إصرار تركي على مواصلة دورة التيسير النقدي المثيرة للجدل

تمسكت تركيا بإصرارها على عدم إيقاف دورة التيسير النقدي رغم أن البنك المركزي وضع حدا للتكهنات حول إمكانية إقدامه على خفض جديد في أسعار الفائدة، وسط ترجيح الخبراء بألا تحقق هذه السياسة اختراقا يذكر في جدار مشكلتي التضخم والليرة.
أنقرة - قرر البنك المركزي التركي الخميس بشكل مفاجئ إنهاء دورة التيسير النقدي بعد إعلانه عن آخر خفض لسعر الفائدة هذا العام، وهو ما سيضع أنقرة الآن أمام اختبار قدرتها على السيطرة على انهيار الليرة والتضخم الجامح.
وخفض المركزي معدل الفائدة بمقدار 150 نقطة أساس، ليبلغ 9 في المئة، كما توقع المحللون، مواصلا سلسلة بدأها الصيف الماضي والتي تتفق مع رغبة الرئيس رجب طيب أردوغان، وتأتي على خلاف سياسة أغلب البنوك المركزية في مثل هكذا ظروف.
ويتلقى صانعو السياسة النقدية دعوات متكررة من أردوغان لربط أسعار الفائدة بأرقام فردية قبل نهاية 2022 مع دخول تركيا مرحلة نهائية استعدادا للانتخابات الرئاسية، التي لا تفصل تركيا عنها سوى بضعة أشهر.
وعلى وقع هذا القرار، تحرك سعر صرف الليرة بشكل طفيف إلى الخلف، ليتم تداول الدولار عند 18.63 ليرة بتراجع بنسبة 0.1 في المئة.
وقالت لجنة السياسة النقدية بقيادة محافظ البنك شهاب كافجي أوغلو في بيان إن “سعر الفائدة الحالي مناسب وقررت إنهاء دورة خفض أسعار الفائدة التي بدأتها في أغسطس” الماضي.
ومن شأن الخفض الرابع على التوالي للفائدة أن يؤكد على نشوز السياسة النقدية التركية الشديد خلال العام، بينما كانت بنوك مركزية رئيسية كبرى أخرى تشدد السياسة لمستويات لم يشهدها العالم خلال أربعة عقود في محاولة لضبط التضخم.
وفعلت تركيا العكس تماما، مسترشدة باعتقاد أردوغان غير التقليدي بأن معدلات الفائدة المنخفضة لديها القدرة على تهدئة التضخم.
وخفّض المركزي تكاليف الاقتراض الرسمية بمقدار 350 نقطة أساس منذ أغسطس، على الرغم من زيادة أسعار المستهلك بأكثر من 85 في المئة والتي يُرجّح أن تنهي العام باعتبارها ثاني أعلى مستوى في مجموعة العشرين بعد الأرجنتين.
وكان أردوغان قد أقال أسلاف محافظ المركزي الثلاثة بعد أن اتخذوا موقفا اعتبروه غير مناسب بما فيه الكفاية. وكان الرئيس التركي يضغط لأجل خفض أسعار الفائدة وتكلفة الإقراض في سعي لدفع عجلة الاقتصاد.
وفي الوقت الراهن، يتجاوز معدل التضخم السنوي هدف المركزي بأكثر من 17 مرة، وهو الأعلى منذ تولي أردوغان السلطة قبل عقدين.
ويتوقَع المركزي أن يبلغ نمو الأسعار بنهاية العام حوالي 65 في المئة، وهو تقييم أكثر تفاؤلاً من وجهة نظر العديد من الاقتصاديين. وفي الشهر الماضي، أقر محافظ البنك بأنَه “لا يمكننا اعتبار أنفسنا ناجحين في خفض التضخم”.
وألقى المسؤولون الأتراك الكثير من اللوم على الغزو الروسي لأوكرانيا بسبب تأجيج تكاليف الطاقة. كما هدد أردوغان بشن حملة على متاجر البقالة لعدم السيطرة على الأسعار.
وتقول سيلفا بحر بازيكي المحللة في بلومبرغ إيكونوميست إنه على الرغم من موقف السياسة المتساهل، فمن المرجح أن يبدأ التضخم في التباطؤ من نوفمبر فصاعدا بسبب التأثيرات الأساسية المرتفعة.
لكنها لفتت إلى أن أسعار الاستهلاك ستظل مرتفعة، حيث أن تخفيضات البنك المركزي للفائدة ستعود مرة أخرى إلى دفع الأسعار إلى الأعلى، وستؤدي السياسات المالية التوسعية قبل الانتخابات إلى زيادة مكاسب الأسعار.
ولمنع انزلاق الليرة وتضرر الاقتصاد تُشجع السلطات الإقراض المستهدف الذي يميل إلى تخصيص رأس المال الرخيص للمصدّرين والشركات ذات التوجه الاستثماري.
ومن دون خيار رفع أسعار الفائدة لدعم الليرة كان صانعو السياسة النقدية يتدخلون بدلا من ذلك في سوق العملات ويضغطون على المقرضين التجاريين للحد من مشتريات عملائهم من العملات الأجنبية.
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه تكاليف النهج الفضفاض للغاية، يفتخر المركزي باحتياطاته الإجمالية التي نمت إلى أعلى مستوياتها هذا العام ومن المقرر أن ترتفع أكثر بحلول نهاية هذا الشهر.
ومع ذلك، فقد انخفضت قيمة الليرة بنسبة 29 في المئة تقريبا مقابل الدولار هذا العام، وهو أسوأ أداء في الأسواق الناشئة بعد البيزو الأرجنتيني.
وتعتزم السعودية وضع وديعة بقيمة 5 مليارات دولار في المركزي التركي لمساعدة أنقرة في تحقيق استقرار الليرة قبل الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل.
وفي حين قال متحدث باسم وزارة المالية السعودية الأربعاء الماضي إن “المناقشات التي تجريها السعودية بشأن مساعدة تركيا وصلت إلى مرحلتها الأخيرة”، أكدت وزارة الخزانة التركية اقتراب البلدين من الاتفاق على الوديعة.
ويأتي هذا الاتفاق المنتظر توقيعه قريبا جدا في إطار التقارب بين الرياض وأنقرة بعد سنوات من الخلافات الحادة حول العديد من القضايا الإقليمية لدرجة أن السعوديين أظهروا علامات واضحة على مقاطعتهم للسلع التركية.
ويقول خبراء إن الاتفاق سيعتبر مكسبا كبيرا لأردوغان الذي عاد إلى التقارب من دول الخليج العربي للحصول على الدعم الاقتصادي منها في وقت سابق من العام الحالي.
ويقود وزير المالية التركي نورالدين نبطي جهود الحصول على المساعدات من السعودية والإمارات وقطر.
وفي وقت سابق أكد أردوغان إن احتياطي النقد الأجنبي الرسمي لبلاده قد يرتفع إلى 130 مليار دولار قريبا، مقابل أعلى مستوى له خلال العام الحالي والذي بلغ في الحادي عشر من هذا الشهر 117.5 مليار دولار.
وقال ماريك دريمال المحلل الإستراتيجي لأوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بنك سوسيتيه جنرال إن الاحتياطات المرتفعة “ستوفر حاجزا في حالة وجود ضغط بيع بالليرة”.
وأوضح دريمال، الذي يتوقع مزيدا من الخفض في الفائدة إلى 8 في المئة، أن الليرة ستظل “مستقرة تقريبا حتى منتصف عام 2023، بسبب تأثير مزيج السياسات التي تهدف إلى تثبيت العملة”.
وتحاول الحكومة التركية عبر سياساتها النقدية ضمان تدفق الائتمان من أجل تحريك الأسواق والقطاعات الإنتاجية ما يسمح بتعزيز مستويات نمو الناتج المحلي الإجمالي.