إضراب الوكالة الوطنية للإعلام يكشف هشاشة القطاع الصحافي في لبنان

الإعلام اللبناني مسجون بين تداعيات الأزمة الاقتصادية وغياب القوانين.
السبت 2022/07/23
وزير الإعلام: قرار صعب لكنه ضروري

لم تكن الوكالة الوطنية للإعلام اللبناني يوم الجمعة مصدرا للخبر، وإنما كانت هي الخبر عينه، حيث احتجبت عن الصدور بصحبة الإذاعة الرسمية، في خطوة مفاجئة تكشف الكثير عن الوضع الصحافي الهشّ في لبنان الذي يعاني من أزمات في كل القطاعات ويبدو عاجزا عن حلها.

بيروت - في سابقة هي الأولى من نوعها، بدأت الوكالة الرسمية للإعلام اللبناني إضراباً مفتوحاً ابتداءً من صباح الجمعة بسبب تردي الأوضاع المعيشية للعاملين فيها وعدم قدرتهم على الوصول إلى مراكز عملهم، مما يسلّط الضوء على حجم الأزمة التي يعاني منها قطاع الصحافة والإعلام في بلد يتخبّط في أزمات حادة ومتتالية.

وقالت الوكالة في بيان الجمعة ”تأسف الوكالة الوطنية للإعلام لإعلان بدء الإضراب المفتوح اعتبارا من صباح اليوم الجمعة، لعلّ صمتها، للمرة الأولى في تاريخها، يكون أكثر بلاغة من صوتها الذي لطالما ملأ فضاء الإعلام وكان المورد الرئيسي للخبر اليقين على مساحة لبنان كله”.

وأضاف البيان أن “الوكالة الوطنية للإعلام تجدد التأكيد على أنها وجدت نفسها مكرهة على الإضراب بفعل تنامي جبل الصعوبات الذي لا يزال فريق عملها يحفره بإبرة الصبر، وبسبب استفحال الأزمات التي باتت تحول دون المواءمة بين الحس الوظيفي المسؤول والقدرة على بلوغ مركز العمل”.

وتابع البيان ”نجدد الاعتذار إلى جميع من سيُحجب صوتهم ونشاطهم بحكم الإضراب، ونبقى متسلحين بالإيمان بغد أفضل يحمل ولو جزءاً يسيراً من حلّ يعيدنا إلى مكاتبنا ورسالتنا، وترياقا يمدّ القطاع العام كله - ونحن جزء منه - بإكسير البقاء”.

الوكالة الوطنية للإعلام هي المصدر الأول للخبر الرسمي وتصدر بعدة لغات، وتعتمدها وسائل الإعلام اللبنانية والأجنبية

والوكالة الوطنية للإعلام تأسست عام 1961، وهي المصدر الأول للخبر الرسمي في لبنان، ولديها مكاتب منتشرة في المحافظات والمراكز الرسمية وقصور العدل، وتصدر بعدة لغات، وتعتمدها وسائل الإعلام اللبنانية والأجنبية.

وكان العاملون في الوكالة قد نفّذوا الأسبوع الماضي إضراباً تحذيرياً لمدة يومين، بسبب تنامي الأزمة المعيشية وارتفاع أسعار المحروقات وعدم قدرتهم على الالتحاق بعملهم.

يذكر أن موظفي القطاع العام ينفذون إضراباً مفتوحاً منذ 13 يونيو الماضي، مما سبب شللا تاما في المؤسسات والإدارات العامة وأوقف مصالح الناس بشكل كامل، فيما يطالب الموظفون بزيادة رواتبهم لمواجهة أعباء المعيشة، بعدما بات الحدّ الأدنى للأجور يوازي ثمن صفيحة واحدة من البنزين، ويطالبون بالحصول على 10 لترات بنزين عن كل يوم عمل فعلي ليتمكن الموظف من الوصول إلى عمله.

كما يطالبون برفع قيمة التقديمات الاجتماعية وإعادة احتسابها بشكل يتناسب مع نسبة الضريبة التي يدفعها الموظفون، وتأمين الأموال اللازمة للصناديق الضامنة ليتمكن الموظف من الحصول على الخدمات الطبية والاستشفاء.

وكان الرئيس اللبناني ميشال عون، قد وقّع الأربعاء، مرسوماً يقضي بإعطاء مساعدة اجتماعية مؤقتة للعاملين في القطاع العام، وإعطاء وزارة المالية سلفة خزينة لتمكينها من سداد هذه المساعدة، وذلك بقيمة 3400 مليار ليرة شهريا.

ولم تضرب أزمة المحروقات الحادّة التي يعاني منها لبنان منذ عام تقريبا الوكالة الوطنية للإعلام فقط وإنما دفعت مؤسسات إعلامية أخرى إلى اتخاذ إجراءات استثنائية تفاوتت تبعا للإمكانات والاحتياطات وتوحدت حول الاستمرارية والصمود في شتّى الوسائل لإبقاء تغطياتها قائمة لوقائع كوارث اقتصادية ومعيشية غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

وعلّق الصحافي اللبناني إيلي سرّوف على خبر احتجاب الوكالة قائلا:

وبالتزامن مع احتجاب الوكالة الوطنية للإعلام، دخلت إذاعة لبنان (الإذاعة الرسمية) في إضراب مفتوح، وكذلك الأمر بالنسبة إلى العاملين في وزارة الإعلام اللبنانية، وعللوا الأمر بأنهم لم يلمسوا خطوات فعلية إيجابية من قبل المعنيين بملفّهم، لتصحيح أوضاعهم المعيشية، حالهم حال الغالبية الساحقة من العاملين في القطاع العام وكلّ مفاصل الدولة اللبنانية.

وسبق وأن ندد موظفو هذه المؤسسات العمومية بتدني قيمة رواتبهم التي لم تعد تساوي أكثر من 5 في المئة من قيمتها، كما أنها لن تصرف لهم في نهاية شهر يوليو الحالي بسبب إضراب القطاع العام، بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية الخانقة والارتفاع الجنوني لسعر الدولار مقابل الليرة، وعدم تقاضيهم، باعتبارهم موظفين في القطاع العام، بدل نقل منذ أكثر من أربعة أشهر.

ويكشف هذا الوضع صعوبة الحياة التي بات يعانيها الصحافي والإعلامي اللبناني العامل في القطاع العام، حيث لم يعد قادرا على الذهاب إلى عمله أو حتى الوفاء بالتزاماته العائلية.

وتقول مؤشرات أن حرية الصحافة والتعبير تراجعت في لبنان منذ العام 2010، كما يواجه صحافيون ونشطاء حملات تحريض وتهديد على مواقع التواصل، واستدعاءات أمنية ودعاوى قضائية، وكلها تهدف إلى الحد من الحريات ونقل الحقيقة.

ورغم كل ذلك، حافظت الوكالة الوطنية للإعلام اللبناني على استقلاليتها على الرغم من أنها ناطقة باسم الدولة. وعملت الوكالة على نقل الأحداث الصعبة والمتسارعة التي شهدها لبنان خلال الثلاث سنوات الأخيرة بموضوعية، ولم تحجب أخبار المعارضة عن موقعها، وكانت في بعض المرات سباقة في تغطية نشاطات وتظاهرات المحتجين والمعارضة المناهضة للحكومة اللبنانية خصوصا خلال التحركات الشعبية التي بدأت في 17 أكتوبر 2019.

وتساءلت صحافية لبنانية تدعى دجى داوود:

وعلّق الصحافي عفيف دياب قائلا:

يذكر أن بقية وسائل الإعلام في لبنان تكافح من أجل البقاء، بعد احتجاب عدد منها عن الصدور وتعثر معظمها عن سداد رواتب موظفيها، في وقت يشهد فيه قطاع الصحافة تدهوراً منذ سنوات فاقمته مؤخراً أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود وتداعيات جائحة كورونا.

كما أن قانون الإعلام الذي يعمل عليه منذ سنوات، لضمان حرية الإعلام وحقوق العاملين فيه، لم يستطع رؤية النور بالرغم من الخطابات المتتالية لوزراء الإعلام وتفاؤلهم بقرب إنجازه، بالإضافة إلى أن الإعلام العمومي لا يزال متأخرا عن مواكبة التطورات التقنية والتكنولوجية مقارنة بوسائل الإعلام الخاصة التي اكتسحت السوق ودفعتها المنافسة إلى تحديث أساليبها في العمل وإخضاع العاملين فيها إلى دورات لاكتساب مهارات جديدة يتطلبها السوق الإعلامي اليوم.

16