إعادة تكليف مدبولي: من يتحمل مسؤولية الإخفاقات، السيسي أم الوزراء

حكومة تكنوقراط لتنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية نفسها.
الثلاثاء 2024/06/04
والآن.. ماذا سيتغير؟

القاهرة – منح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي غطاء سياسيا لرئيس الحكومة مصطفى مدبولي عندما قبل استقالته الاثنين وكلفه بإعادة تشكيل حكومة كفاءات (تكنوقراط)، ما يثير التساؤل حول المسؤول عن الإخفاقات التي حدثت في الفترة الماضية، داخليا أو خارجيا، هل يتحملها السيسي وحده أم الوزراء، فيما كان بإمكان الرئيس المصري التضحية برئيس الحكومة وتحميله مسؤولية الأزمة الاقتصادية بمفرده.

وتؤكد إعادة تكليف مدبولي برئاسة الحكومة عدم دقة تقديرات تحدثت عن رحيله في أول تعديل يقوم به السيسي بعد انتخابه لولاية رئاسية ثالثة في ديسمبر الماضي، ليكون مدبولي كبش فداء سياسيا في نظر مواطنين يعانون من تداعيات أزمة اقتصادية حادة تمر بها البلاد، وفي نظر خبراء انتقدوا الإسراف في تشييد مشروعات تنموية لا تدر عائدا ماديا مباشرا وطالبوا بتحديد الأولويات وتخفيف العبء عن الناس.

ويشير استمرار مصطفى مدبولي إلى عدم حدوث تحول جوهري في المنهج العام لسياسات الحكومة التي تتلقاها من السيسي، وعدم تغيير الرؤية في الكثير من القضايا، لأن التركيز على اختيار تكنوقراط قادرين على مواجهة الصعوبات جملة تتردد مع كل حكومة جديدة، ومن الطبيعي أن يكون الوزراء على درجة عالية من الكفاءة.

محمد سامي: التغيير المرتقب أقرب إلى إجراء شكلي ليس أكثر
محمد سامي: التغيير المرتقب أقرب إلى إجراء شكلي ليس أكثر

وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن اتصالات عديدة جرت مع شخصيات مصرية مختلفة عرض عليها منصب رئيس الحكومة، لكنها تحفظت أو اعتذرت، والسبب الرئيسي هو التباين في تحديد دور رئيس الحكومة في إدارة شؤون الدولة، فالدستور منحه صلاحيات كبيرة لم يستثمرها مدبولي واكتفى بالدور التنفيذي التقليدي.

وأوضحت المصادر ذاتها أن أحدهم يشغل منصبا دوليا رفيعا عُرض عليه منصب رئيس الحكومة منذ سنوات وطلب حرية التصرف في اختيار الوزراء، وتنفيذ مهامه كما حواها الدستور، وبعد منحه الضوء الأخضر أو الموافقة وشروعه في الاختيار تم التراجع عن العرض، ما دفع الاقتصادي الكبير إلى الاعتذار دون أن تتأثر علاقته بالسيسي، والذي داوم على استشارته في بعض القضايا الاقتصادية حتى وقت قريب.

وقالت الرئاسة المصرية الاثنين إن الرئيس السيسي قبل استقالة حكومة مدبولي وكلفه بتشكيل حكومة جديدة “من ذوي الكفاءات والخبرات”، ويهدف التعديل المرتقب إلى “تحقيق التطوير المرجو في الأداء الحكومي ومواجهة التحديات التي تواجهها الدولة”.

وتضمنت تكليفات السيسي للحكومة الجديدة مواصلة جهود تطوير المشاركة السياسية، والتركيز على ملفات الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب بما يعزز ما تم إنجازه.

وقال الرئيس الشرفي لحزب الكرامة محمد سامي إن استقالة الحكومة إجراء متأخر بعد إخفاقاتها في بعض الملفات الاقتصادية والسياسية، والتغيير المرتقب سيكون أقرب إلى إجراء شكلي ليس أكثر، لأن استمرار مدبولي يبقي السياسات كما هي، ما يحمل إحباطا، بينما الظرف السياسي كان يستدعي شخصا آخر لديه رؤية لتغيير الواقع.

وأضاف لـ”العرب” أن عدم تغيير المنهج مؤشر على أن بعض دوائر النظام لا تعبأ بقلق الناس، وعدم الرغبة في حلحلة الوضع الاقتصادي الذي يجب أن يمثل أولوية قصوى لدى الحكومة الجديدة ومتطلبات المرحلة الراهنة.

وأشار إلى أنه كان من الأفضل أن تتم الاستعانة بشخصية اقتصادية محنكة، معها مجموعة اقتصادية من وزراء لهم خبرة وقدرة على إيجاد حلول من خارج الصندوق، لذلك ليس متوقعا أن تقدم الحكومة الجديدة ما يعتبر تغيرا حقيقيا في الملف الاقتصادي.

وأدى الإعلان عن إعادة تكليف مصطفي مدبولي بتشكيل الحكومة إلى تسليط الضوء على الوزراء الذين قد يقع عليهم الاختيار للرحيل، وانشغال فئة من المواطنين بمعرفة الأسماء الموعودة بالخروج، وما إذا كان العدد كبيرا أم محدودا، وفي أي القطاعات.

ومهدت وسائل إعلام مصرية لخطوة استقالة الحكومة الأيام الماضية بالحديث عن بعض المشكلات الحيوية ومسؤولية عدد من الوزراء عنها، ولم ينج رئيس الحكومة نفسه من الانتقادات، ما جعل متابعين يرجحون فكرة أن الهدف من تغيير مدبولي نفسه هو امتصاص الغضب الشعبي المكتوم الناتج عن تخفيض دعم الخبز، والإشارة مباشرة إلى ارتفاع جديد في أسعار الكهرباء والوقود والمواصلات والخدمات.

وحصد وزير التموين علي مصيلحي نسبة كبيرة من الغضب، لأن وزارته مسؤولية عن توفير السلع الرئيسية التي زادت أسعارها بشكل كبير، كما طالت الانتقادات وزير الصحة خالد عبدالغفار بعد الحديث عن خصخصة بعض المستشفيات الحكومية.

وكان وزير التربية والتعليم رضا حجازي من أكثر المسؤولين الذين أغضبوا المواطنين؛ إذ تعثرت توجهات إصلاح التعليم، وتسبب عزوفه عن الحديث مع وسائل الإعلام في وصفه بأنه “أبوالهول” في الحكومة، كدلالة على صمته الطويل.

السيسي لا يميل إلى العلاج بالصدمة، أو القيام بتحولات جذرية في دولاب الدولة الإداري، ما يشي بأن التغيير لن يكون شاملا، وهناك وزراء سوف يستمرون في الحكومة الجديدة

ويؤشّر تكليف السيسي لمدبولي بجذب الاستثمارات المحلية والخارجية وفسح المجال أمام القطاع الخاص على أن التغيير سيشمل وزراء المجموعة الاقتصادية، كلها أو بعضها، في حين أن أحد الأسباب الضمنية لإعادة تكليف رئيس الحكومة مرة أخرى هو مواصلة تنفيذ المشروعات التنموية والخطط الاستثمارية الكبيرة.

وفسر مراقبون استمرار مدبولي على رأس الحكومة بأنه يعزز ثقة السيسي به، وأن الرئيس المصري شخصيا هو المسؤول الأول عن وضع السياسات الاقتصادية.

وأضاف المراقبون أن السيسي لا يميل إلى العلاج بالصدمة، أو القيام بتحولات جذرية في دولاب الدولة الإداري، ما يشي بأن التغيير لن يكون شاملا، وهناك وزراء سوف يستمرون في الحكومة الجديدة، فالغضب الشعبي على أحدهم قد لا يفضي إلى التخلص منه فورا، لأن هذه السياسة تقود إلى تغيير مستمر في الأشخاص.

وكُلف مصطفى مدبولي بتشكيل حكومة جديدة لأول مرة عام 2018، بعدما قدمت حكومة شريف إسماعيل استقالتها عقب مرور أيام على أداء السيسي اليمين الدستورية لفترة رئاسة ثانية بعد فوزه في الانتخابات في العام نفسه.

وشغل مدبولي منصب وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية منذ فبراير 2014، وشغل خلال الفترة الممتدة من نوفمبر 2012 حتى فبراير 2014 منصب المدير الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية.

1