إعادة هيكلة الحرية والتغيير لا تكفي لإنقاذ الحكومة السودانية

الخرطوم - قامت الحكومة السودانية بتحركات عديدة لتخفيف حدة الأزمات الداخلية ولم تفلح في تحقيق تقدم يكفي لتهدئة المواطنين الذين عولوا كثيرا على رئيسها عبدالله حمدوك، وقد حاصرتها المشكلات من جوانب عديدة، وحتى مبادرته الوطنية التي طرحها مؤخرا لإعادة اللحمة لم تحظ بتوافقات كافية تضمن لها النجاح السياسي.
وبدأ تحالف الحرية والتغيير يشعر بالمسؤولية كظهير سياسي للحكومة، وهو ما دفع بعض قواه الرئيسية للتحرك قبل أيام حيال إعادة الهيكلة كخطوة أولى لمنع حدوث المزيد من التدهور ومساندة الحكومة في تخطي العقبات التي تعتري طريقها، بعد أن بدأت قطاعات كبيرة في الشارع تفقد الثقة في قدرتها على تخطي المرحلة الانتقالية.
ووجد التحالف أن الوقت في غير صالحه وعليه ترميم أطره لضمان توفير الغطاء الداعم للحكومة، لذلك أعلن عزمه التوقيع على إعلان سياسي الأربعاء المقبل، يتضمن تأكيدات على وحدة قواه، بعد مشاورات أجراها المجلس المركزي للحرية والتغيير مع حزب الأمة القومي والجبهة الثورية التي تتكون من حركات مسلحة وتنظيمات سياسية عديدة.
وأكد التحالف أنه “بصدد توقيع إعلان سياسي في 8 سبتمبر الجاري، وذلك تتويجا لجهود إعادة بناء التحالف وتعزيزا لوحدة قوى الثورة”، لافتا إلى أن الإعلان السياسي “يُعد انحيازا لإرادة الشعب واستكمالا للثورة ودولة المواطنة المدنية الديمقراطية”.
واتفق المجلس المركزي للحرية والتغيير وحزب الأمة القومي والجبهة الثورية في العاشر من يوليو الماضي على توحيد الائتلاف من خلال تكوين مؤسسات جديدة، هي: الهيئة العامة والمجلس المركزي والمجلس القيادي.
وكشف التحالف في حينه أن وحدتهم الكاملة جاءت استجابة لمبادرة حمدوك لتوحيد مكونات الفترة الانتقالية والجمع بين عناصرها المدنية لتشكيل جبهة من أبرز أدوارها إنجاز مهام هذه المرحلة.
وتأتي أهمية الخطوة من قدرتها على رأب التصدعات المتباينة ومعالجة الكثير من أوجه الخلل والتصدي للتحديات التي تواجه الحكومة الحالية، وربما يمكنها أن تقطع الطريق على من يحاولون عرقلة مسيرتها عبر إدخال السودان في دروب مجهولة.
وأوضح القيادي في قوى الحرية والتغيير نورالدين بابكر أن الإعلان الجديد هدفه التوافق حول تعامل الحكومة مع ملفات الاقتصاد والعلاقات الخارجية والترتيبات الأمنية والسلام والإصلاح المؤسسي بالدولة والعدالة الانتقالية، كنتيجة للمبادرة الوطنية التي أعلن عنها رئيس الوزراء مؤخرا بهدف تكوين جبهة متماسكة تساند رؤى الحكومة.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن التحالف دخل في اجتماعات مستمرة على مدار الأسبوعين الماضيين شارك فيها عدد من قيادات الإدارات الأهلية والمثقفين وجرى التوافق حول مواقف محددة للتعامل مع القضايا الرئيسية، ما يجعل الإعلان خطوة إيجابية ومحاولة لضبط المسارات بهدف توحيد القوى الثورية، الأمر الذي يساهم بالتبعية في السير على طريق إعادة هيكلة التحالف الحكومي.
وقلل متابعون من إمكانية أن يحدث الإعلان الجديد تغييرات كبيرة في الوضع القائم، بل لن يكون هناك مستقبل مزدهر للتحالف في ظل التناحر بين تنظيماته وقواه السياسية، ويكمن الحل في التعجيل بتشكيل المجلس التشريعي الذي تمت عرقلته من قبل الحكومة والائتلاف الحاكم ومجلس السيادة، وكأن ثمة توافقا على عدم ظهوره للنور، لحسابات خاصة ببعض القوى تخشى من تهميش دورها عقب تشكيله.
وقال المحلل السياسي السوداني قصي مجدي إن الإعلان الجديد عن إعادة الهيكلة هو محاولة لتوحيد الصف وإحياء التحالف مرة أخرى بعد أن فقد السودانيون الثقة في قواه التي تعرضت إلى انشقاقات عدة أدت إلى تفتيته وتشرذمه، وباتت تسيطر عليه أربعة أحزاب البعث والمؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي وحزب الأمة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الأحزاب المهيمنة على الائتلاف في الوقت الحالي، بينها تحالف قديم منذ جلاء الاستعمار عن البلاد، بجانب بعض الفصائل ذات التوجهات الإسلامية مع وجود اختلافات بسيطة على مستوى الحكومة، ومع أن حمدوك يبدو بعيدا عن هذا التيار لكنه مضطر للتعامل معه وفقاً لمقتضيات المرحلة الانتقالية.
وتأسس التحالف في يناير 2019، بعد توقيع عدد من القوى السودانية على إعلان الحرية والتغيير الذي طرحه تجمع المهنيين وقاد احتجاجات وتظاهرات أدت في النهاية إلى سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير.
وجمّد حزب الأمة القومي نشاطه في تحالف الحرية والتغيير في أبريل 2020، كمحاولة للضغط عليه وحثه لإجراء إصلاحات واسعة في الائتلاف، ودخل التحالف في مناوشات بين عدد من قواه الرئيسية قللت من حظوظه في الشارع، حيث بلغت الخلافات حدا ينذر بالخطر على مستقبله، ما يفرض عليه إعادة ترتيب أوراقه.
وهاجم التحالف في الثاني والعشرين من مايو الماضي حزب الأمة، واتهمه بتعطيل إصلاح الائتلاف وتكوين المجلس التشريعي، وذلك عقب اجتماع عقد بدار الحزب وصدر عنه بيان مُوقع عليه من لجنة إصلاح الحرية والتغيير، معلنا سحب الثقة من المجلس المركزي للتحالف والمطالبة باستبدال المدنيين في مجلس السيادة بأعضاء آخرين.
ويعكس التذبذب الحاصل بين قوى الائتلاف عمق الأزمة التي تمر بها قواه الرئيسية، وتؤكد أن إعادة الهيكلة ربما يكون غرضها استهلاك الوقت في الإيحاء بأن هناك رغبة في تحسين الأوضاع، وهو ما يصعب تحقيقه على الأرض، لأن شريحة كبيرة من المواطنين رفعت يدها عن دعم القوى الثورية عندما شاهدت صراعاتها الحزبية والشخصية على حساب القضايا الوطنية.