إطالة عملية جنين تهدد بإشعال جبهات قتال جديدة

لا تزال العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين مستمرة، وسط مخاوف من إطالة أمدها، الأمر الذي قد يقود إلى اشتعال جبهات أخرى وبالتالي دخول المنطقة في دوامة من العنف تصعب السيطرة عليها.
جنين (الضفة الغربية) - تحذر أوساط أمنية إسرائيلية من أن إطالة أمد العملية العسكرية الجارية في مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة قد تؤدي إلى اشتعال جبهات جديدة، لاسيما في حال تعاظمت الخسائر البشرية في صفوف الفلسطينيين.
وتشير هذه الأوساط إلى أنه على الرغم من كون حركة حماس لا تبدو متحمسة لتصعيد الموقف بشكل تصعب السيطرة عليه، وكذلك الحال بالنسبة إلى حركة الجهاد الإسلامي التي لا تزال لم تشف بعد من آخر جولة قتال، لكن لا يمكن للقيادة الإسرائيلية الركون إلى ذلك. ودخلت العملية يومها الثاني الثلاثاء وهو ما استدعى إجلاء الآلاف من مخيم جنين للاجئين. وهذه أكبر عملية من نوعها منذ أعوام في الضفة الغربية، وتضمنت هجمات بطائرات مسيرة واشترك فيها المئات من الجنود.
وتقول إسرائيل إن الهدف من عمليتها هو اجتثاث فصائل فلسطينية مدعومة من إيران تقف وراء تصاعد هجمات بالرصاص والقنابل وأنشطة أولية لصنع صواريخ، ولم تحدد الحكومة الإسرائيلية أمد العملية وسط توقعات بأن تستغرق بضعة أيام.
وردا على العملية العسكرية، عمد فلسطيني إلى دهس عدد من المارة بشاحنة صغيرة في تل أبيب الثلاثاء، قبل أن يشرع في تنفيذ هجمات طعن عشوائية مصيبا ثمانية أشخاص في حادث أعلنت حركة حماس مسؤوليتها عنه. وقالت الشرطة الإسرائيلية إن الفلسطيني البالغ من العمر 20 عاما، وهو من الضفة الغربية المحتلة، قُتل برصاص مدني مسلح. وقال جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) إن المهاجم دخل إسرائيل من دون تصريح، ولم يسبق له ارتكاب مخالفات أمنية.
◙ حركة حماس لا تبدو متحمسة لتصعيد الموقف بشكل تصعب السيطرة عليه، وكذلك الحال بالنسبة إلى حركة الجهاد الإسلامي
وأعلنت حماس أن منفذ الهجوم عضو بالحركة، قائلة إنه نفذ الهجوم في العاصمة التجارية لإسرائيل ردا على الحملة العسكرية المتواصلة على جنين والتي قتل فيها 10 فلسطينيين، ثلاثة منهم لا تتعدّى أعمارهم 17 عاماً، والبقية ما بين 18 و23 عاماً، إضافة إلى قتيل في مدينة البيرة أصيب خلال تظاهرة تضامناً مع جنين.
وأظهر مقطع مصور جرى تداوله على الإنترنت شاحنة صغيرة صعدت على رصيف بالقرب من مركز تجاري ودخلت في مسار للدراجات لتصيب اثنين على الأقل، ثم شوهد السائق وهو يخرج من النافذة ويطعن أحد رواد مقهى ويطارد أشخاصا آخرين بسكين في يده.
وقال ليرون باهاش، وهو معلم تربية رياضية كان في موقع الحادث، “رأيت الشاحنة الرمادية تتوقف فجأة وتصطدم بمحطة الحافلات بعنف. وفي الوهلة الأولى، ربما يظن المرء أن السائق قد أخطأ”. وأضاف باهاش “خرج من النافذة، لا الباب، مثل الأفلام، وفي يده سكين وبدأ بملاحقة المدنيين. وقتها بدأ المرء يستوعب أنه هجوم. ركضنا للنجاة بحياتنا”.
وقالت حماس في بيان “هذه العملية البطولية هي دفاع مشروع عن النفس أمام المجزرة الصهيونية المستمرة في جنين، وجرائم التهجير والقتل والتدمير التي ترتكبها قوات الاحتلال”. وذكرت خدمة نجمة داود الحمراء الإسرائيلية للإسعاف أن ثمانية أصيبوا، أحدهم في حالة حرجة، وأُصيب بعضهم بجروح ناجمة عن طعنات بسكين.
وحضر إيتمار بن جفير وزير الأمن الوطني الإسرائيلي المنتمي لليمين المتطرف إلى موقع الحادث وكرر دعوته للمواطنين بحمل أسلحة من أجل إحباط هجمات الشوارع. وقال بن جفير “بمجرد أن بدأت إسرائيل عمليتها في جنين، علمنا أن الإرهاب سيطل برأسه من جديد”. وعمّ الإضراب الشامل الثلاثاء مدن الضفة الغربية وتعطلت الحياة فيها تلبية لدعوة وجهتها حركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس احتجاجا على الهجوم الإسرائيلي على جنين.
اقرأ أيضا:
ونفذت هذه العملية العسكرية بعد أسبوعين من عملية كبيرة أخرى استهدفت مخيم جنين وتخلّلها قصف بالطيران المروحي للمرة الأولى منذ سنوات. وبدت مدينة جنين الثلاثاء خالية ما عدا من دوريات الجيش. وأقفلت المحال التجارية وانتشرت بقايا إطارات مشتعلة في أماكن متفرقة، وحلقت الطائرات المسيّرة الإسرائيلية في سمائها.
وبين الحين والآخر، يلقي شبان فلسطينيون الحجارة على الجنود فيما يتصاعد الدخان جراء الانفجارات والمتاريس المحترقة واكفهرت السماء. وتمركز الجيش على مداخل مخيم جنين الذي لا يخرج منه ولا يدخله أحد، قبل أن تدخله مدرعاته صباح الثلاثاء.
وداخل المخيم الذي يعيش فيه نحو 18 ألف شخص، بدت كابلات الكهرباء مقطوعة والشوارع تملأها الحفر جراء عبور الجرافات الإسرائيلية المضادة للقنابل. وعبرت وكالتا إغاثة تابعتان للأمم المتحدة الثلاثاء عن قلقهما من نطاق العملية العسكرية الإسرائيلية. وقالتا إن هناك قيودا على وصول الخدمات الطبية.
وقالت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فانيسا هوجينين في إفادة صحفية “نشعر بالقلق من حجم العمليات الجوية والبرية التي تجري في جنين بالضفة الغربية المحتلة والضربات الجوية لمخيم للاجئين مكتظ بالسكان”. وأضافت هوجينين أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية جراء الضربات الجوية تسببت في انقطاع أغلب إمدادات المياه والكهرباء في المخيم. وكانت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني قد قالت في وقت سابق إنها أجلت أكثر من ثلاثة آلاف شخص.
◙ أمنيون إسرائيليون يرون أن العملية الجارية تستهدف إيصال رسالة بأن إسرائيل ما تزال تمتلك قوة الردع لكنهم يحذرون من تواصلها
ويرى أمنيون إسرائيليون بأن العملية الجارية تستهدف إيصال رسالة بأن إسرائيل ما تزال تمتلك قوة الردع، لكنهم يحذرون من أن عدم إنهائها قريبا ستكون له تبعات خطيرة، لأنها ستدفع الفصائل الفلسطينية تحت ضغط الخسائر إلى ردود فعل أشد. وقال الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (آمان)، اللواء احتياط تامير هايمان إن العملية العسكرية الراهنة في مدينة جنين ربما تفتح على إسرائيل جبهات أخرى في فلسطين ولبنان.
واعتبر هايمان، الذي يشرف حاليا على "معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي، أن "السؤال حول ما إذا كانت هذه العملية ستقتصر على جنين أم ستتوسع إلى ما أبعد من ذلك وهذا سيحدده عدد الضحايا على الجانب الآخر (الفلسطيني)، فعدد كبير جدا من الضحايا يمكن أن يشعل جبهات أخرى".
وتابع "في مثل هذه الحالة، كما رأينا في الماضي، قد يتم إطلاق الصواريخ من قطاع غزة أو لبنان (على إسرائيل)، وفي تقديري، حماس ليست معنية بهجوم على إسرائيل، وحركة الجهاد الإسلامي أيضا، لكن السؤال يعتمد على مقدار الألم الذي يتراكم على الجانب الفلسطيني".
وتساءل هايمان عن هدف إسرائيل السياسي من عملية جنين "هل هي تهيئ ظروفا أفضل لعودة قوات الأمن الفلسطينية إلى شمالي الضفة الغربية أم تريد إزاحة السلطة الفلسطينية وتعود إلى تولي مسؤولية السيطرة الأمنية على المنطقة؟”. ولفت إلى أنه "طالما ظل هذا السؤال غامضا وغير محسوم، ستؤدي العملية إلى تحسّن أمني على المستوى التكتيكي، لكن ليس من المؤكد أن هذا سيستمر طويلا".