إصدار محمود عباس إعلانا دستوريا لتفادي فراغ رئاسي يخلق جدلا سياسيا وقانونيا

الساحة الفلسطينية تضج بتساؤلات حول الإعلان: ترتيبات داخلية أم اشتراطات خارجية.
الجمعة 2024/11/29
روحي فتوح في واجهة الحدث الفلسطيني

أقدم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على خطوة لافتة من حيث توقيتها بإصدار إعلان دستوري يقضي بتولي رئيس المجلس الوطني في منظمة التحرير مهامه في حالة الشغور.

رام الله - أثار الإعلان الدستوري الذي أصدره رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (89 عاما) الأربعاء جدلا واسعا على الساحة الفلسطينية، من حيث دلالات توقيته ومدى قانونيته. ونصَّ الإعلان على أنه “إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في حالة عدم وجود المجلس التشريعي (برلمان السلطة)، يتولى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني (برلمان منظمة التحرير) مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتا، لفترة لا تزيد على 90 يوما.” وبحسب الإعلان الدستوري تُجرى خلال هذه الفترة “انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد (للسلطة الفلسطينية) وفقا لقانون الانتخابات.”

وينص القانون الأساسي (الدستور) على أنه في حال شغور مركز رئيس السلطة “يتولى رئيس المجلـس التشريعي الفلسطيني (البرلمان) مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتا لمدة لا تزيد عن 60 يوما تُجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقا لقانون الانتخابات الفلسطيني.” غير أن المجلس التشريعي الذي حصلت حركة حماس على أغلب مقاعده في آخر انتخابات عام 2006، حُل بقرار من المحكمة الدستورية أواخر 2018.

أما المجلس الوطني الفلسطيني الحالي فيرأسه روحي فتوح (75 عاما)، القيادي في حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، التي يتزعمها عباس. ويمثل المجلس الوطني السلطة التشريعية العليا للشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة (الداخل والخارج)، وهو الذي يضع سياسات منظمة التحرير ويرسم برامجها.

أحمد فؤاد أنور: تقاعد أو اختفاء عباس من المسرح السياسي ستكون لهما تبعات
أحمد فؤاد أنور: تقاعد أو اختفاء عباس من المسرح السياسي ستكون لهما تبعات

وقال الخبير في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية أحمد فؤاد أنور إن اختيار الرئيس عباس لروحي فتوح لا يعني أنه وضعه خليفة له على رأس السلطة الفلسطينية؛ فهي فترة مؤقتة وجرى اختياره بحكم منصبه في منظمة التحرير ولكونه رئيسا للمجلس الوطني، في ظل عدم وجود مجلس تشريعي حاليا تسند إلى رئيسه هذه المهمة كمرحلة انتقالية، ما يعني أن هناك ظروفا موضوعية فرضت هذا الاختيار، إلى حين انتخاب رئيس جديد للسلطة يتواءم مع طبيعة التحديات التي تمر بها القضية الفلسطينية ويستطيع التعامل مع الأوضاع الحالية مع انفتاح حماس على إدارة مشتركة لقطاع غزة لتجاوز المخططات الاستيطانية الإسرائيلية.

وأضاف فؤاد أنور في تصريحات لـ”العرب” أن تقاعد أو اختفاء عباس من المسرح السياسي ستكون لهما تبعات داخل حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية مع كثافة الغموض الذي تمر به الهياكل الثلاثة، وعدم وجود هيكلية واضحة يتم على أساسها اختيار القيادة، فضلا عن تزايد الخلافات والانقسامات، ووجود أجنحة داخل فتح تتصارع على إدارة الحركة، بعضها تقليدي وبعضها الآخر إصلاحي، وربما أخطأ عباس في عدم معالجة هذه المسألة، وتركها مفتوحة، ربما كضمانة لاستمراره في السلطة فترة طويلة.

من جهته اعتبر أستاذ القانون الدولي في الجامعة العربية الأميركية بجنين رائد أبوبدوية أن “الإعلان يعد تجاوزا للصلاحيات الممنوحة للرئيس.” ولم يستبعد أن يكون القرار ناتجا عن ضغوط سياسية إقليمية وعربية وأميركية، خوفا من وجود حالة من الفوضى في حال شغور منصب الرئيس. وزاد بأن رئيس المجلس الوطني الحالي روحي فتوح “شخصية بعيدة عن أي تجاذبات وقد تكون مقبولة لدى قيادات سياسية في حركة فتح التي تطمح لشغل المنصب.”

ولكنه استدرك قائلا “للإعلان سلبيات عديدة، أولها مخالف للقانون ولم يأت بتوافق وتشاور وطني وفصائلي، ما يزيد من حالة الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس.” وتحت وطأة ضغوط إسرائيلية وخلافات فلسطينية، انهارت حكومة وحدة وطنية بقيادة حماس صيف 2007، وسيطرت الحركة على غزة بقوة السلاح، فيما تشكل منظمة التحرير الفلسطينية، بقياد فتح، الحكومات في الضفة الغربية.

ووفق الخبير في الشأن الفلسطيني جهاد حرب، يفكر الرئيس عباس في عملية انتقال السلطة في حال شغور منصب رئيس السلطة الوطنية، ووفق القانون يكون رئيس المجلس التشريعي رئيسا مؤقتا للسلطة، ولكن بعد حله لا توجد آلية واضحة لانتقال السلطة. وقال حرب إن “الرئيس ذهب إلى السلطة التشريعية الموالية له، وهي المجلس الوطني.”

ورأى أن “الإعلان محاولة لكي لا يكون هناك فراغ في رئاسة السلطة (…) وهذا الإعلان تعديل للمادة 37 من القانون الأساسي ويمكن وصفه قرارا لتعديل القانون وليس إعلانا.” وحذر حرب من أن “الإعلان سيثير نقاشا حادا بين طرفيْ الانقسام؛ فتح وحماس، وسيغير طبيعة السلطة لأنه جاء بمنصب من خارج السلطة، أي من منظمة التحرير، ووفق ما هو متعارف فإن المجلس الوطني أعلى من المجلس التشريعي.”

ولفت إلى أن ما جرى هو خلط بين المؤسستين (المنظمة والسلطة) ونظامين قائمين، وهذا سيخلق إرباكا في المستقبل. وجاء القرار مع استئناف الإدارة الأميركية جهودها من أجل التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة، ولطالما طالبت واشنطن السلطة الفلسطينية بضرورة إجراء إصلاحات تعيد ثقة الفلسطينيين بها.

وقال مدير مركز يبوس للدراسات سليمان بشارات إن “هذا الإعلان في هذا التوقيت يعطي مجموعة من المؤشرات، أولها استكمال ما أُعلن عنه سابقا من بدء الإصلاحات وتجديد السلطة الفلسطينية، وهو ما كان أحد المطالب الدولية بعد السابع من أكتوبر.” وأضاف بشارات “تم تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة محمد مصطفى، وهذه الخطوة (الإعلان) استكمالية في ما يتعلق بمؤسسة الرئاسة باعتبار هذه المؤسسات المرجعيات الرئيسية للسلطة الفلسطينية.”

وتتصاعد منذ أشهر ترتيبات وخطط وتكهنات بشأن طبيعة الحكم في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب في القطاع. والأمر الثاني، حسب بشارات، هو أن “هناك تصاعدا في حدة الاستقطابات داخل أقطاب السلطة الفلسطينية وفتح في السنوات القليلة الماضية حول خليفة الرئيس.” وأردف أنه “على إثر ذلك أيضا تم انتخاب نائب لرئيس حركة فتح، وهو محمود العالول، بهدف ترتيب البيت الداخلي الفتحاوي والبيت الداخلي للسلطة الفلسطينية لمرحلة ما بعد الرئيس عباس.”

وقال فؤاد أنور في تصريحه لـ”العرب” إن “الإرث الذي سيتركه عباس ثقيل للغاية على أي قيادة فتحاوية تأتي من بعده، وما لم تكن هذه القيادة رشيدة وحكيمة في عملية لم شمل الحركة والسلطة ستواجه متاعب كبيرة، ولذلك فاختيار روحي فتوح توافقي مؤقت، خاصة أنه قام بهذه المهمة عقب الفراغ الذي حدث بوفاة ياسر عرفات، كما أن خبرته الطويلة يمكن أن تقلل احتمالات نشوب نزاعات محتدمة داخل فتح، ومهمته الرئيسية تنصب على خلق قواسم مشتركة لتسهيل مهمة اختيار رئيس للسلطة يستطيع التعامل مع الأوضاع الإقليمية الراهنة، ومع تراجع تأثير حماس، التي لم يعد بإمكانها تكرار مشاكساتها السابقة وسط النتائج الخطيرة التي خلفتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.”

وشدد الخبير في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية على أهمية جمع شمل حركة فتح، لأنها الحركة الأم والمنوط بها القيام بدور رئيسي على الساحة الفلسطينية، وستكون مهمة إصلاحها من الداخل دقيقة، ومؤشرا على طبيعة الدور الذي سوف تلعبه قيادتها للسلطة الفلسطينية التي تآكلت أجزاء كبيرة من هياكلها في الفترة الماضية، وغير قادرة على القيام بمهامها المتعددة، بعد استجابتها للكثير من المطالب الإسرائيلية ورضوخها للضغوط. ومن الضروري أن تكون القيادة الجديدة مدركة لهذا البعد، بالتوازي مع عملية توحيد الضفة الغربية مع قطاع غزة، كي تسترد السلطة جزءا من عافيتها سريعا، وتفتح أفقا لحل الدولتين.

ولفت فؤاد أنور إلى أهمية ما تقوم به القاهرة لتقريب وجهات النظر بين القوى الفلسطينية، وداخل حركة فتح تحديدا، استعدادا للتعامل مع متطلبات المرحلة المقبلة لمنع حدوث فراغ داخل السلطة الفلسطينية، وتأكيد أن هناك طرفا فلسطينيا يمكن التفاهم معه والتعويل عليه.

2