إطالة أمد العملية العسكرية التركية بشمال العراق تهدّد الجيش التركي بحرب استنزاف جديدة

تجاوز العملية العسكرية التركية ضدّ حزب العمال الكردستاني في شمال العراق للمدة الزمنية التي كان يُؤمل أن يُستكمل خلالها حسم المعركة، يخدم مصلحة الحزب الآخذ في استعادة توازنه وتطوير وسائله القتالية، ويعقّد من مهمّة الجيش التركي ويهدده بالغرق في مرحلة جديدة من حرب الاستنزاف، كما يضع السلطات العراقية بحدّ ذاتها تحت طائلة المزيد من ضغوط الأحزاب والفصائل الشيعية المعترضة على تلك العملية.
بغداد - تهدّد إطالة أمد العملية العسكرية التركية الجارية في شمال العراق أملا في حسم المعركة ضدّ حزب العمال الكردستاني بإغراق الجيش التركي في حرب استنزاف جديدة بعد أنّ وسّع من نطاق تواجده بتلك المناطق ذات التضاريس الوعرة التي يجيد مقاتلو الحزب أساليب التحصّن داخلها، وأقام له فيها عددا من المواقع الثابتة التي يمكن أن تتحوّل إلى أهداف لهجمات خاطفة يستعان فيها بالطائرات المسيرة التي تقول مصادر أمنية إنّ الحزب ضمّ أعدادا منها لترسانته الحربية.
ويستفيد الحزب، بحسب ذات المصادر، من دعم خفي من قبل فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران، ومضادة بالنتيجة لتوسّع النفوذ التركي داخل العراق وتعمل على قطع الوتيرة المتسارعة لتنامي العلاقات السياسية والاقتصادية بين أنقرة وبغداد. وسبق لكبار القادة والمسؤولين الأتراك أن وجّهوا اتّهامات صريحة لقيادة الاتّحاد الوطني الكردستاني المتحالف مع أحزاب وميليشيات شيعية عراقية باحتضان مقاتلي حزب العمال في مناطق نفوذها بإقليم كردستان العراق وتسهيل إمدادهم بالسلاح، مهدّدين باستهداف تلك المناطق إذا لم يتراجع الاتحاد عن دعمه للحزب.
ويعتبر التعاون الأمني بين الطرفين العراقي والتركي أساسا لتنامي العلاقة إذ لم يكن أمام الحكومة العراقية من سبيل للدفع بمشاريع مشتركة بالغة الحيوية على رأسها طريق التنمية الذي سيمتد من جنوب العراق نحو الحدود التركية، وأيضا لتسهيل حلحلة الخلافات العالقة بشأن تقاسم مياه نهري دجلة والفرات، سوى تسهيل مهمة تركيا في حسم الحرب ضدّ حزب العمال والمتواصلة منذ أربعة عقود.
وصنّفت السلطات العراقية الحزب تنظيما محظورا وأصبحت تتعامل مع مقاتليه والكيانات المرتبطة به على هذا الأساس، وقامت في وقت سابق بحل ثلاثة تنظيمات سياسية على صلة به وإغلاق مقراتها ومصادرة أموالها ومنعها من المشاركة في الانتخابات.
وعلى صعيد عملي باتت بغداد تغض الطرف عن توسيع تركيا لنطاق عمليتها العسكرية ضدّ مقاتلي الحزب العمال في مناطق شمال البلاد، وتخلّت عن مطالبتها بتفكيك معسكراتها ونقاطها الثابتة في تلك المناطق. وعلى هذه الخلفية يشمل حرج إطالة أمد العملية العسكرية التركية الحكومة العراقية بحدّ ذاتها ويجعلها عرضة لمزيد من ضغوط الأحزاب والفصائل الموالية لإيران والتي تمتلك نفوذا كبيرا داخل مؤسسات الدولة.
وكانت القيادة التركية قد وعدت بحسم قريب للحرب ضد حزب العمال الكردستاني، وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق “مستمرون في مكافحة الإرهاب بكل تصميم بغضّ النظر عن العقبات التي تعترضنا سواء داخل تركيا أو خارجها”، مضيفا “أوشكنا على إتمام الطوق الذي سيؤمّن حدودنا مع العراق، وخلال الصيف القادم (في إشارة إلى الصيف المنقضي) سنكون قد قمنا بحل هذه المسألة بشكل دائم.”
وعاد لاحقا ليؤكّد قوله “سننجز قريبا جدا إغلاق منطقة العمليات في شمال العراق،” معلنا عن “توجيه ضربات مؤلمة للمنظمة الإرهابية”، ومضيفا “سنستكمل النقاط العالقة في الحزام الأمني على طول حدودنا الجنوبية في سوريا. ونحن عازمون على القضاء على أي بنية من شأنها تشكيل تهديد لبلادنا على طول الحدود مع العراق وسوريا.”
لكن الإشكال في التكتيك الحربي التركي المطبّق في الشمال العراقي أنّه يقوم بالإضافة إلى الاعتماد على الاستطلاع والقصف بالطيران المروحي والنفّاث والمسيّر، على نشر قوات على الأرض لن يعجز مقاتلو حزب العمّال الخبراء بتضاريس المنطقة عن إيجاد طريقة لتوجيه ضربات خاطفة إليها.
◙ توقّعات بأن تبادر القوات التركية إلى إغلاق معظم الثكنات الثمانين التي أقامتها داخل الأراضي العراقية لتقليل الخسائر
وتقرّ مصادر أمنية وعسكرية بإحراز تركيا لتقدّم ملموس في محاصرة مقاتلي حزب العمال في العراق والتضييق من مجال تحرّكهم، لكنّها تشير إلى تمكنّ الحزب تدريجيا من امتصاص تأثير الضربات الأولى التي تلقاها واستعادته بعضا من توازنه وشروعه في الاستعداد لتوجيه ضربات مضادّة يستخدم في بعضها الطائرات المسيرة التي بدأت فجأة تظهر ضمن ترسانته المشكّلة أساسا من أسلحة خفيفة ومتوسّطة.
وكشف أحد المصادر عن تعرّض النقاط العسكرية التركية المنتشرة في إقليم كردستان العراق بشكل مفاجئ لخطر المسيرات الانتحارية الذي “لم يكن في الحسبان” بحسب تعبيره. ونقلت وكالة بغداد اليوم الإخبارية عن ذات المصدر أنّ “طائرة انتحارية صغيرة استهدفت مؤخرا نقطة مرابطة للقوات التركية بعمق ثلاثة عشر كيلومترا داخل الأراضي العراقية في ثالث حادث من نوعه ذفي ظرف شهر واحد. وأوضح المصدر أنّ بعض الطائرات المعروفة محليا بتسمية “الكاميكازي” يتم إسقاطها من قبل القوات التركية لكنّ البعض يصل أهدافه بالفعل ويتسبب بخسائر مادية.
وقال إنّ هذا التهديد الذي لم يكن في الحسبان يزيد من أعباء التواجد العسكري التركي داخل الأراضي العراقية ويرفع كلفة حماية القواعد التي تضم معدّات باهظة الثمن من بينها طائرات. كما أشار إلى أن وتيرة استخدام المسيرات الانتحارية من قبل عناصر حزب العمال الكردستاني بصدد الارتفاع حيث يجري بالفعل تنفيذ هجمات بواسطتها من دون الإعلان عنها “وسط تكتم القوات التركية عن إجمالي ضحاياها بسبب الكمائن والقصف والقنص الذي بات مؤخرا من الأمور المعتادة في بعض القواطع.”
ويؤكّد كلامُ المصدر ما كان صرّح به في وقت سابق الخبير في الشؤون الأمنية أحمد التميمي بشأن تعرّض القوات التركية لحرب استنزاف في خمس مناطق بإقليم كردستان. ونقلت ذات الوكالة عن التميمي قوله إنّ القوات التركية المتوغلة في اثني عشر محورا ضمن محافظات إقليم كردستان وخاصة دهوك أقامت ثكنات في عمق يصل إلى مئة وأربعين كيلومترا داخل الأراضي العراقية، مبينا أنها تواجه حرب عصابات خلال سبعين في المئة من عملياتها لا يتم الإعلان عنها للرأي العام، كما يتم التكتم على وصول جثامين أفراد القوات الذين يسقطون في الكمائن التي تنفّذها خلايا حزب العمال الكردستاني.
وعرض الخبير إلى عامل التضاريس الذي يخدم مصلحة مقاتلي الحزب لافتا إلى أن “حرب الجبال هي الأكثر تعقيدا في الحروب وتحتاج الى قوات نخبة للتأقلم معها،” ومتحدّثا عن وجود قناعة تركية بأن المزيد من التوغّل داخل المناطق العراقية الوعرة في الزاب والعمادية يعني مضاعفة الخسائر. وبسبب تنامي المخاطر على القوات التركية توقّع التميمي أن تلجأ أنقرة مستقبلا إلى إغلاق نصف الثكنات الثمانين المقامة على التراب العراقي لتقليل فاتورة الخسائر.
وتشارك الحكومةُ العراقيةُ في دفع فاتورة إطالة أمد العملية العسكرية التركية داخل العراق وتلكؤها، ولكن على صعيد سياسي، وذلك من خلال التعرضّ لمزيد من ضغوط الأحزاب والفصائل المناهضة للنفوذ التركي في البلاد. ووصف النائب علاء الحيدري التدخل العسكري التركي في العراق بالاحتلال، وأنحى باللائمة على الخارجية العراقية لعدم ممارستها لـ”دورها الحقيقي في الرد على التمدد التركي،” قائلا إنّ “صمت الخارجية إزاء الاحتلال التركي يشجّع تمدد الأتراك،” ومهدّدا بمساءلة الوزارة أمام مجلس النواب.