعب بمقدرات البلد ومصلحة المواطنين، للوصول إلى حلول، بل كنا نطرح برامج سياسية للقوى الماسكة بالسلطة وهي برامج حقيقية تعالج مشكلات لا يزال يعاني منها المواطن والبلد بشكل عام”.

وذكر السيد، وهو صحافي عراقي عمل في عدد من المؤسسات الإعلامية كان آخرها مؤسسة المدى، خلال حديثه للوكالة شفق نيوز “وصلنا إلى قناعة ومسؤولية شخصية بأن لا نكتفي بطرح المشكلات السياسية، بل لا بد من إزعاج هذه الطبقة السياسية بفعل يؤثر على وجودها واستحقاقها السياسي من خلال التصدي للفعل السياسي، وهو تصد يعد مغامرة ومجازفة في العراق، فأنت إن لم تكن تمتلك المال والسلطة والسلاح لا يمكنك أن تؤثر وتتساوى مع هذه القوى السياسية”.

وتحدث عن تجربته مع مجموعة من الإعلاميين الذين لم تتلطخ قناعاتهم بالتبعية السياسية منذ عام 2003 وحتى اليوم ولم يتأثروا بالمال السياسي السائب والفاسد، فاتفقوا على تأسيس تجربة “الخط الوطني” التي أعلنها السيد من عزيز الربيعي، وهي تجربة ناشئة ولكنها اتعظت من تجارب الحركات السياسية الناشئة والتشرينية.

وأوضح السيد “سبب اتعاظنا أن هذه الحركات لم تكن مستقلة بشكل تام وكانت تمارس الفوضى والعبثية السياسية وناقصة خبرة، ولدينا خبرة كافية للتعامل مع القوى التقليدية السياسية ولكننا لا نؤمن بالسلاح والتغيير العنيف”.

وبيّن أن المسار صعب وهناك حاجة إلى تثبيت أقدامهم في العملية السياسية وإقناع الشعب العراقي الذي أحبط من أي تجارب حزبية وينظر لها على أنها تجارب فئوية وثراء فاحش وفساد مالي وفوضى.

وبيّن أنهم يؤمنون بإزاحة الجيل القديم ويعولون على الجيل السياسي التسعيني والألفيني في هذا الجانب، موضحا أن الصحافي الناجح هو من يستطيع أن يكون مؤثرا ومتبوعا وغير تابع وأن الصحافة في ظل تراكم التخبطات الحالية وعدم الاستقرار هي مصدر إلهام لأي شخص يريد أن يكون سياسيا ناجحا.

ولا تختلف تجربة الإعلاميين السياسيين كثيرا بين بغداد وإقليم كردستان، ولفت الإعلامي السابق وعضو مجلس النواب العراقي عن محافظة السليمانية كاروان يارويس أنه بدأ العمل الإعلامي منذ عام 1999 في مجال الصحافة المقروءة وبعدها عمل كمراسل صحفي في جريدة “كوردستان نيو” وتدرج في عدد من المؤسسات الإعلامية قبل الدخول في الميدان السياسي.

وأوضح يارويس، النائب الحاصل على شهادة البكلوريوس في الإعلام، أن بداياته كانت في مجال الإعلام الحزبي والسياسي فهو كان يعمل في المجالين سوية على الرغم من امتلاكه آرائه الخاصة، مبينا أنه وبعد تسلمه إدارة إحدى المؤسسات الإعلامية دخل معترك السياسة تدريجيا وفي عام 2014 أصبح مدير إعلام المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني وفي عام 2021 أصبح عضوا في مجلس النواب العراقي في دورته الحالية.

لكنه يرى أن العمل في مجال الإعلام والسياسة مختلفان على الرغم من وجود بعض الترابط بينهما لكنهما يحتاجان إلى المتابعة والاطلاع المستمر وأن تكون متصلا بالجمهور بصورة مستمرة.

وأكد أن العمل السياسي في العراق وكردستان لا يسير وفقا للثوابت العالمية والمخطط لها لأن العمل السياسي في كل البلدان هو ظاهرة حضارية ومدنية، لكن في العراق “نجد أن العمل السياسي عمل مكلف وثقيل، والملفت للنظر أن المجتمع العراقي والكردستاني أصبح مجتمعا سياسيا لهذا نجد أن العمل السياسي في الإقليم والعراق وصل إلى حد لا تستطيع العمل فيه بأفضل مما هو موجود”.

العمل في مجال الإعلام والسياسة مختلفان على الرغم من وجود بعض الترابط بينهما لكنهما يحتاجان إلى المتابعة والاطلاع المستمر

وقال النائب السابق في برلمان إقليم كردستان ومنسق تيار الموقف علي حمه صالح إنه “دخل ميدان العمل السياسي منذ عام 2011 حيث كان عضوا في المجلس القيادي لحركة التغيير، لكنه في بداياته عمل في مجال الصحافة وبالأخص في الصحافة الاقتصادية”.

وأضاف صالح أن “هدفه من العمل في السياسة والإعلام، هو استثمار هذين المنبرين أو المجالين لخدمة الشعب”، مشيرا إلى أن “من واجبات الإعلامي نقل المعلومات بدقة وحقيقة ونشرها، والعمل السياسي مسؤولياته أكبر وأوسع من الإعلامي”.

وعن وضع العمل السياسي في العراق وكردستان، رأى أن “العمل السياسي في العراق شاق ومتعب لأن بعض الأطراف السياسية في العراق تمتلك أجنحة مسلحة ولها نفوذ في المؤسسات الحكومية”، مبينا “للأسف فإن العمل السياسي في العراق تحول لدى بعض السياسيين إلى عمل تجاري، ولهذا نجد أن السياسة تفقد أهدافها الوظيفية في العراق”.

في المقابل، اعتبرت النائبة السابقة في برلمان كردستان فيان عباس أن “الصحافيين كونهم السلطة الرابعة وبحكم قربهم من الناس ونقل معاناتهم عن طريق الصحافة، فإنهم يمثلون النخبة والشريحة الأكثر شهرة في المجتمع والناس تثق بهم، فهذه عوامل لدخول الصحافيين عالم السياسة وقبة البرلمان ومجالس المحافظات”.

وذكرت عباس، مسؤولة نقابة صحافيي كردستان، فرع دهوك حاليا أن “الصحافيين الذين يدخلون عالم السياسة لديهم طموحات أيضا، فهم أيضا مثلما ينقلون معاناة الناس يعملون على معالجتها سواء أكانوا في منصب سياسي أو في البرلمان، وأجد أن دخولهم عالم السياسة ضرورة لأن العمل الصحفي قريب جدا على الجانب السياسي”.

وخلصت فيان عباس إلى القول إن “أعداد الصحافيين الذين دخلوا الميدان السياسي ازداد خلال السنوات الأخيرة، بسبب قدرتهم على استقطاب أصوات الناخبين واهتمامهم بعملهم ونجاحهم”.

5