إعادة فتح الصين تبث التفاؤل بترويض التضخم العالمي

رجح محللون أن يساعد إنهاء إغلاق الاقتصاد الصيني وبفضل السياسة التحفيزية لبكين على ترويض التضخم العالمي خلال 2023 وربما العام المقبل رغم الآفاق القاتمة، مع استمرار تأثيرات ما يحدث في شرق أوروبا على أغلب الأسواق وخاصة الهشة منها.
بكين - فتحت الصين، أكبر مصنع في العالم وأكثر الدول من حيث عدد السكان، أبوابها للعمل بعد ثلاث سنوات من الإغلاق الاقتصادي بسبب مكافحة كورونا مما أدى إلى زيادة الطلب، فضلا عن مخاوف من أن الخطوة ستزيد من الضغوط التضخمية العالمية.
ولكن الكثير من الخبراء يقولون إن المستثمرين لا يحتاجون إلى القلق كثيرا بهذا الشأن وذلك بالنظر إلى حجم تأثير السوق الصينية على استقرار التجارة الدولية ونشاط الشركات حول العالم.
وجاء فك قيود كوفيد في الصين فيما تقول البنوك المركزية العالمية إن أسرع زيادات في الفائدة منذ عقود ستحتاج إلى المزيد من السيطرة على ارتفاع الأسعار، مما يثير القلق من أن الطلب المكبوت في ثاني أكبر اقتصاد في العالم سيؤدي إلى موجة أخرى من التضخم.
وأدى توقع فورة الإنفاق إلى ارتفاع أسعار كل شيء من النحاس إلى الأسهم في بيوت الأزياء الفاخرة. ومع ذلك، لا يرى الاقتصاديون أي تحدّ للتضخم العالمي.
وأشاروا بدلا من ذلك إلى المخطط الجديد للرئيس الصيني شي جينبينغ للاكتفاء الذاتي والازدهار الأوسع والأيديولوجية الاشتراكية كضوابط على التسوق باهظ الثمن. وأكدوا أن الركود في أسواق العمل في الصين وأولويات النمو في بكين سيزيلان التضخم.
ويرى تشي لو كبير محللي السوق في آسيا والمحيط الهادئ في بنك بي.أن.بي باريبا أسيت مانجمنت أن تعافي اقتصاد الصين أو إعادة فتح أبوابها أو الاستثمار والتجارة قد لا تؤدي إلى أي تضخم عالمي كبير.
ونسبت رويترز إلى لو قوله إن “الانتعاش من المرجح أن يكون مركزا داخليا ومن غير المرجح أن يرتفع اليوان بشكل كبير، مما يقلل من فرص رفع أسعار التصدير أو دفع ارتفاع الأسعار في أماكن أخرى”.
وأوضح أن المخاوف من أن الطلب الصيني قد يجبر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) والبنوك المركزية الأخرى على زيادة معدلات الفائدة “مبالغ فيها”.
ويستعد مدراء محافظ بنك بي.أن.بي باريبا لانتعاش الصين لتعزيز السياحة الإقليمية، ولكن ليس ارتفاع أسعار الصادرات للسلع المصنعة.
وفي أسواق السلع أيضا، حيث تعد الصين من يحدد أسعار خام الحديد وثاني أكبر مستهلك للنفط، من غير المرجح حدوث المزيد من المكاسب الحادة في الأسعار بسبب إعادة الافتتاح.
وقامت أسواق المعادن بالفعل بتسعير بعض الطلب الجديد، حيث اخترقت العقود الآجلة للنحاس مستوى تسعة آلاف دولار للطن الشهر الماضي للمرة الأولى منذ يونيو 2022.
وأشار لو إلى “إنفاق البنية التحتية القديمة، بشكل أساسي الطرق والجسور والمطارات والموانئ، حيث ستظل الصين تبنيها”، لكن هذا النوع من الإنفاق لن يكون أولوية في العقد المقبل، ويتوقع فقط رياحا هامشية للسلع.
ولفت إلى أن الأنواع الجديدة من الإنفاق على البنية التحتية، مثل التكنولوجيا، أقل كثافة من حيث السلع السائبة.
واستفادت الصين من واردات النفط الروسية الرخيصة، وقامت بتخزين النفط والحد من الطلب عليه كمصدر للتضخم، وثمة غياب شبه تام لضغوط الأسعار على السوق الآسيوية العملاقة أيضا، نظرا إلى الاعتدال في النمو الاقتصادي وارتفاع قيمة العملة المحلية.
وكان نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين قد سجل انكماشا في واحد من أسوأ مستوياته منذ ما يقرب من نصف قرن، عند نحو ثلاثة في المئة فقط.
ويقدر مكتب الاستثمار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في يو.بي.أس أن إجمالي الناتج المحلي الصيني للعام بأكمله قد يصل إلى حوالي 5 في المئة هذا العام، لكن التضخم سيتسارع “بشكل متواضع” إلى 3 في المئة، ويعتقد محللو جي.بي مورغان أنه سيبدأ في التراجع.
وليس ذلك فحسب، بل أن سوق العمل الضعيف سيكبح جماح التضخم في الصين، التي لم تسدد مدفوعات التحفيز المباشرة التي دفعت التوظيف والإنفاق في معظم الاقتصادات الغربية.
وخفضت سياسة “الرخاء المشترك” التي تنتهجها بكين من رواتب المصرفيين والامتيازات، بينما سجلت بطالة الشباب رقما قياسيا بلغ 20 في المئة العام الماضي.
وقالت ماي لينغ وي مديرة محفظة في يانوس هندرسون إنفستورز إن “هناك الكثير من الطاقة الإنتاجية الفائضة في الصين ولا تشعر أنك ستعاني من نقص في العمالة وليس لديك استقالة كبيرة كما حدث في بقية العالم” بسبب الوباء.
لكن المحللين حذروا من أن التضخم قد يظهر عندما استثمر المستهلكون 17.8 تريليون يوان (2.6 تريليون دولار) من مدخراتهم في السفر والتسوق الاختياري.
وقال ريكي تانغ الرئيس المشارك لإدارة محفظة العملاء في مجموعة فاليو بارتنرز إن “المدخرات الكبيرة في الصين يمكن أن تدعم بالتأكيد انتعاش الاستهلاك، والسؤال هو كم عدد الأشخاص الذين يرغبون في إنفاق المزيد”.
وأظهرت بيانات من شركة فوروارد كيز للإحصاءات أن متوسط أسعار تذاكر الطيران من وإلى الصين في يناير الماضي كان أكثر من ضعف أسعار 2019، على الرغم من عدم وجود زيادة فورية في السفر.
وقال أوليفييه بونتي نائب رئيس فوروارد كيز إن وصول حشود السياح الصينيين إلى المطارات الغربية سيستغرق “شهورا عديدة” بسبب القيود المفروضة على المسافرين من الصين، والقدرة المحدودة للرحلات الجوية والأسعار المرتفعة.
ومن المحتمل أيضا أن تكون هناك مشكلات تتعلق بالتأشيرات وتأخير تجديد جوازات السفر.
ويرى محللون أن السنوات التي قضتها الحكومة الصينية في تنظيم سلاسل التوريد تساعد أيضا في تخفيف ضغوط الأسعار وإنتاج لحم الخنزير هو مثال على ذلك.
وبلغ أعلى مستوى للتضخم في الصين العام الماضي في ثماني سنوات ثم انخفضت الأسعار إلى 10.8 في المئة في يناير الماضي وقد تتراجع أكثر في الأشهر المقبلة، وهو ما يقول المحللون إنه يثير احتمالية سيناريو معتدل للنمو المطرد دون تصدير التضخم.