إطلاق مشروع "المنطقة الحرة الإعلامية" دون أفق لتحسين الحريات في سوريا

الحكومة السورية تسعى إلى صناعة منظومة إعلامية مؤثرة لتحسين الصورة العامة للبلاد في ظل استياء شعبي واسع من الأزمات الخانقة للمواطنين وعدم تمثيلها بالإعلام.
الخميس 2024/09/12
الدعاية متواصلة

دمشق - وافقت الحكومة السورية على مشروع إنشاء “المنطقة الحرة الإعلامية” بهدف تطوير القطاع الإعلامي ودعم الاقتصاد المحلي وجذب رؤوس الأموال، بعد نقاشات مستفيضة لم تتطرق إلى مسألة الحريات الإعلامية والقيود التي يواجهها الصحافيون وتعتبر أبرز معوقات تحسين القطاع.

ويرى متابعون أن الحكومة السورية تسعى إلى صناعة منظومة إعلامية مؤثرة لتحسين الصورة العامة للبلاد في ظل استياء شعبي واسع من الأزمات الخانقة للمواطنين وعدم تمثيلها في الإعلام الرسمي، الذي يزدادا بعدا عن الجمهور السوري.

وأكد وزير الإعلام في حكومة تسيير الأعمال السورية بطرس الحلاق، في تصريح الأربعاء عقب جلسة الحكومة، أن المجلس وافق بعد نقاش مستفيض على مشروع الصك التشريعي الخاص بإحداث المنطقة الحرة الإعلامية، مشيراً إلى أن إحداثها يأتي كأحد المشاريع العديدة التي تسعى من خلالها وزارة الإعلام إلى تطوير القطاع الإعلامي كي يصبح قطاعاً قادراً على تقديم قيم مضافة في المجالين المعرفي والإعلامي.

بطرس الحلاق: المنطقة الحرة الإعلامية ستسهم في دعم الاقتصاد المحلي
بطرس الحلاق: المنطقة الحرة الإعلامية ستسهم في دعم الاقتصاد المحلي

وعن الاحتياجات التقنية أشار إلى أن الإعلام بحاجة إلى تطوير تقني دائم للوسائل لكن بسبب الظروف التي تمر بها سوريا، وخاصة الحصار الاقتصادي، توجد عوائق كثيرة تتعلق بطبيعة استيراد التكنولوجيا، مثمناً جهود العاملين في المؤسسات الإعلامية الذين يطوعون تكنولوجيا قديمة نسبياً “لكن هناك خبرات مهنية وطنية وتقنيين نفخر بهم لأنهم يقدمون ضمن هذه التقنيات مواد تصل كلها إلى الرأي العام”.

وتشير تصريحات الحلاق إلى انتظار الحكومة من المنطقة الحرة الإعلامية أن “تسهم في دعم الاقتصاد المحلي عبر جذب رؤوس الأموال المحلية أو غير المحلية، وبالتالي تعطي قيما مضافة إلى سوق العمل من خلال تأمين فرص عمل كثيرة، نوعية وفنية، وبمساهمة فعالة في الحد من هجرة تلك الكفاءات إلى الخارج”.

غير أن الصحافيين السوريين يعربون عن قلق متزايد بشأن مستقبل الإعلام في سوريا، في ظل السياسات الجديدة التي لم تسفر حتى الآن سوى عن المزيد من تقييد حرية الرأي والتعبير، وانعكست سلباً على الصحافة والمحتوى الإعلامي في البلاد، رغم حديث الحلاق عن مشروع قانون الإعلام الجديد الذي يتم العمل على إقراره، معتبرا أنه “حصيلة عمل مؤسساتي متكامل يلبي طموحات الإعلاميين ويدفع بالعمل الإعلامي نحو آفاق جديدة، كما يحصن الإعلاميين الذين ينتمون إلى مؤسسات إعلامية وطنية ويفسح المجال أمامهم لتطوير أدائهم وينعكس عليهم إيجابًا مهنيّا وماديا”.

وأكد الحلاق في يوليو الماضي في لقاء حواري مع الإعلاميين في محافظة اللاذقية أنه بقدر ما يكون الصحافي مهنياً ومعلوماته موثقة تتعزز حصانته وتتعزز الثقة مع الرأي العام الذي بات يميز بين الصحافي الحقيقي المهني الملتزم بقضايا مجتمعه ووطنه وبين الدخلاء على هذه المهنة، لافتاً إلى أهمية الجهود التي يبذلها الصحافي المهني في الحصول على المعلومة الدقيقة التي يحتاجها المواطن لتكوين صورة صحيحة عن العمل الحكومي في مختلف القطاعات.

وزارة الإعلام تعمل على إقامة شراكات في القطاع الإعلامي مع القطاع الخاص، ما يخلق فرص عمل جديدة ويحل الكثير من المشكلات

وأوضح أن الوزارة تعمل على إقامة شراكات في القطاع الإعلامي مع القطاع الخاص، ما يخلق فرص عمل جديدة ويحل الكثير من المشكلات، بما يتميز به هذا القطاع من مرونة.

وتركزت مداخلات الحضور حول العمل الإعلامي والعوائق التي تقف في وجهه، وخاصة لجهة تفعيل عمل المكاتب الإعلامية في المؤسسات والدوائر الحكومية وتسهيل وصول المعلومات إلى الصحافيين وإقامة الدورات التدريبية التي تطور مستوى الإعلاميين، وتزويد المؤسسات الإعلامية بالأجهزة والتقنيات الفنية بما يسهم في تحسين العمل وتطويره.

وأشار الحلاق إلى أن الحوار اليوم تركز حول قانون الإعلام وتوضيح بعض النقاط المتعلقة بالعمل الإعلامي لتصل الصورة الصحيحة لقانون الإعلام الذي يجب أن يكون قادراً على تنظيم مهنة الإعلام وحماية الرأي العام من الدخلاء على المهنة، لافتاً إلى أن بنود القانون التي نوقشت تصب أغلبها في مصلحة الإعلامي وطبيعة عمله كاستقلالية وحرية الحصول على المعلومات.

وأصدر الرئيس بشار الأسد في مايو الماضي القانون رقم 19، القاضي بإحداث وزارة إعلام جديدة بدلاً من الوزارة التي تم تأسيسها عام 1961، بهدف “تمكين وزارة الإعلام من مواكبة التطورات الحاصلة في الأنظمة والأدوات الإعلامية والإدارية حول العالم، وتفعيل دورها بشكل أمثل خاصة في ظل ما يشهده القطاع الإعلامي من توسّع وتطور كبير ومتسارع”.

وذكر القرار أن من مهام الوزارة “وضع الأسس والضوابط الكفيلة بتنظيم قطاع الإعلام، وفقاً للسياسة العامة للدولة، والتعاون والمشاركة مع القطاعين العام والخاص للاستثمار في قطاع الإعلام والإنتاج الدرامي والأفلام الوثائقية وفق القوانين والأنظمة النافذة”.

الإعلام بحاجة إلى تطوير تقني دائم للوسائل لكن بسبب الظروف التي تمر بها سوريا، وخاصة الحصار الاقتصادي

ورفع قانون إحداث وزارة الإعلام الجديد منسوب القلق والخوف داخل أوساط الإعلاميين والصحافيين وفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات والتكهنات حول مصيرهم، وخاصة بعد اتساع موجة تسريبات تفيد بتعديلات على مواد سبق أن تم الاتفاق عليها وإلغاء مواد أخرى.

ووجه إعلاميون وصحافيون انتقادات طالت مشروع القانون المثير للجدل، احتجاجاً على ما وصفوه بـ”التغييب المتعمّد” لرأيهم وقرارهم في مواد وفقرات يرفضون وجودها ضمن هذا القانون في حال تمت مشاركتهم في صياغتها.

من جهتها اعتبرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أن القانون الذي أصدره الأسد بإحداث وزارة للإعلام “ينتهك بشكل صارخ حرية الإعلام والرأي والتعبير”، مشيرة إلى أنه “ما هو إلا وسيلة جديدة للتحكم بعمل الصحافيين، والسيطرة على المحتوى الإعلامي، وممارسة مزيد من الرقابة على الصحافة الخاصة والمطبوعات التي تدخل إلى البلاد، فضلاً عن فرض مزيد من التضييقات على صناعة الدراما”.

وفي تقرير لها قالت الشبكة إن “القانون رقم 19 انضم إلى ترسانة من المراسيم والقوانين التي تُمكِّن النظام السوري من الهيمنة على مختلف جوانب وقطاعات العمل الإعلامي، وتشدِّد الرقابة وتكمّم الأفواه لإحكام القبضة الأمنية بقوة القانون بمخالفة فجة للقانون الدولي لحقوق الإنسان”.

وشددت الشبكة على أن المواد الواردة في القانون تتعارض بشكل واضح مع القوانين الدولية والمحلية، وتتعارض مع دستور 2012، موضحة أن القانون “ما هو إلا ترسيخ لسياسة النظام في تقييد حرية الرأي والتعبير، وإحكام قبضته على وسائل الإعلام في محاولة منه لمصادرة واحتكار المعلومات، وممارسة التضليل والتشويه بما يخدم مصالحه مهما كانت تتناقض مع مصالح الدولة والشعب السوري”.

5