إعادة تصدير الثورة إلى إيران

بالتعاون الكامل بين جمهورية الوعد الإلهي والشيطان الأكبر والولائيين العراقيين وجواسيس المخابرات الإيرانية في العراق تحقق بالخديعة والتقية ما عجز الخميني عن نوله بالجيوش.
الخميس 2024/10/24
طوفان حماس انتهى، وطوفان نتنياهو مستمر

إن الأساس الذي أقام عليه الإمام الخميني جمهوريته الإسلامية الإيرانية هو مبدأ تصدير الثورة غربا إلى دول الجوار، وأولاها العراق ومنه إلى سوريا ثم إلى لبنان وفلسطين، وما يتيسر لها من دول عربية أخرى.

وليس مهما هنا أن نتحرى الصدق في الأثواب الدينية والمذهبية والفلسطينية التي ألبسها بعناية فائقة لحملته التوسعية القومية الفارسية في المنطقة.

ولبدء هذه المسيرة أطلق الموجة البشرية الأولى من طوفانه (الثوري)، متخذا من هجوم صدام حسين العسكري المفاجئ على المناطق الشرقية من إيران ذريعة منتظرة لاحتلال العراق والمضي قدما إلى أهدافه المبيتة بعيدة المدى.

◄ ما جرى في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، وما يجري اليوم، وما سيجري في قادم الأيام لا يعني إلا حملة ناجحة لإعادة تصدير الثورة الإيرانية إلى أصحابها

وكانت بالفعل، وبالحقائق الموثقة، موجة عاصفة قاصفة بعشرات الألوف من مقاتليه العسكريين المحترفين، وبزحوف متدفقة من فتية صغار محملين بمفاتيح الجنة التي وهبها لهم الإمام الحاضر وكيل الإمام الغائب.

ولكن، بصمود الجيش العراقي، وبالأموال العربية وتكنولوجيا الشيطان الأكبر، تحقق الصد الناجز لتلك الموجة، وتجرع الإمام كأس سم، لكن دون أن يفقد حماسه لفكرة تصدير الثورة إلى دول الجوار.

وفوْر إعلان وقف إطلاق النار في الحرب العراقية – الإيرانية المدمرة عام 1988 بدأ الإمام جهوده لتحضير الموجة الثانية، وأشغل جميع أجهزة نظامه، ومؤسساته العسكرية والمدنية، وكل ما في إيران من قوة موروثة من نظام الشاه، من أسلحة ومقاتلين وخبراء وعلماء، آمرا باستكمال الجاهزية لإطلاق الجولة التالية، ولكن بصيغة مختلفة عن السابقة، هذه المرة، موصيا وريثه الإمام علي خامنئي “لا تقاتل على حدودك بجيوشك، قاتل في حدود بعيدة عن بلادك، وبجيوش غير جيوشك”.

وهنا بدأت فكرة إنشاء الأذرع المسلحة المقاتلة التي تولت بعد ذلك مهمة الدفاع المسلح عن الثورة الإيرانية ضد خصومها.

وكانت ميليشيا “بدر” التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية العراقي أولى تلك الميليشيات، حيث شكلها الحرس الثوري من أعداد كبيرة من لاجئين وأسرى (توابين) ومهجرين عراقيين مقيمين في إيران.

ثم توالى تأسيس الحركات والتنظيمات والأحزاب الشيعية العراقية واللبنانية وتجهيزها للعب دورها في احتلال ما يمكن احتلاله من عواصم عربية، عندما تسنح الفرصة المواتية، ووفق تعليمات الخبراء الإيرانيين وتوجيهاتهم.

ثم جاءت الغزوة الأميركية الغبية للعراق، لتكون هي الفرصة المناسبة التي تترقبها قيادة النظام الإيراني لإطلاق موجتها الثانية من طوفان تصدير الثورة من جديد.

وبالتعاون الكامل بين جمهورية الوعد الإلهي والشيطان الأكبر، والولائيين العراقيين، وجواسيس المخابرات الإيرانية في العراق، تحقق بالخديعة والتقية ما عجز الخميني عن نوله بالجيوش.

◄ ها هو بنيامين نتنياهو وقد تحول إلى وحش كاسر، يعربد ويقصف ويدمر ويقتل ويحرق ويغتال كما شاء ومتى شاء وأين شاء، دون أن يجد من يصده عن الإثم والعدوان

ولا يشك اثنان في أن إحكام قبضة أحزابه الدينية الطائفية وميليشياته على الدولة العراقية، بكل إمكاناتها وثروتها، هو الذي ساعَد النظام الإيراني على الاستقواء في سوريا، والتمدد في لبنان، والتمركز في اليمن، والتسلل إلى فلسطين، ومحاولة حصار دول الخليج العربي، بقصد تحييدها وإرغامها على الاعتراف بالأمر الواقع دون مشاكسة.

وهذا ما جعل الفريق يحيى رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري والمستشار العسكري للمرشد علي خامنئي، يتباهى قائلا إن “حدود إيران الغربية لا تقف عند الشلامجة (غرب الأهواز)، بل وصلت إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط جنوب لبنان”.

وبالفعل تحققت الإقامة الدائمة لإيران، من خلال ميليشياتها، في مداخل مضيق هرمز وباب المندب وشواطئ البحريْن، الأبيض والأحمر، زيادةً في التحدي والاستفزاز.

إلا أن الهيمنة الطاغية لحزب الله على الدولة اللبنانية، والحشد الشعبي على العراق، والحوثي على اليمن، وحماس على غزة، أغرت المسلحين في دوائر الدولة بالسيطرة العملية على المنافذ الحدودية والموانئ والمطارات والمؤسسات الأمنية والمالية والاقتصادية والثقافية والإعلامية، الأمر الذي جعل المواطن في هذه البلدان المحتلة يغرق في الاختناقات والأزمات والمصاعب المعيشية والأمنية، لتبدأ النقمة الشعبية الواسعة العميقة على الميليشيات وعلى داعمها الإيراني وتمني هزيمتها ولو على أيدي الشياطين.

ثم راحت حركات المعارضة الشعبية تعلن عن نفسها بالانتفاضات العلنية حينا، وبالبيانات حينا آخر، الأمر الذي جعل الميليشيات تضطر إلى زيادة منسوب القمع والاغتيال والانتقام، لتتسع وتعمق، استطرادا، أحقاد الجماهير المضطهدة إلى أبعد الحدود. 

ثم كانت الغلطة القاتلة التي ارتكبتها القيادة الإيرانية حين مولت وسلحت وحرضت حركة حماس على مباغتة إسرائيل بطوفان الأقصى، في العام الماضي، ليتخذها الجيش الإسرائيلي ذريعة لاحتلال غزة كلها بعد تدميرها، ولقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، مقاتلين ومدنيين، ثم يتفرغ لحزب الله في لبنان ولسوريا واليمن بعد ذلك.

وكان طبيعيا ومنتظرا أن تجيز الولايات المتحدة وبريطانيا وحلف شمال الأطلسي للجيش الإسرائيلي حق استخدام ما يراه مناسبا من وسائل ردع للخلاص من جميع أنواع الوجود المسلح الإيراني في المنطقة، وجعلها آخر حروبها لضمان أمنها لعشرات قادمة من السنين.

◄ بصمود الجيش العراقي، وبالأموال العربية وتكنولوجيا الشيطان الأكبر، تحقق الصد الناجز لتلك الموجة، وتجرع الإمام كأس سم، لكن دون أن يفقد حماسه لفكرة تصدير الثورة إلى دول الجوار

وها هو بنيامين نتنياهو وقد تحول إلى وحش كاسر، يعربد ويقصف ويدمر ويقتل ويحرق ويغتال كما شاء ومتى شاء وأين شاء، دون أن يجد من يصده عن الإثم والعدوان.

وحتى كتابة هذه المقالة لا يبدو أن طوفانه قد توقف أو سوف يتوقف، وقد يواصل سيره إلى سوريا لطرد الميليشيات الإيرانية منها، ليتولى بعد ذلك الانتقام من عراق الحشد الشعبي، ثم يصبح مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجها لوجه، على حدودها هذه المرة.

قالت “القناة 14” الإسرائيلية إن خطة الرد على الهجوم الإيراني الصاروخي صارت جاهزة، وقد تتضمن مهاجمة منازل مسؤولين إيرانيين.

وعلقت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة على تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن التي أدلى بها في ألمانيا الأسبوع الماضي فقالت إنه ألمح إلى “موافقة ضمنية ودعم صريح” لهجوم عسكري إسرائيلي “غير قانوني على إيران”.

وبكل الأحوال والمقاييس لا يعني ما جرى في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، وما يجري اليوم، وما سيجري في قادم الأيام إلا حملة ناجحة لإعادة تصدير الثورة الإيرانية إلى أصحابها. (هَذِهِ بِضَاعَتُكم رُدَّتْ إِلَيْكم).

إنه منطق الزمن الماشي إلى الأمام الذي لم يتبدل، ولن يتبدل، إلى أبد الآبدين.

8