إضراب القضاة في لبنان يعلّق مصير المواطنين الموقوفين

القضاة لا يحتجّون على تدهور رواتبهم، بل أيضاً على سوء الخدمات في قصور العدالة.
الجمعة 2022/12/09
أوضاع صعبة

بيروت - منذ أشهر، يقبع سائق سيارة الأجرة يوسف ضاهر في السجن من دون توجيه أيّ اتهامات له، جراء إضراب مفتوح ينفّذه القضاة منذ الصيف احتجاجاً على تدهور قيمة رواتبهم على وقع انهيار اقتصادي لم يوفر قطاعاً من تداعياته.

ويشكل إضراب القضاة الذي يساهم في إبقاء قضايا مصيرية وملفات موقوفين معلقة، دليلاً إضافياً على حالة الانهيار الكامل الذي تعيشه المؤسسات العامة في لبنان، حيث بات الحصول على جواز سفر أو إنجاز معاملة في الدوائر العقارية أو في المحاكم يحتاج إلى معجزة.

يومياً، يوجّه ضاهر رسائل من داخل سجنه في مدينة طرابلس (شمال) عبر خدمة واتساب إلى محاميه لسؤاله عما إذا أنهى القضاة اعتكافهم، بعدما تقدّم قبل أشهر بطلب لإخلاء سبيله، ما زال البتّ فيه معلقاً.

160

دولارا راتب القاضي في لبنان بحسب سعر الصرف في السوق السوداء

وقبل ثمانية أشهر، أوقفت القوى الأمنية ضاهر، بعدما أقلّ بسيارته متهما بجريمة خطف، من دون علمه كما يقول. وبعد استكمال التحقيقات معه، لم يوجّه له أيّ اتهام، فتقدم محاميه بطلب لإخلاء سبيله، لكن بدء القضاة لإضرابهم حال دون البتّ في الطلب.

ومنذ بدء الانهيار الاقتصادي قبل ثلاث سنوات، تتكرّر إضرابات موظفي القطاع العام الذين تدهورت رواتبهم جراء انهيار قيمة الليرة وخسارتها قرابة 95 في المئة من قيمتها مقابل الدولار. وانضم القضاة إليهم في منتصف أغسطس في إضراب مفتوح ما زال مستمراً رغم حصولهم على زيادة في الرواتب.

وقد أقرّ البرلمان في موازنة 2022 في سبتمبر زيادة رواتب موظفي القطاع العام بينهم القضاة راتبين على الراتب الأساسي، كما تم تحسين المساعدات الاستشفائية والتعليمية. إلا أن القرار لم يسر بعد. كما لم ينه القضاة إضرابهم، ليصبح أطول إضراب في تاريخ القضاء في لبنان.

ويتراوح حالياً مرتب القاضي من الدرجة الوسطى بين ستة وسبعة ملايين ليرة، أي ما يعادل 160 دولاراً بحسب سعر الصرف في السوق السوداء، كما باتت التقديمات الصحية والمنح التعليمية لأطفال القضاة شبه معدومة جراء تدهور سعر الليرة. ولا يحتجّ القضاة على تدهور رواتبهم، بل أيضاً على سوء الخدمات في قصور العدل.

وبمعزل عن الأزمة الاقتصادية، تتسبب البيروقراطية داخل النظام القضائي في لبنان أساساً بتأخير البتّ في القضايا المرفوعة وإصدار الأحكام النهائية. وتفيد تقديرات عن وجود قرابة ثمانية آلاف سجين، لم تصدر أحكام بحق غالبيتهم. وفاقم إضراب القضاة الوضع سوءاً.

إضراب القضاة يشكل دليلاً إضافياً على حالة الانهيار الكامل الذي تعيشه المؤسسات العامة

ويروي مصدر قضائي في قصر العدل في منطقة بعبدا، قرب بيروت، كيف أن “13 سجينا أنهوا محكوميتهم منذ شهرين ونصف الشهر، ويفترض أن يكونوا غادروا السجن لكنهم ما زالوا قابعين فيه بسبب عدم التئام هيئات محاكم الجنايات لتقرر ادغام الأحكام الصادرة بحقهم حتى يصدر قرار إلى آمر السجن بالإفراج عنهم”.

وقبل شهرين، أوقفت القوى الأمنية شاباً سورياً بتهمة الترويج للمخدرات، لكنه لم يخضع لغاية الآن إلى أيّ تحقيق قضائي بسبب توقف النيابة العامة عن العمل، وفق ما تقول محاميته جوسلين الراعي ، مشيرة إلى أنه لم تصدر حتى مذكرة توقيف بحقه.

ويوضح مسؤول “كان يغادر شهرياً حوالي 350 شخصاً بين موقوف بإخلاءات سبيل أو محكوم انتهت مدة محكوميته، أما الآن فيغادر السجون حوالي 25 شخصاً شهرياً” فقط، موضحاً أن غالبية هؤلاء يخرجون بعد “تدخل وسطاء لدى قضاة للبت في ملفاتهم”. ويضيف “فاقم ذلك أزمة السجون واكتظاظها، وضاعف الأعباء على إداراتها”، مشيراً إلى رصد زيادة كبيرة في عمليات الفرار.

ويقول أحد القضاة، فضّل عدم الكشف عن اسمه، “من حقّ القاضي أن يحصل على حياة كريمة”، لكنّ “الظلم بات أيضاً يطال جميع الموقوفين حتى الملاحقين بجرم سرقة ربطة خبز”.

2