إصلاحات إماراتية شاملة تعزز فاعلية أدوات الرقابة المالية

تترقب دولة الإمارات الخروج من القائمة الرمادية التابعة لهيئة رقابية عالمية هذا الأسبوع بعد حملة ضيقت الخناق على التدفقات المالية غير المشروعة إلى سوقها في أعقاب إصلاحات شاملة قامت بها على مدار أشهر لتعزيز فاعلية أدوات الرقابة.
أبوظبي - كشفت مصادر مطلعة الثلاثاء أن شطب الإمارات من القائمة الرمادية لمجموعة العمل الدولية (فاتف) من المتوقع أن يتم الجمعة المقبل، والذي يعد اليوم الأخير من الاجتماع العام لهذه المنظمة في باريس.
وأكدت المصادر لوكالة بلومبرغ أن خبراء فاتف قاموا بزيارة إلى البلاد الشهر الماضي، وقدموا تقييما لاحقا بشأن خطة عمل الإمارات، أشاروا فيه إلى التقدم الملحوظ الذي أحرزته الحكومة. وذكروا أنه لم تُتخذ قرارات نهائية بعد.
وتخوض البلاد، التي تشكل وجهة عالمية للاستثمارات ومركزا ماليا وازنا في المحيطين الإقليمي والدولي، جهودا لا تهدأ لمكافحة غسيل الأموال، وفق ضوابط صارمة تخضع للمعايير العالمية.
وكشفت بلومبرغ في أكتوبر الماضي أن مندوبي ثلاثة أعضاء على الأقل في فاتف، الذين أيدوا سابقاً إدراج الإمارات على قائمة الدول الخاضعة للمزيد من المراقبة، دعموا رفع البلد من القائمة في موعد أقربه فبراير 2024.
وقال ديفيد لويس، السكرتير التنفيذي السابق في فاتف، والذي يشغل حاليا منصب العضو المنتدب في شركة كرول إنه “نادرا ما تصل دولة إلى هذه المرحلة الأخيرة ولا تُرفع من القائمة”. ومع ذلك، قد تشير فاتف إلى “وجوب القيام بالمزيد من العمل”.
وتحتاج عملية الشطب تصويت أغلبية أعضاء فاتف وعددهم 40 على أن دولة مّا قد أحرزت تقدما كافيا منذ بدء فترة التقييم. وتقول المصادر إن أصواتا قليلة معارضة تكفي لإبقاء الدولة على القائمة.
وفي أواخر 2023، قام مسؤولون إماراتيون بجولة في أهم الدول الأعضاء في فاتف، وشملت زيارات إلى الولايات المتحدة وسويسرا وسنغافورة، بهدف حشد الدعم.
وكان الالتفاف على العقوبات الأميركية على روسيا والعملات المشفرة محور النقاش مع الشركاء الأجانب.
وقال مسؤول إماراتي لبلومبرغ، لم تكشف هويته، إن بلاده “حريصة على مكافحة التمويل غير المشروع”، مؤكدا أنها تواصل “زيادة فعالية نظامنا الوطني وفقا لأفضل الممارسات العالمية”.
ومن شأن الخطوة إعطاء إشارة إلى التحسن السريع، الذي حققته الدولة التي أضيفت إلى قائمة الدول الخاضعة للمراقبة المشددة في مارس 2022.
وأشار تحقيق حينها إلى مكانة دبي باعتبارها وجهة لعدد من أثرياء العالم، بعدما تحولت الإمارات بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، إلى واحدة من ثلاث دول في الشرق الأوسط، التي جذبت بقوة الأثرياء الروس.
وساعد ذلك في تجنب البلد الخليجي الآثار الاقتصادية المشابهة لتلك التي حدثت في بعض الدول الأخرى المُدرجة على القائمة الرمادية.
وقالت ابتسام الأسود، رئيسة استشارات الجرائم المالية الإقليمية في شركة التميمي آند كو للمحاماة ومقرها في دبي، إن “الإمارات تعد مركزا ماليا ناشئا، وأهميتها للسوق المالية العالمية كانت جزءاً من الدافع المنطقي لقرار فاتف بإدراجها على القائمة الرمادية”.
لكنها أشارت أيضا إلى المرونة النسبية التي اتسمت بها الإمارات في مواجهة التبعات المترتبة على إدراجها بالقائمة.
وبعد الموجة الأولى من التدفقات الداخلة، بدأت البنوك الإماراتية بتشديد التدقيق في معاملات المتعاملين، من بينهم الروس، ضمن الجهود التي بذلتها الحكومة بهدف الرفع من القائمة.
كما شددت الرقابة على تحويلات الأموال، سواء كانت من شركات تعيد الأموال إلى روسيا أو تنقلها إلى دولة ثالثة.
وطالبت بعض البنوك بالمزيد من المستندات، وجمدت الأموال في بعض الأحيان، في إطار بحثها عن أسباب التحويلات أو استفسارها عن مصدر تلك الأموال.
وفرضت الحكومة الإماراتية غرامات مرتبطة بمكافحة غسل الأموال بلغت نحو 69 مليون دولار ما بين يناير وأكتوبر 2023، ويمثل ذلك زيادة بأكثر من 3 أضعاف الغرامات المفروضة قبل عام.
وستسهم خطوة الشطب في نمو نشاط البنوك الأميركية التي تقوم بعمليات كبيرة داخل الإمارات، بعدما عانت في ظل زيادة تكاليف الامتثال منذ الإدراج على القائمة، ما اضطر بعضها إلى إسناد المزيد من العمليات إلى الهند.
وضمن الجهود التي بذلها المسؤولون، اعتقال بعض الشخصيات البارزة، حيث سلّمت الإمارات أواخر 2023 إلى الدنمارك سانجاي شاه، المتداول بصندوق تحوّط، والمتهم بالاحتيال على الحكومة الدنماركية بمبلغ 1.3 مليار دولار عبر منصة كيوم.إكس.
كما تم القبض على أتول وراجيش غوبتا، المطلوبان في جنوب أفريقيا بتهمتي غسل الأموال والاحتيال، رغم رفض محكمة محلية طلب الدولة الأفريقية تسليم الشقيقين.
وفي غضون ذلك، طلبت السلطات الأنغولية تسليم إيزابيل دوس سانتوس، وهي مليارديرة أخرى وجدت ملاذاً في دبي.
ورغم إشادة بعض حلفاء الإمارات بالتقدم الذي أحرزته الدولة ضمن فاتف، فإنهم أشاروا، بشكل منفصل، إلى قلق مستمر إزاء البلد الخليجي.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة شحن مقرها في الإمارات، نتيجة انتهاك سقف السعر المفروض على النفط الروسي عند 60 دولارا للبرميل.
كما دعا مسؤولون غربيون الإمارات لتجنب أن تكون بوابة لالتفاف روسيا على القيود المفروضة على التكنولوجيا الخاضعة للحظر، لكن الإمارات ردت بأنها تراقب باستمرار تصدير المنتجات مزدوجة الاستعمال.
ورغم الإصلاحات الحديثة للإمارات في قطاع الذهب، فإن ثمة نقاط ضعف، بحسب مارسينا هنتر، المديرة في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
وقالت لبلومبرغ “يبدو أن هذا ليس مجرد إجراء تتخذه الإمارات لتحسين الصورة، لكن أفعال بعض الأطراف داخل الدولة قد تهدد بإضعاف المساعي الصادقة من جانب بعض المسؤولين نحو تعزيز الالتزام وتحصين إجراءات العناية الواجبة”.