إعادة هيكلة الجيش عقبة في طريق التسوية السياسية بالسودان

يؤشر تصلّب مواقف قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان في مفاوضات دمج قوات الدعم السريع في الجيش على تعطيل التقدم في التسوية السياسية النهائية، وهي مخاطرة قد تعيد السودان إلى المربع الأول من الأزمة.
الخرطوم - يتشكك مراقبون سودانيون من صحة التطمينات التي يسوقها قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان في ما يخص تمسكه بالاتفاق الإطاري ودعم الاتفاق السياسي النهائي لجهة تذليل العقبات أمامه، فيما يسعى إلى فرض خطته لإعادة هيكلة الجيش، ما يشي بتصلب في المواقف من شأنه عرقلة تجاوز الأزمة السياسية.
وانسحب مندوبو الجيش والشرطة والمخابرات من محادثات ورشة الإصلاح الأمني الأربعاء احتجاجا على عدم وجود أي جدول زمني لدمج قوات الدعم السريع في الجيش، في وقت يبدي قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” مرونة في مفاوضات إعادة الهيكلة لجهة تذليل العقبات. ويقول مراقبون سودانيون إن مرونة حميدتي يقابلها تصلب في مواقف قائد الجيش.
وجددت قوات الدعم السريع في السودان الخميس تأكيدها على العلاقة المتميزة التي تربطها بالقوات المسلحة، والتزامها الكامل بالوصول إلى جيش قومي مهني واحد، مشددة على أن أيّ جهة لن تستطيع تعكير صفو العلاقة مع الجيش، وهو ما يعكسه عملها بصورة إيجابية في اللجان الفنية المشتركة لاستكمال بقية التفاصيل وفق التوقيتات المعلنة سابقا.
وقالت مصادر سياسية وعسكرية إن المحادثات في السودان التي تستهدف التوصل إلى اتفاق نهائي لتعيين حكومة مدنية الشهر المقبل وبدء انتقال جديد نحو الانتخابات وصلت إلى طريق مسدود بشأن القضية الشائكة المتمثلة في إعادة هيكلة الجيش.
◙ الجيش يريد عامين للاندماج، بينما اقترح وسطاء دوليون خمس سنوات وقوات الدعم السريع عشر سنوات
وظهرت الخلافات هذا الأسبوع حول الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع شبه العسكرية النافذة في الجيش، وهي خطوة تمت المطالبة بها في اتفاق إطار عمل للانتقال الجديد تم توقيعه في ديسمبر. ودمج قوات الدعم السريع ووضع الجيش تحت سلطة مدنية كانا من المطالب الأساسية لحركة احتجاجية ساعدت في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير منذ أربع سنوات.
ويعتبر المحللون أن إصلاح قطاع الأمن حاسم في فرص السودان للتحول إلى ديمقراطية. واستهدفت المحادثات في الخرطوم هذا الأسبوع تقديم إرشادات حول كيفية وموعد دمج قوات الدعم السريع، لكنها اختتمت في وقت متأخر الأربعاء دون إصدار توصيات.
وقال مصدران سياسيان ومصدر عسكري إن مندوبي الجيش والشرطة والمخابرات انسحبوا من المحادثات احتجاجا على عدم وجود أي جدول زمني للاندماج. وأظهرت صور الجلسة الختامية للمؤتمر مقاعدهم شاغرة.
وقالت المصادر إنه بينما يفضل الجيش جدولا زمنيا مدته عامان للاندماج، اقترح وسطاء دوليون خمس سنوات بينما اقترحت قوات الدعم السريع عشر سنوات. وقالت القوتان في تصريحات الخميس إنهما ملتزمتان بالمحادثات وتنتظران نتائج لجنة فنية تناقش تفاصيل الاندماج. ونفذ الجيش وقوات الدعم السريع انقلابا في أكتوبر 2021، لينهيا المرحلة الانتقالية السابقة نحو الانتخابات التي انطلقت بعد الإطاحة بالبشير.
ويستهدف الانتقال الجديد طي صفحة الاستيلاء على السلطة، على الرغم من أن المفاوضات قبل التوقيع المتوقع على الاتفاق النهائي السبت المقبل أججت بالفعل التوترات التي دفعت الجيش وقوات الدعم السريع إلى نشر قوات في العاصمة. ويراد التوقيع على إعلان دستوري أكثر رسمية في السادس من أبريل، مع حكومة مدنية من المقرر تسميتها في الحادي عشر من أبريل.
وأعادت التطورات في ورشة الإصلاح الأمني من جديد أجواء الخلافات المحتدمة بين المنظومتين العسكريتين، اللتين وصلت صراعاتهما مراحل متقدمة خلال الأسابيع الأخيرة.
وقال مسؤول عسكري إن التوصيات الختامية للورشة تجاهلت مقترحات القوات المسلحة في ما يخص فترة دمج الدعم السريع والتي اقترحها الجيش بعامين، كما اشترطت الورقة المقدمة من مسؤولي القوات المسلحة وقف أي عمليات تجنيد جديدة للدعم السريع وأن يتم الاتفاق خلال الأشهر الأولى على قيادة موحدة، مع تعديل قانون الدعم السريع بعودة المادة التي تنص على تبعية القوات للجيش.
وأضاف المسؤول “الآلية الثلاثية وأطراف الإطاري المدنية متماهية مع قوات الدعم السريع”. وفي وقت سابق قال البرهان إن أحد أسباب تأييدهم للاتفاق الأطاري هو نصه على بند واضح حول دمج الدعم السريع في الجيش.
لكن مسؤولا في قوات الدعم السريع قال إن قادة الجيش والدعم السريع والأطراف الأخرى وقعوا مسودة اتفاق حول مبادئ وأسس الإصلاح الأمني والعسكري في الخامس عشر من مارس الجاري.
وأضاف “جميع أطراف العملية السياسية وقعت على المسودة الخاصة حول مبادئ وأسس الإصلاح الأمني والعسكري، والتي تشمل عملية الدمج، وحددت له عشر سنوات ووافق قائد الجيش على ذلك البند ووقع عليه”. وأكد المسؤول أن المسودة بعد توقيع الجميع عليها بما في ذلك الآلية الثلاثية، باتت هي الأساس المعتمد للعمل عليها في الورشة.
وقال المتحدث باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف، خلال تلاوته البيان الختامي للورشة، إن “اللجان المتخصصة من العسكريين والمدنيين ستواصل النقاشات حول الصياغات الفنية للتوصيات التفصيلية بغية نشرها للرأي العام”.
◙ التطورات في ورشة الإصلاح الأمني أعادت من جديد أجواء الخلافات المحتدمة بين المنظومتين العسكريتين
وأشار إلى أن النقاشات تستند على ورشة ورقة المبادئ والأسس لعملية الإصلاح الأمني والعسكري، المتفق عليها من العسكريين والمدنيين، والتي جرى توقيعها في الخامس عشر من مارس الجاري. وأضاف “ما تبقى الآن هو بعض العمل الفني لإكمال التفاصيل وإدراجها في الاتفاق السياسي النهائي”.
وتتحدث ورقة المبادئ والأسس عن وضع آليات متدرجة للقيادة والسيطرة لمراحل دمج الدعم السريع في الجيش، تبدأ بتوحيد القيادة ويعقبها توحيد هيئة الأركان وقيادة المناطق والفرق تباعا، على أن لا تتعدى فترة الدمج 10 سنوات.
وقال ممثل الآلية الثلاثية محمد بلعيش إن إصلاح قطاع الأمن والدفاع والإدماج ضروريان، حيث شهدنا الكثير من حالات السلام والانتقال وإنه دون إصلاح غالبا ما يكون أداء قوات الأمن ضعيفا وتبقى الثقة المجتمعية فيه بعيدة المنال.
وأشار إلى أنه في استمرار هذا الأمر من المرجح أن تحدث حالات خطيرة لانتهاكات حقوق الإنسان. وتيسر الآلية الثلاثية المؤلفة من بعثة الأمم المتحدة في السودان والاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد، العملية السياسية التي تهدف إلى استعادة الانتقال المدني.