إصدار القرارات والتراجع عنها يعكسان القطيعة بين تبون والجزائريين

الجزائر- وصفت أوساط سياسية جزائرية قرار الرئيس عبدالمجيد تبون التراجع عن الإجراءات الجبائية التي تضمنها قانون المالية الجديد بأنه دليل على انفصام العلاقة بينه وبين الجزائريين، متسائلة كيف يمكن لرئيس أن يتخذ قرارا وهو لا يعرف ما إذا كان يناسب قدرة مواطنيه أم لا يناسبها؟
وقالت هذه الأوساط إن الرئيس تبون أظهر ضعفا من ناحيتين؛ فهو من ناحية يفترض أن يتبنى الإجراءات التي أقرتها الحكومة كونها ضرورية للخروج بالبلاد من الأزمة، لكنه تراجع ليبدو في صورة الرجل الضعيف فيما تحتاج الجزائر إلى رجل قوي لاتخاذ قرارات مصيرية خاصة على المستوى الاقتصادي.
ومن ناحية ثانية حرص الرئيس الجزائري على التبرؤ من القرار ومغازلة الشارع الجزائري، وهو ما يؤكد أنه يفكر في صورته وشعبيته أكثر مما يفكر في مستقبل البلاد. كما أن خيار الشعبوية ومحاولات ترضية الشارع سيجعلانه مستقبلا في وضع من لا يستطيع التغيير.

وأضافت الأوساط ذاتها أن التبرؤ من القرار لن يعفي الرئيس تبون من أن هذا القرار جاء امتدادا لسياسة حكومته، وهو دليل إضافي على أن الجزائر في عهده لا تختلف عن جزائر الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة أو التي قبله، حيث يغيب التخطيط الاستراتيجي وتتخذ القرارات أو يتم التراجع عنها بشكل مزاجي.
وقرر الرئيس الجزائري تجميد كل الرسوم والضرائب التي تضمنها قانون المالية إلى إشعار غير معلوم، في خطوة لكبح جماح موجة الغلاء غير المسبوقة، وذلك عشية ظهور بوادر لانفجار اجتماعي نتيجة ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية وتوسع دائرة الفقر، وهو ما يمكن أن يكون قد أرغم الرجل الأول في الدولة على مراجعة حسابات حكومته.
ووصف ناشر موقع “ألجيري بارت” عبدو سمار، المتخصص في الشؤون الاقتصادية، قرار تراجع السلطة عن الإجراءات المتخذة في قانون المالية الجديد بـ”الفشل الذريع لمؤسسات الدولة المنبثقة عن مشروع الجزائر الجديدة”.
واستغرب المتحدث في تسجيل صوتي “تراجع السلطة عن قانون لم يمر إلا 40 يوما على دخوله حيز التنفيذ “، ووصف ذلك بـ”غير المسبوق في تقاليد الدول، وكان (ينبغي) على الأقل ربح الوقت إلى غاية شهر يونيو القادم، أين يمكن إعداد قانون مالية تكميلي تراجع فيه عادة المسائل غير المرغوب فيها”.
واعتبر القرار “إدانة ذاتية للسلطة واعترافا بفشلها في إدارة شؤون الدولة، وأن قانون المالية الجديد أعدته الحكومة وزكاه البرلمان بغرفتيه وصدق عليه رئيس الجمهورية”.
وتساءل “أين كان هؤلاء لما كانت تحذيرات المختصين تدعو إلى عدم الإفراط في سياسة الجباية؟”، وخلص إلى أن “هذا كاف على الأقل لرحيل الحكومة وحل البرلمان، إن لم يكن رحيل السلطة برمتها”.
وكانت حكومة أيمن بن عبدالرحمن قد أدرجت حزمة من الرسوم والضرائب على مختلف الأنشطة، كما شرعت في تقليص التحويلات الاجتماعية، بدعوى إيجاد مصادر لتمويل العجز المسجل في الموازنة العامة والمقدر بنحو 30 مليار دولار.
لكن ذلك أثر على الجبهة الاجتماعية ووضعها على صفيح ساخن، بسبب الغلاء الفاحش وتوسع دائرة الفقر وتدهور القدرة الشرائية بنسبة 60 في المئة.

عبدو سمار: التراجع عن الإجراءات الجبائية إدانة ذاتية للسلطة واعتراف بفشلها
وكانت الضريبة الأخيرة التي طبقتها إدارة الجمارك على التجارة الإلكترونية، المتراوحة بين 40 و130 في المئة، القطرة التي أفاضت الكأس، حيث أثارت موجة من الغضب والاستياء لدى الشارع الجزائري، وهو ما يكون قد استشعرته السلطة ودفعها إلى مراجعة حساباتها قبل أي سيناريو غير مرحب به.
وذكر بيان مجلس الوزراء أن “الرئيس تبون أمر بتجميد كل الضرائب والرسوم التي تضمنها قانون الميزانية 2022 على بعض المواد الغذائية، بداية من الأحد (قبل يومين) وحتى إشعار آخر، فضلا عن إلغاء كل الضرائب والرسوم على التجارة الإلكترونية والهواتف النقالة الفردية ووسائل الإعلام الآلي الموجهة للاستعمال الفردي والمؤسسات الناشئة، والاكتفاء بالتعريفات المقنّنة حاليا”.
ولم يستبعد مراقبون أن تكون الإجراءات المذكورة محاولة من السلطة للحيلولة دون تجدد الاحتجاجات السياسية والاجتماعية، بمناسبة الذكرى الثالثة للحراك الشعبي المصادف للثاني والعشرين من فبراير، حيث يتداول ناشطون ومدونون على شبكات التواصل الاجتماعي دعوات للعودة إلى الشارع.
وحسب مصدر مطلع فإن السلطة ربما بلغتها معطيات ومعلومات عن حالة من الغضب والاحتقان الشعبي، ساهمت فيها الخيارات الاقتصادية والاجتماعية المنتهجة من طرف الحكومة، وقد تتحول هذه الحالة في ذكرى الحراك الشعبي إلى موجة غضب عارمة ذات عواقب وخيمة بسبب أبعادها وخلفياتها الاجتماعية.
ووجه سمارانتقادات لاذعة للسلطة، لكونها لم تستعن بالخبراء والمختصين في إعداد قانون المالية، واكتفت بمن وصفهم بـ”الإداريين والبروقراطيين والدائرين في محيط تبون”.
واعتبر أن الإفراط في سن الرسوم والضرائب هو تعطيل للحياة واستفزاز للمجتمع، وكان على الحكومة أن تفكر في خلق مناخ جذاب للاستثمار الخارجي والداخلي وإيجاد مصادر دخل خارج دائرة النفط، والتركيز على دعم الإنتاج المحلي لتلبية حاجيات الاستهلاك، وبذلك تتقلص فاتورة الواردات بشكل آلي ويبقى التصدير ورقة إضافية لدعم الموارد.
كما شدد على ضرورة تقليص الإنفاق الحكومي في الوظيفة العمومية، خاصة الهيئات والإدارات والوزارات التي تستنزف طاقات الخزينة، ولفت إلى أن ارتفاع أسعار النفط لا يفيد الجزائر إذ بقي الملاذ الوحيد للحكومة وللسياسات الاقتصادية، لأنه سيتم تكرار التجارب السابقة ويبقى وضع البلاد يراوح مكانه إن لم يصطدم أصلا بجدار صلب.
وكانت عدة فئات اجتماعية ومهنية -على غرار المحامين والمساعدين القضائيين والموثقين والأطباء الخواص- قد نفذت حركات احتجاجية وإضرابات بسبب الرفع في سلم الضريبة من 12 إلى 35 في المئة.
كما أعلن آخرون عن توقفهم عن دفع الجباية بسبب شلل أنشطتهم من جهة ورفعها من جهة أخرى، كما هو الشأن بالنسبة إلى مهنيي قطاع السيارات والمركبات.