إعدام التاريخ

الاثنين 2015/03/30

لم تكن أعمال إبادة وإعدامات جماعية للبشر، وحسب، تلك التي شهدها العراق والشام، خلال السنوات الأربع المنصرمة، بل وعمليات تطهير وإبادة للتاريخ، للحجر بوصفه وثيقة حضارية، وللمكتبات والأرشيفات القديمة التي سجلت تاريخ هذين الشعبين العريقين.

ولئن كان موعد احتلال العراق والوصول بالدبابات إلى قلب بغداد حدثا مروعاً للعرب، فإن المشهد المخزي لنهب المتحف الوطني العراقي في ظل الدبابات والأعلام الأميركية، كان المشهد المرجعي لغزاة الداخل، في الشام، الذين سيهون عليهم قصف مدنهم وقراهم بقنابل الطائرات والصواريخ العابرة للمدن وأخيرا بالبرامل المتفجرة، في عملية إبادة جماعية غير مسبوقة للبشر والحجر معا، للإنسان والوثيقة الحضارية الدالة على عراقته وعلى مكانته في تاريخ الامم.

إنه إذن إعدام التاريخ، بعد أن أمسى إعدام إنسانه حدثا يوميا تتناقله شاشات التلفزة كما لو كان شريطا سينمائياً لم يعد مثيراً، فهو الشريط الذي لا يتوقف، الشريط الذي بلا نهاية، وقد استبيحت معه كل القيم التي كرستها، كخطوط حمر، النتائج الوخيمة لحربين عالميتين.

مع عمليات تدمير أثار الشام والعراق يتكشف العار الإنساني كاملا، فقد شارك الجميع في عملية إعدام للتاريخ. شارك الغرب وشارك الشرق. وشارك نظامان جائران في العراق وسوريا في هدم الآثار وسرقتها والمتاجرة بها. فتحولت الدولة إلى عصابة وميليشيا، وتحول زعماؤها إلى لصوص أشقياء وأمراء حرب قتلى.

ولقد شارك الغرب، أميركا، خصوصاً، بالصمت على الجريمة وغض النظر والسماح بها، من حيث كان يمكنه، بالتأكيد، وقفها، والحيلولة دون وقوعها. شاركت دول مجاورة للعراق وسوريا في الحملة على الإنسان وتراثه؛ إيران المرشد وقاسم سليماني، من جهة. وتركيا من جهة. الأولى كغازية وراعية للعصابات الطائفية، والأخيرة كمسهل لمرور الجماعات المتطرفة ولصوص الآثار الذين تقاطروا من كل حدب وصوب على الجغرافيا الشامية.

الجريمة كبيرة، والخسارة الحضارية مذهلة. فالتدمير والنهب طال تراثا إنسانيا يشهد على فجر الحضارة البشرية. لكن ما تعرض له هذا التراث الإنساني يجعله يبدو، اليوم، تراثا محلياً يتيماً، لا سند له ولا حام ولا ظهير. كأنا بالتاريخ الحديث يعلن انفصاله عن أصوله الأولى، حتى لا نقول غيرته المضمرة وربما عداءه للتاريخ القديم.

وكأنا بالأمم في أطوارها الحديثة، جاهلة، أو متورطة في بت نفسها عن جذورها الحضارية. شيء لا يمكن فهمه هذا الذي ابتلى العالم به نفسه حتى بات رخوا، مستهترا، وعديم المروءة، نحو الحضارة الإنسانية في الشرق وما تتعرض له هي وإنسانها من فظاعات وأهوال.

شاعر من سوريا

15