إعادة هيكلة للأغلبية البرلمانية في مصر تجنبا لصراع الأحزاب الكبرى

توجه رسمي نحو منع احتكار حزب بعينه للبرلمان.
الاثنين 2025/06/30
لا لظهير سياسي واحد، مستقبلا

تعمل السلطة المصرية على وضع ترتيبات جديدة تحول دون إعادة إنتاج البرلمان الحالي، الذي أسهم بشكل كبير في جمود الحياة السياسية داخل مصر، وتريد السلطة إظهار أنها مع التعددية حتى وإن كان ذلك في أوساط الموالاة نفسها.

القاهرة - بدأت الأحزاب السياسية في مصر تأهيل نفسها للدفع بمرشحيها في انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) المقرر إجراؤها ابتداء من الثالث حتى العاشر من شهر يوليو المقبل، حيث سيتم فتح باب الترشح، على أن تعقد الهيئة الوطنية للانتخابات مؤتمرا صحفيا الثلاثاء، للكشف عن شروط ومعايير الترشح.

وأخطرت بعض الأحزاب مرشحيها، على نظام القائمة أو النظام الفردي، باستكمال الأوراق والإجراءات المطلوبة لتقديم طلبات الترشح، فيما تشهد الخريطة السياسية تغيرات تشير إلى ترتيبات لأوضاع أحزاب “الصف الأول” التي تصنف على أنها قريبة من السلطة.

وكشفت تحركات حزبية عن توجه شبه عام داخل الحكومة لمنع احتكار حزب بعينه للأغلبية البرلمانية المقبلة، على أن يتم توزيع المقاعد بين الأحزاب وفق جماهيرية وحضور كل منها في الشارع، ومدى تفاعله مع الأوضاع السياسية وامتلاكه أدوات دعم النظام لمواجهة التحديات.

وتجرى انتخابات البرلمان بنظام مختلط بين الفردي والقوائم المغلقة المطلقة، بواقع 50 في المئة لكليهما، على أن تكون تركيبة مجلس الشيوخ المقبل بنظام: مئة عضو من القائمة، ومثلهم من نظام الفردي، ومئة عضو يتم تعيينهم من رئيس الجمهورية ليصبح قوام المجلس ثلاثمئة برلماني.

الحكومة ترغب في تنوع حزبي حقيقي داخل البرلمان ولو من أحزاب موالية لها، ويكون ذلك بالتشارك لا المغالبة

ويترقب أعضاء كل حزب ما ستؤول إليه الترشيحات، وينصب الاهتمام على ترشيح الشخص من خلال قائمة حزبية، حيث يضمن النجاح والوصول إلى البرلمان بطريقة أسهل من الترشح على نظام فردي يعتمد على مدى شعبية ونفوذ كل مرشح.

وتقوم فكرة القائمة الانتخابية على أن تتفق مجموعة أحزاب على الترشح معا في قائمة واحدة، بحيث يختار كل حزب مجموعة مرشحين عنه للدفع بهم مع مرشحي الأحزاب الأخرى داخل القائمة، وإذا فاز هذا التحالف يتم توزيع المقاعد البرلمانية حسب عدد المرشحين عن كل حزب سياسي.

وأكدت مصادر سياسية لـ”العرب” وجود توجه حكومي لإحداث تغييرات واسعة في الخريطة الحزبية داخل البرلمان، لتحريك المياه في الحياة السياسية بعيدا عن فكرة هيمنة حزب واحد على المشهد العام، ومن المهم ظهور تعددية في تركيبة البرلمان.

وأضافت المصادر ذاتها أن الحكومة ترغب في تنوع حزبي حقيقي داخل البرلمان ولو من أحزاب موالية لها، ويكون ذلك بالتشارك لا المغالبة، لأن التصور المقبل يعتمد على أحزاب قوية، وليس على حزب يقدم على أنه ظهير السلطة ومتحدث بلسانها.

وتشير بعض التطورات إلى أن النظام الحاكم في مصر لم يعد يتقبل فكرة استحواذ حزب واحد على الحياة السياسية، مقابل تهميش كيانات أخرى لديها نفوذ وقواعد جماهيرية، وتمتلك أدوات فاعلة وبإمكانها أن تصنع الفارق حينما يُطلب منها ذلك.

وترفض الحكومة تكرار المشهد الذي خرجت به انتخابات البرلمان الحالي قبل خمس سنوات باستئثار حزب واحد بالأغلبية (مستقبل وطن) أو انخفاض عدد الشخصيات الممثلة لأحزاب أخرى موالية أو مستقلة ومعارضة، وترغب في وجود قوى وطنية مختلفة تحقق نوعا من التوازن داخل البرلمان.

وتعني التعددية الحزبية عند السيطرة على الأغلبية البرلمانية أن قاعدة أحزاب الموالاة في الانتخابات المقبلة سوف تتسع لتعزيز حضورها أسوة بما تقدمه من مواقف تتسق مع سياسات الحكومة، والترتيبات الراهنة تمنع حدوث صراع بين الأحزاب.

وأكدت المصادر السياسية لـ”العرب” أن الأغلبية البرلمانية المقبلة ستكون محصورة في أربعة أحزاب كبرى، وهي “مستقبل وطن” و”حماة الوطن” و”الجبهة الوطنية” و”الشعب الجمهوري”، وجميعها لها توجهات داعمة لتصورات النظام المصري.

وتمتلك الأحزاب الأربعة إمكانات مادية ضخمة وقيادات قبلية وأصحاب مناصب تنفيذية سابقين وحاليين، ولديهم قدرة على جذب الناخبين وتجييش الناس بطريقة سهلة خلال فترة الانتخابات وفي أي وقت تواجه فيه الدولة تحديات صعبة وتحتاج إلى دعم حزبي وشعبي.

وطوال الدورة البرلمانية المنتهية، وما قبلها، ظل حزب “مستقبل وطن” يقدم نفسه كظهير سياسي للحكومة، إلى درجة أن البعض اعتبره بديلا عن الحزب الوطني الحاكم خلال فترة الرئيس الراحل حسني مبارك، بعد أن سيطر على الأغلبية البرلمانية بـ320 مقعدا، لكن الأداء الضعيف لنوابه أحرج النظام.

ويوجد في مصر 87 حزبا سياسيا مُفعلا بشكل رسمي ولديه مقار حزبية، من بينها 14 حزبا فقط لها ممثلون في مجلسي النواب والشيوخ، ولم تنجح الأحزاب الأخرى في دخول البرلمان، وهو ما ترفضه دوائر فاعلة وترى ضرورة وجود تمثيل أوسع.

وتقتضي المصلحة السياسية تفعيل التعددية الحزبية بمفهومها الشامل، كخطوة لفتح المناخ العام ومنع احتكار حزب واحد للأغلبية البرلمانية، وهناك مفهوم خاطئ لتحقيق التعددية بتخصيص أعداد من المقاعد للشباب والنساء والعمال والمزارعين.

النظام الحاكم في مصر لم يعد يتقبل فكرة استحواذ حزب واحد على الحياة السياسية، مقابل تهميش كيانات أخرى لديها نفوذ وقواعد جماهيرية

كما أن إعادة إنتاج البرلمان الراهن خطأ سياسي، وإذا كانت هناك نية لوجود مجلس نواب حقيقي مطلوب ترك الإرادة للناخبين للتعبير بحرية عن رأيهم وإفساح المجال أمام كل الأحزاب للتنافس النزيه بعيدا عن القدرات المالية والنفوذ وشبكات المصالح لأن ذلك يُقصي الكفاءات التي يفرضها الظرف السياسي.

وتشي ترتيبات الخريطة الحزبية قبل الانتخابات البرلمانية بوجود تحفظ من السلطة على هوية الظهير السياسي في الشارع، والخوف من حدوث خلافات بين أحزاب الموالاة حول التمثيل البرلماني والثقل السياسي بما يثير منغصات خطيرة.

وتُدرك السلطة أن التباين بين الأحزاب الكبرى الداعمة لها أخطر من توحد المعارضة ضدها، وترغب في هندسة العملية الانتخابية بطريقة ترضي كل الأطراف، وفي حال منحت حزبا بعينه الأفضلية لن تكون بقية الأحزاب صيدا سهلا.

ويبدو المواطن العادي في مصر غير مكترث بتلك الترتيبات، لأنه منهك في أزماته المعيشية، ولا يهمه استمرار هذا الحزب في صدارة المشهد أو جرى توزيع الكعكة على مجموعة أحزاب، وما يشغله تسيير أموره الحياتية بمرونة.

ووفقا للدستور المصري وقوانين مجلسي النواب والشيوخ، فإن إجراءات الانتخابات البرلمانية تتم قبل نهاية الفصل التشريعي بـ60 يوما، وتقرر أن تبدأ انتخابات مجلس الشيوخ في أغسطس المقبل، بينما تنطلق انتخابات مجلس النواب في الأسبوع الأول من نوفمبر المقبل.

وبقطع النظر عما ستؤول إليه تركيبة الأغلبية البرلمانية والتمثيل الحزبي في البرلمان، فإن ثمة مؤشرات توحي بأنه سيكون بنفس التشكيلة الحالية، مع اختلاف في هوية الأحزاب التي ستقود المشهد في المرحلة المقبلة، المهم أن تكون الأغلبية تابعة للسلطة.

2