إضراب يشل الدبلوماسية الفرنسية

المضربون يعتقدون أنهم "غير قابلين لعملية تبديل" مهامهم ويخشون انتهاء الطابع الاحترافي للدبلوماسية الفرنسية ثالثة كبرى الشبكات في العالم.
الجمعة 2022/06/03
دعو إلى إصلاح الإدارة المدنية العليا

باريس - لبى موظفو وزارة الخارجية الفرنسية الذين يشعرون بـ"التعب" و"القلق" و"التهميش" دعوة غير مسبوقة إلى إضراب الخميس ضد سلسلة من الإصلاحات تهدد، حسب رأيهم، كفاءة الدبلوماسية الفرنسية ومكانتها.

ودعت إلى الإضراب النادر في قطاع يعتمد التكتم تقليديا ولا يميل إلى الاحتجاج ست نقابات وتجمع يضم 500 دبلوماسي شاب. وتجمع العشرات من هؤلاء الموظفين أمام المبنى العريق لمقر وزارة الخارجية في باريس رافعين لافتات كتبت عليها شعارات "الدبلوماسية تنقرض" و"الخدمة العامة في خطر" و"دبلوماسيون مضربون".

وشكل إصلاح الإدارة المدنية العليا -الذي يريد الرئيس إيمانويل ماكرون تحقيقه وسيكون له تأثير على الدبلوماسية المهنية- شرارة هذه التحركات. لكن في الواقع يتصاعد الاستياء منذ سنوات.

ويثير هذا الإصلاح مخاوف من أن يؤدي إلى إنشاء سلك جديد من مسؤولي الدولة ويقضي بعدم بقاء كبار موظفي الخدمة المدنية مرتبطين بإدارة معينة، بل على العكس سيدعون إلى تغييرها طوال مسيرتهم المهنية.

إصلاح الإدارة المدنية العليا الذي يريد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحقيقه سيؤثّر على الدبلوماسية المهنية

ويعتقد المضربون أنهم "غير قابلين لعملية تبديل" مهامهم ويخشون انتهاء الطابع الاحترافي للدبلوماسية الفرنسية ثالثة كبرى الشبكات في العالم. وقال السفير مارسيل إسكور الذي يعمل منذ 35 عاما في الوزارة "لا يمكن لأحد أن يصبح دبلوماسيا بين عشية وضحاها". وإسكور واحد من القلائل الذين ذكروا أسماءهم خلال التجمع أمام الوزارة.

ويوضح الدبلوماسي والنقابي في “الكونفدرالية الفرنسية للعمال المسيحيين" (سي أف تي سي) أوليفييه دا سيلفا أن "تراكم الإصلاحات والانخفاض المستمر في الموارد يؤديان إلى إرهاق الموظفين وإقلاقهم"، مشيرا إلى أن “الغضب شديد بشكل خاص" في هذا القطاع.

وقال جان باتيست (28 عاما) المحرر في إدارة الأمم المتحدة "لدينا عبء كبير جدا في العمل ولا نحسب ساعات عملنا لأننا فخورون جدا بأداء هذا العمل. لكنْ هناك شعور بعدم الارتياح ولدينا انطباع أنه لا يتم الإصغاء إلينا بدرجة كافية”.

وهذا الرأي كرره دبلوماسيون شباب آخرون طلبوا عدم كشف هوياتهم بذريعة الاحتياط، بعد أن استثمروا الكثير في تعلم اللغة التركية أو الصينية أو الاشتغال “ليلا نهارا” على منطقة أوكرانيا وروسيا.

وفي حدث غير مسبوق عبر عدد من الدبلوماسيين والسفراء والمدراء الإقليميين عن دعمهم لهذه الحركة الاجتماعية في تغريدات على تويتر خلال الأيام القليلة الماضية، تحت وسم #دبلو2ميتييه.

قطاع منهك ينادي بالتغيير
قطاع منهك ينادي بالتغيير 

وأعلن بعضهم -مثل سفيرة البلاد في الكويت كلير لو فليشيه أو في سلطنة عُمان فيرونيك أولانيون- أنهم سيضربون عن العمل، بينما قام آخرون -ومن بينهم مدير الشؤون السياسية في الوزارة فيليب إيريرا- بإعادة تغريد عمود نشرته مؤخرا مجموعة الدبلوماسيين الشباب.

وللسفراء والموظفين القنصليين الحق في الإضراب، لكن "بالطبع لن نهدد أبدا حماية مواطنينا ومصالحنا”، حسب دا سيلفا الذي أكد "ندعو إلى وقف العمل طالما أن ذلك لا يهدد استمرارية الدفاع عن مصالحنا". وأضاف أن "الإضراب في ذاته هو حدث"، معتبرا أنه "صرخة تحذير". وتابع أن "وزارتنا تلُفت ويجب إصلاحها". وتطالب النقابات والمجموعة بتنظيم لقاءات دبلوماسية.

ويعود آخر إضراب شهدته وزارة الخارجية الفرنسية إلى عام 2003. وبالنسبة إلى الدبلوماسيين يطال الإصلاح حوالي 700 منهم بشكل مباشر، وهذا سيؤدي إلى اندماج ثم "اضمحلال" تدريجي بحلول 2023 للهيئتين التاريخيتين للدبلوماسية الفرنسية والسفراء فوق العادة ومستشاري وزارة الخارجية.

عدد من الدبلوماسيين والسفراء والمدراء الإقليميين عن دعمهم لهذه الحركة الاجتماعية في تغريدات على تويتر

وقال سفير طالبا عدم كشف هويته “مع هذا الإصلاح سيتم تمثيل الفرنسيين بأشخاص غير مدربين أو غير مستعدين لقواعد الدبلوماسية”. وأضاف أن “منصب قنصل ليس دورا فخريا كما سمعت، بل الذهاب إلى المشرحة للتعرف على جثمان مواطن، أو إعلان وفاة أحدهم”، مؤكدا أنه “يجب أن نحافظ على مهنية دبلوماسيتنا”.

وأكد دبلوماسي آخر رفيع المستوى طلب عدم ذكر اسمه أيضا أنه قلق جدا بسبب “إجهاد الموظفين في مواجهة الضغط المستمر المتزامن مع تراجع الموارد”.

وتؤكد الوزارة -التي عينت على رأسها الدبلوماسية كاترين كولونا في خطوة فسرت على أنها "رسالة" إلى الموظفين- أنها "أقامت حوارا جيدا" مع جميع النقابات العمالية. واعترف مصدر مطلع على الملف بأن "القلق حقيقي والموظفين متعبون"، مشيرا إلى أن الحركة الاجتماعية تأتي في "وضع صعب جدا".

ويشير بذلك إلى وباء كورونا الذي استمر أكثر من عامين وتعاقب الأزمات وعمليات الإجلاء من كابول بعد انتصار طالبان في أغسطس 2021 والحرب في أوكرانيا وطرد دبلوماسيين من روسيا والأزمة مع مالي. وتفيد أرقام رسمية بأن حوالي 13500 موظف (دائمين ومتعاقدين وغيرهم) يعملون في وزارة الخارجية الفرنسية.

5