إضراب والدة علاء عبدالفتاح: ورقة ضغط سياسية أم تحرك تلقائي

دخول ستارمر على الخط لا يغير موقف القاهرة الرافض للتدخلات الخارجية.
الأحد 2025/03/02
أزمة حقوقية محلية تمهد لتدخلات خارجية

فيما تسعى مصر لاستثمار المكاسب السياسية التي حققها الرئيس عبدالفتاح السيسي في موضوع غزة بعد رفض ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين تجد نفسها في مواجهة أزمة حقوقية ناجمة عن إضراب جوع مفتوح لوالدة الناشط السياسي علاء عبدالفتاح مطالبة بإطلاق سراح ابنها المسجون.

القاهرة - دخلت أستاذة الرياضيات في الجامعة المصرية والناشطة السياسية ليلى سويف مرحلة صحية حرجة مع تجاوزها اليوم الخمسين بعد المئة من الإضراب عن الطعام، الذي نفذته في القاهرة ثم نقلته إلى لندن مؤخرا، احتجاجا على رفض السلطات المصرية الإفراج عن ابنها علاء عبدالفتاح الذي يقضي عقوبة السجن، ما استدعى تدخل عدد من الجهات الحقوقية لإصدار بيانات تحذر من إمكانية وفاتها.

وبدأ إضراب السيدة سويف يتحول تدريجيا إلى ورقة سياسية للضغط على الحكومة المصرية، وربما ابتزازها من خلال إعادة فتح ملف حقوق الإنسان للإفراج عن علاء عبدالفتاح، والذي رفضت القاهرة الاستجابة للضغوط سابقا للقيام بهذه الخطوة.

ومع استمرار إضراب الأكاديمية المصرية، التي تحمل الجنسية البريطانية أيضا، عن الطعام للإفراج عن ابنها، تحوّلت القضية من البعد الإنساني لتتخذ مسارا سياسيا وإعلاميا، في وقت استعادت فيه القاهرة الكثير من الزخم الشعبي بسبب رفضها المعلن لمقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتهجير سكان غزة، وتمكنت من بلوغ مراحل متقدمة في التفاهم مع دول أوروبية لتأييد موقفها الرافض للتهجير.

وصدر حكم بحق عبدالفتاح (43 عاما) بالسجن خمس سنوات في ديسمبر 2021 بعد اتهامه بنشر أخبار كاذبة. وارتفعت معدلات السخونة مع دخول كير ستارمر رئيس الوزراء البريطاني على الخط الأربعاء الماضي عندما تعهد في تصريح نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية ببذل كل ما في وسعه لضمان الإفراج عن علاء عبدالفتاح، الذي يحمل الجنسية البريطانية منذ نحو عامين، ودخلت على الخط منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان ووسائل إعلام غربية لمطالبة السلطات المصرية بالاستجابة لطلب ليلى سويف.

ونقلت وكالة الأنباء البريطانية (بي إيه ميديا) عن متحدث باسم الحكومة البريطانية قوله إن “رئيس الوزراء بحث قضية المواطن البريطاني علاء عبدالفتاح مع الرئيس عبدالفتاح السيسي. وقد ضغط من أجل إطلاق سراح علاء، بعد أن التقى بوالدته ليلى سويف في الأسابيع الأخيرة”.

وأصدرت منظمة العفو الدولية بيانا مقتضبا يوم الثلاثاء نشرته على حسابها الرسمي بموقع إكس قالت فيه “دخلت ليلى سويف، والدة الناشط المصري البريطاني علاء عبدالفتاح، المستشفى الليلة الماضية، تدهورت صحتها بشكل خطير بعد 149 يومًا من الإضراب عن الطعام احتجاجًا على سجن علاء ظلمًا، يجب إطلاق سراحه الآن وإعادته إلى أسرته قبل فوات الأوان”.

ونشر بعض الحقوقيين المصريين رسائل للتعاطف معها ومطالبة الحكومة بالرفق بها وإطلاق سراح ابنها، ونظم آخرون حملة للإضراب الجزئي عن الطعام لدعمها. وظهرت ملامح التوتر في امتعاض القاهرة من انتقادات علنية وجهها السفير البريطاني سيمون مانلي لما أسماه “الاعتقال التعسفي للصحافيين والناشطين” في مصر، ووصف الإبقاء على عبدالفتاح في السجن بأنه “غير مقبول،” بعد انتهاء فترة عقوبته.

◙ إذا استمرت مصر في التجاهل ستقابل باستنفار حقوقي غربي، وإذا تنازلت ستثبت على نفسها تهمة تسييس الأحكام القضائية

ويرى مراقبون أن الحكومة تواجه موقفا حرجا، فإذا استمرت في تجاهل إضراب ليلى سويف وانتهى الأمر إلى وفاتها نتيجة امتناعها المستمر عن تناول الطعام سوف يترتب على ذلك استنفار حقوقي وإعلامي غربي، وإذا أفرجت عن علاء عبدالفتاح ستثبت على نفسها الاتهامات الموجهة إليها بشأن تسييس الأحكام القضائية.

كما أن إطلاق سراح عبدالفتاح قد يفتح عليها بابا يصعب إغلاقه حول أوضاع العديد من السجناء الذين يواجهون ظروفا مشابهة، بتجاوز مدة حبسهم احتياطيا عن المدة التي حددها القانون بعامين، أو ممّن قضّوا مدة حكمهم ولم يتم الإفراج عنهم، ويفضي أيضا إلى اللجوء للمزيد من أدوات الضغط لإحراج القاهرة.

ويستند هؤلاء المراقبون في تفسير الموقف المصري المتشدد إلى إصرار أسرة عبدالفتاح على منح طابع سياسي للقضية عمدا وتضخيمها إعلاميا، وأن ذلك هو سبب دخولها في نفق مسدود، وفي هذا السياق يمكن التذكير بمحاولات منى وسناء سيف (شقيقتا علاء) لاستعداء الدول الغربية ضد الدولة المصرية خلال انعقاد مؤتمر المناخ الذي استضافته شرم الشيخ في نوفمبر 2022، ما قطع الطريق على الإفراج عنه.

وتواصل منى سيف، وهي من مؤسسي حركة “لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين”، تسليط الضوء على ما تقول إنه معاناة آلاف المدنيين أمام القضاء العسكري، عبر حسابها على فيسبوك، وكل ذلك ساهم في تشدد الموقف المصري من مسألة الإفراج عن شقيقها، وربما كان سببا رئيسيا في التعنت معه بشأن عدم احتساب مدة الحبس الاحتياطي من إجمالي العقوبة الموقعة عليه، والتمسك بسجنه خمسة أعوام كاملة، بداية من موعد صدور الحكم عليه، وليس منذ بداية حبسه احتياطيا.

ويقضي علاء عبدالفتاح حكما بالسجن بتهمة نشر معلومات كاذبة عبر مشاركة منشور على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) عن التعذيب في السجون المصرية، وتم حبسه احتياطيا عام 2019، قبل أن يصدر ضده حكم بالسجن خمس سنوات عام 2021، وكان يفترض الإفراج عنه في سبتمبر الماضي بموجب المادة 483 من قانون الإجراءات الجنائية التي توجب خصم مدة الحبس الاحتياطي من مدة العقوبة المحكوم بها عليه، وترتب على ذلك بقاؤه خلف القضبان حتى الآن.

ولا يخل الأمر من مناكفة سياسية بين معارضين ومؤيدين للسلطة في مصر، حيث يرى الفريق الأول وغالبيتهم من المقيمين خارج البلاد ويحسبون على جماعة الإخوان في الموقف فرصة مواتية لممارسة المزيد من الضغط على النظام المصري، والتنديد بمواقفه في ملف حقوق الإنسان، والإشارة إلى وجود المئات في السجون لدوافع سياسية وليست قانونية.

بينما لجأ الفريق الثاني من المؤيدين للسلطة إلى التذكير بإطلاق أول إستراتيجية وطنية لحقوق الإنسان في مصر قبل أعوام قليلة، والعفو عن المئات من السجناء السياسيين تلبية لمطالب جلسات الحوار الوطني التي عقدت على مدار العامين الماضيين. ورفضت السلطات المصرية محاولات عديدة للتوسط من أجل الإفراج عن علاء عبدالفتاح، وأبرزها زيارة وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي للقاهرة في يناير الماضي من أجل إقناع المسؤولين بإطلاق سراحه.

وترفض القاهرة الرضوخ للضغوط التي تمارس عليها للإفراج عن أي من المحكومين المدانين، ويندر أن تتفاعل مع حالات مسجونين مضربين عن الطعام، منهم علاء نفسه الذي نفذ عام 2022 إضرابا استمر لمدة 220 يوما قبل أن يقطعه في نوفمبر من نفس العام، ولم ترضخ لإضراب الكاتب والناشر والسياسي هشام قاسم وقت تقديمه للمحاكمة بتهمة السب والقذف في أغسطس عام 2023.

وكانت الناشطة والأكاديمية ليلى سويف بدأت إضرابها في سبتمبر من العام الماضي، لكن الاهتمام بتطورات حالتها الصحية المتدهورة نتيجة الامتناع عن الطعام زاد الأيام الماضية بعد نشر تقرير من طبيبها المعالج في مستشفى سانت توماس بوسط لندن، يحذر فيه من احتمال وفاتها المفاجئة، إذا استمرت في إضرابها عن الطعام، الذي تسبّب بحسب التقرير في تدهور شديد في وظائف جسدها.

3